في آخر زيارة له قبل مغادرته منصبه وتفرغه للخدمة الروحية، زار الدكتور منير حنا رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ليعلن الطرفان معا تأسيس مركز للدراسات الإسلامية المسيحية في مصر يشارك فيه الأزهر الشريف وتديره الكنيسة.

بعدها بـ48 ساعة، سلم المطران منير حنا منصبه لخليفته الدكتور سامي فوزي رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية الجديد الشغوف بالبحث العلمي، إذ حصل على درجة الدكتوراة في اللاهوت من جامعة بريمنجهام البريطانية.

المطران سامي قال إن كنيسته جادة في مساعيها لتأسيس هذا المركز ومن قلب الكنيسة كرسالة يتعلم من خلالها الناس ليتعلم الناس كيفية الحوار والتعامل بين المسيحيين والمسلمين، مشيرا إلى أن ظروف وباء كورونا أخرت افتتاح هذا المركز .

المطران سامي أشار إلى أن المركز سيحمل اسم المطران منير حنا وهو المطران السابق للكنيسة الذى كان تأسيس هذا المركز حلما يراوده.

ولفت إلى أن المركز يتكون من شقين أساسين الأول برنامج المدرسة الصيفية حيث تنظم الكنيسة زيارات تعليمية للراغبين في التعرف على مصر وتاريخ الإسلام فيها وكذلك المسيحية من الزوار الأجانب دون الحصول على درجة علمية بينما الشق الثاني من المركز يمثل الوجه الأكاديمي له أي أنه يمنح درجات جامعية ومن خلال تنظيم جامعي واعتماد دولي عبر دعوة أساتذة من كافة أنحاء العالم للتدريس فيه.

الدراسات الإسلامية المسيحية

المطران سامي استرجع تجربة مشابهة حيث لفت إلى أن الكنيسة في السنوات الماضية نظمت مدرسة صيفية للدراسات الإسلامية المسيحية عاش المشاركون بها في الكاتدرائية الأسقفية في الزمالك وزاروا الأزهر والبابا تواضروس وفي نهاية اليوم كانوا يلتقون بالمحاضرين.

اقرأ أيضا:

تسليم سلس للسلطة.. منير حنا يتفرغ وسامي فوزي يبدأ عهدا جديدا للكنيسة الأسقفية

ليس الأول من نوعه.. تجربة الآباء الدومنيكان في دراسة الإسلاميات

 

يبدو مشروع الكنيسة الأسقفية الواعد جديدا على الحياة الثقافية المصرية، إلا أن رهبنة الدومنيكان الكاثوليكية قد سبقت الكنيسة الأنجليكانية إلى ذلك حيث شهد العام 1928 تأسيس دير الدومنيكان على يد الأخ  أنطونين جوسان وكان الهدف آنذاك أن يكون الدير امتدادًا لمدرسة القدس للكتاب المقدس وذلك لكي تتم دراسة الآثار المصريّة في ضوء الدراسات الكتابيّة.

أما القرن الثالث عشر الميلاديّ قد شهد مولد الرهبنة الدومنيكيّة في الجنوب الفرنسيّ إلّا أنّ الرهبنة ما لبثتْ أن وضعتْ لنفسها أقدامًا فى بلاد الشرق هناك في اسطنبول وتونس وبغداد ولاحقًا في الموصل. ويُرجع أساتذة اللاهوت الدومينيكان فضل معرفتهم بأرسطو إلى الفلاسفة العرب. وقد كتب كلا من القدّيسين ألبير العظيم وتوماس الأكوينيّ تعليقات على أعمال ابن رشد وابن سينا.

يشير الموقع الرسمي لدير الآباء الدومنيكان إلى أن الحروب في المنطقة العربية قد وقفت عائقا في وجه المشروع حتى إذا جاء العام 1937 اصطحب جوسان ثلاثة من الرهبان الدومنيكان الذين قرروا تكريس حياتهم لبناء جسر مع الإسلام ودراسة علومه المختلفة وقد وقع اختيارهم على القاهرة التي كانت تضم الأزهر الشريف وتتمتع بمكانة متميزة في المحيط العربي

ووفقا لموقع الدير فإن الفاتيكان قد طالب أتباعه بدراسة الإسلام على محمل الجد دراسة واعية تهدف لفهم الدين بشكل عميق لا التبشير ضده أو اقتصار فهمه على وجهة النظر المسيحية ومن ثم بدأ الرهبان الثلاثة چورچ قنواتيّ وچاك چومييه وسرچ دي بوركي العمل على تلبية الدعوة تلك في القرن العشرين وفي يوم ٧ مارس ١٩٥٣ تمّ تأسيس معهد الآباء الدومنيكان للدراسات الشرقيّة (IDEO).

صاحب تأسيس دير الآباء الدومنيكان في مصر، تأسيس مكتبة عملاقة تضم أكثر من 150   ألف عنوان كتاب و1800 عنوان مجلّة دوريّة، مفرقا بين العنوان وبين الكتاب إذ يمكن للعنوان أن يشمل عدة كتب في أجزاء متعددة، حيث تهدف إلى تغطية كلّ المجالات في الدراسات الإسلاميّة: اللغة العربيّة والتفاسير القرآنيّة وعلم الكلام والشريعة والفقه والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والتصوّف وتاريخ العلوم.

تحتوي المكتبة على أكثر من عشرين ألف نصّ من التراث العربيّ الإسلاميّ كما تحتوي على دراسات باللغات العربيّة والأجنبيّة وتُتيح للقرّاء الاطّلاع على الأبحاث المعاصرة في علوم الإسلام والكثير من رسائل الدكتوراه.

تعطي مكتبة الآباء الدومنيكان الأولويّة الكبرى لأمّهات الكتب العربيّة خاصةً في مجالات الفكر الدينيّ واللغة والفلسفة والعقيدة والتصوّف والتاريخ والجغرافيا والعلوم، وذلك وفقا للموقع الرسمي للمكتبة التي تتبع نظاما فريدا للفهرسة يسمى برنامج الكنديّ والذى يعمل على ربط الباحث بكافة مؤلفات المؤلف الذي يبحث عنه وما كتب عنه وما كتبه هو ليحيطه بشبكة تخص كافة أعمال المؤلف موضوع البحث فإذا كان بحثك عن ابن رشد سيمكنك نظام الكندي من الإحاطة بكل مؤلفات ابن رشد ورسائل الماجستير التي كتبت عنه والانتقادات التي تم توجيهها له وما كتبه هو من انتقادات لأخرين وغيرها.

إضافة إلى الدير والمكتبة، فإن هناك معهد المخطوطات العربيّة الذى يضم مجموعةً من الميكروفيلم مُسجّل عليها مخطوطات عربيّة من جميع أنحاء العالم، أمّا المعهد الدومنيكيّ فيمتلك مجموعةً من المطبوعات بما في ذلك أكثر من عشرين ألف نصّ من نصوص التراث العربيّ الإسلاميّ، من خلال دمج قاعدة البيانات الخاصّة بكلّ منّا سوف يتيح هذا الفهرس المشترك للباحثين الوصول إلى معلومات عن نصوص بعينها وإلى قائمة المطبوعات الّتي تُوجد في مكتبة المعهد الدومنيكيّ بالإضافة إلى قائمة المخطوطات المُسجلة بواسطة معهد المخطوطات العربيّة، وبذلك نحن نثري تاريخ إصدار هذه النصوص ونعمل على تيسير البحث في الدراسات الإسلاميّة.

في لبنان، قاد الرهبان اليسوعيون تجربة مماثلة حيث أسسوا جامعة القديس يوسف اليسوعية التي قادت بدورها فكرة تأسيس معهد للدراسات الإسلامية المسيحية احتفل بعيده الأربعين عام 2017 غير عابئ بالمناخ الطائفي في لبنان التي عاشت ويلات الحرب الأهلية.