قبل عامين إلا قليلا، تلقت أسرة وليد عبدالعظيم، الذي يعمل سائقا بهيئة النقل العام، مكالمة هاتفية تفيد بوجود جثته في المشرحة، وعليهم الحضور فورا للتأكد من هويته واستلام الجثمان.
قالت التحقيقات إنه لقي مصرعه إثر تناول كمية من الكحوليات ليلقى حتفه داخل قسم شرطة حلوان بعد مشاجرة مع أمناء شرطة.
رحلة البحث عن سبب وفاة “عبدالعظيم”
لم تكتف الأسرة بالحزن واستقبال المعزين، كما لم تستسلم لهذه الرواية، لتبدأ رحلة امتدت عامين، هنا مسارها ونتيجتها.
عقب وفاة العامل، أرسلت الأسرة تلغرافات إلى وزير الداخلية والنائب العام تفيد بواقعة القبض عليه دون تحرير محضر رسمي قبل وفاته.
يقول عمرو محمد، محامي الدفاع، إن الضحية ألقي القبض على وجرى الاعتداء عليه أثناء وجوده في أحد المقاهي بمنطقة حلوان، جنوب القاهرة، ما أدى لمشادات كلامية بينه وبين قوة الشرطة المارة بالمقهى ذهب على إثرها إلى القسم حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.
تلقت الأسرة مكالمة هاتفيه من أحد الأفراد بقسم حلوان، باستلام جثمان “وليد” والذي بدا عليه علامات الاعتداء، أنكرها القسم لاحقا. كما قالوا إن المجني عليه توفى إثر تناول الكحوليات، والتي على إثرها عرضت النيابة الجثة على الطب الشرعي لإثبات ذلك.
خرج تقرير الطب الشرعي لتحفتظ بيه النيابة في ملف القضية لأكثر من عام ونصف، رافضين اطلاع الأسرة عليه.
الحق القانوني معطل
محامي العامل بهيئة النقل العام استمر في رحلته للحصول على معلومة طوال فترة العامين، لدعم أهلية المجني عليه. وإن كان بأقل القليل وهو معرفة ما ورد في التحريات.
حاول المحامي مرارا وتكرارا استعمال حقه القانوني في الحصول على تفاصيل القضية.
وتنص المادة “52” من قانون المحاماة أنه: “للمحامى حق الاطلاع على الدعاوى والأوراق القضائية والحصول على بيانات الدعاوى. ويجب على جميع المحاكم والنيابات ودوائر الشرطة ومأموريات الشهر العقاري وغيرها من الجهات. التي يمارس المحامي مهمته أمامها أن تقدم له التسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه”.
عقب الوفاة انتشر خبر عن أسباب الوفاة وبعض من تفاصيل التحريات في أحد الصحف. ليجد “عمرو” نفسه في حيرة نظرًا لأنه هو نفسه محامي الأسرة لكن لا يستطيع الاطلاع على معلومات القضية.
يقول: “أنا كمحامي الأهلية ممنوع من الاطلاع على التحريات والتي فوجئت أنها منشورة في أحد الصحف”.
طلبات.. نظر وإرفاق
حصل “عمرو” على نسخه من الخبر، ليذهب به إلى إدارة التفتيش القضائي لتحرير شكوى. لعل تمكنه من الإطلاع على تفاصيل القضية، ولكن دون جدوى.
خلال فترات المتابعة تم تغيير وكيل النيابة المسئول عن القضية. مع كل مرة يتم فيها تحرير تأشيرة من النيابة بالنظر. بعبارة “نظر وإرفاق” وهو ما يفيد بعدم عرض تفاصيل القضية أيضًا بحسب المحامي.
كرر المحامي المحاولات على فترات متقاربة طوال العاميين الماضيين، وكانت المبررات مختلفة للرفض.
“لما الظابط يسأل ممكن تحصل على صورة رسمية”. ثم “الظابط أصيب بكرونا”، ثم “الضابط سيجري عملية جراحية”. مبررات مستمرة لتعطيل التحقيق في أسباب وفاة “عبدالعظيم”، والتي كانت سببًا آخر في عدم تداول أوراق القضية.
وكان أشقاء المجني عليه أثناء استجوابهم في النيابة العامة، اتهموا ضابطي شرطة بتعذيب شقيقهم حتى الوفاة. ذلك قبل اتهامهم لأمين شرطة بمعاونة الضابطين.
الرواية الرسمية
أما الرواية الرسمية التي نشرت حول مصرع “عبدالعظيم”، هي أن السائق وليد عبدالعظيم اعتدى بصحبة صديقه، على قوة مباحث قسم شرطة حلوان. أثناء ضبطهما في حالة تعاطي المواد الكحولية “بيرة” على الطريق العام. إذ أصيب المتهم الأول بحالة إعياء شديدة، أثناء تواجده بالقسم. توفى على إثرها بعد نقله لمستشفى الهدى الإسلامي.
وكان ورد إخطار للواء هاني جرجس، نائب، مدير أمن القاهرة، من ضباط قسم شرطة حلوان. مفاده إصابة كل من “محمد جلال”، 34 سنة، رقيب شرطة. و”حمادة صلاح”، 34 سنة، رقيب شرطة. وكل من “وائل عثمان”، 41 سنة، أمين شرطة، و”يوسف عبدالنظير”، 34 سنة، عريف شرطة.
وتبين أنه أثناء مرور قوة أمنية ضمت أفراد الشرطة الأربعة سالفي الذكر، بمنطقة المثلث، لتفقد الحالة الأمنية وضبط الخارجين عن القانون. شاهدوا سيارة ملاكي ماركة شيفورليه لانوس، تحمل لوحات رقم “ف ر ب 673” بداخلها شخصان يعاقران الخمر “بيرة” في الطريق العام.
وعندما قام فرد الشرطة بطلب تحقيق الشخصية من المتهم الأول ويدعى “وليد عبدالعظيم” موقوف عن العمل سبق اتهامه في عدد من القضايا أرقام 9279 لسنة 2016 جنح ضرب ومشاجرة. و7906 لسنة 1997، أخبره بأنه يعمل أمين شرطة وقام بالتعدي عليه وعلى قوة المباحث. هو وصديقه المتهم الثاني ويدعى “سيد محمد محمد”، 37 سنة، وشهرته فروكة، عاطل ومقيم بنفس عنوان المتهم الأول. وسبق ضبطه واتهامه في القضايا أرقام 3046 لسنة 2016 سلاح بدون ترخيص و10549لسنة 2014 بلطجة.
لصالح وليد عبدالعظيم
يقول المحامي إنه لم يستطع الحصول على تفاصيل القضية أو تقرير الطب الشرعي الخاص بها، والذي لم يستدل منه سوى على معلومة واحدة “لصالح المجني عليه”.
ويضيف: “عام ونصف لا أعلم تفاصيل القضية، ولا ما ورد في التحريات أو الشهود الذين حضروا الواقعة. ولا حتى تقرير الطب الشرعي، وعند الطلب أطلع على ذلك، يرد عليا بالنفي”. يتعجب المحامي من هذا التعنت: “لا يوجد مبرر لمنعي من الإطلاع”.
انتظار الأسرة مع المحامي كان يشوبه القلق والتمسك أكثر بحق “وليد” أمام المفاوضات التي طرحت أمامهم للمساومة على حقه، “عايزين حق أخونا”.
قيد البحث
حصل شقيق “وليد” على شهادة الوفاة، والتي جاءت بدون سبب واضح للوفاة، حيث دون بها “قيد البحث”، الأمر الذي جعل إدارة المعاشات تطالب بسبب توضيحي للوفاة، أي تقديم تقرير الطب الشرعي.
مفاجأة مدوية فجرها تقرير الطب الشرعي بعد التعرف على المعلومات التي وردت فيه، إذ جاءت لتثبت تعرض “وليد” للتعذيب.
تقرير الطب الشرعي
جاء في التقرير أنه بفحص ظاهر الجثمان تبين بها الآثار الإصابية الحيوية الحديثة كدم بلون بنفسجي غير منتظم الشكل. يقع بناحية الجفن العلوي للعين اليمني مصحوب بنزيف بوحشية ملتحمة العين اليمنى. كدم بلون بنفسجي غير منتظم الشكل يقع بمنتصف الجفن العلوي للعين اليسرى”.
الإصابات المشاهدة والموصوفة بالرسغ الأيمن هي إصابات ذات طبيعة احتكاكية حيوية حديثة. ويشير شكلها وموضوعها إلى كوّنها على أثر التقييد.
التقرير أضاف: “كدم بلون بنفسجي طولي الشكل يقع يسار الجبهة، و2 سحج بلون محمر خط رفيع. الأول يقع بأعلى يسار العنق. والثاني رأس الوضع يقع بأعلى يسار خلفية العنق. و2 كدم بلون بنفسجي غير منتظم الشكل يقعوا بأعلى يسار الظهر. و2 سحج بلون بنفسجي محمر هلالي الشكل متقابلين يقعوا بمنتصف خلفية الكتف الأيمن. وكدم بلون بنفسجي الشكل يقع بأعلى العضد الأيمن”.
وتابع التقرير: “تبين من انسكابات دموية غزيرة بأسفل عين البطن والظهر هي إصابات ذات طبيعة رضية حيوية حديثة. حدثت من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة. والإصابات المشاهدة والموجودة بكلا من خلفية المرفق الأيسر وأعلى يسار الظهر ومنتصف خلفية الكتف الأيمن هي إصابات ذات طبيعة رضية احتكاكية. حديثة حدثت من المصادمة بجسم وأجسام صلبة. والإصابات المشاهدة والموجودة بالكشف الظاهري بأعلى يسار العنق وبخلفية العنق هي إصابات ذات طبيعة احتكاكية حيوية حديثة”.
كما ذكر التقرير ما يفيد بعدم صحة رواية أن المجني عليه توفى إثر تناول الكحول: “تم أخذ عينات حشوية عبارة عن دم وإنصاف كلى وجزء من جدارة المعدة. للبحث عن أشباه القلويات المخدرة والمنومات والمهدئات والمنشطات ومضادات الاكتئاب والترامادل والكحول. ووردت نتيجة المعمل الكيميائي التي تفيد بسلبية الفحص للعينات المرسلة”.
حجب المعلومات
عادة ما يطلب المحامي من النيابة العامة أو أثناء انعقاد الجلسات الاطلاع على الأوراق والمستندات التى تُطرح أمامها. لكن “عمرو” واجه تعنتًا شديدًا في التمتع بحقه القانوني الذي أكده النائب العام بعد صدور الكتاب الدوري رقم 7/1996.
أورد النائب العام في كتابه: “ولما كان من المقرر أن حق الاطلاع على أوراق التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع المتهمين. تعد من أبرز حقوق الدفاع التي نظمها قانون الإجراءات الجنائية. والمادة / 52 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983- بوصفه من أهم ضمانات التحقيق الجنائي. ذلك تمكينًا للدفاع من القيام بواجبه المنوط به قانونًا”.
كما نصت المادة 125 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: “يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب. أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك. وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق”.
نمط غير محدد
يؤكد عمرو أنه لا يوجد نمط محدد لرفض طلبات الإطلاع، فالمتعارف عليه هو أن ذلك الأمر من الممكن أن يحصل لفترة محددة، لكنه أصبح الآن متوسعًا فيه. “رفض إطلاعي مسبقًا في قضية جنحة وحصلت على الأوراق بعد إحالة المتهم للمحاكمة”.