في مطلع يونيو الجاري، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الشكر لقضاة محكمة جنوب القاهرة على مجهودهم الكبير في قضية كبيرة من حيث الحجم والتنوع، لافتة استرعت انتباه صاحبه جدل عن القضية التي يهتم بها رئيس الجمهورية إلى هذه الدرجة، إلى أن أعلن اليوم عن تفاصيلها الكاملة.

ظهر اليوم، أعلنت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية قرارها بشأن قضية شقة الزمالك التي عثر بداخلها على مقتنيات نادرة للحضارة القديمة والإسلامية وعهد محمد علي. وقررت إدارة التنفيذ بالمحكمة، إبلاغ النيابة العامة بالواقعة لإنفاذ شئونها. والتحفظ على الشقة وما بها من مضبوطات ومنقولات وأموال. ووضعها تحت تصرف النيابة العامة، واستمرار الحراسة المشددة على المكانين.

كما نفت المحكمة التصريحات التي أدلى بها المستشار أحمد عبدالفتاح حسن وابنه “كريم” حول أن المضبوطات لها سندات ملكية. مؤكدة أن إفادات وردت من الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بأن المنفذ ضده ووالده ليس لهما حيازة أثرية، وفقًا للسجلات.

وجاءت تقرير نتائج عمل اللجان الفنية، بإثبات وجود العديد من القطع التي تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته. نحو 1204 قطعة أثرية ترجع للحضارة المصرية القديمة والعصر الإسلامي. كذلك 787 قطعة أثرية ترجع لأسرة محمد علي.

كنوز شقة الزمالك

وتبين من فحص الكتالوجات المضبوطة أنها تخص مزادات تم عقدها في صالات شهيرة، تتابعها وزارة الآثار بشكل مستمر. كما تعرض قطعًا أثرية مصرية يشتبه في خروجها من البلاد بطرق غير شرعية.

وتم استرداد العديد من القطع الأثرية التي كانت معروضة للبيع في تلك الصالات، وتبين أنها مهربة من مصر بطرق غير شرعية. حيث تم استرداد 6 قطع أثرية كانت معروضة في صالة المزادات “كريستي” و3 قطع أثرية كانت معروضة في صالة “بونامس” عام 2014. و8 لوحات خشبية كانت مسروقة من قبة الخلفاء العباسيين ومعروضة في صالة الأخيرة عام 2016.

وأعدت لجنة وزارة الثقافة تقريرًا أثبتت فيه أنها فحصت 219 لوحة فنية تم تصنيفها إلى 3 فئات، الأولى: 103 من اللوحات الفنية ذات قيمة عالية جدًا. كما أنها تصلح للعرض المتحفي.

كذلك الفئة الثانية بواقع 56 لوحة فنية ذات قيمة فنية ومادية عالية، لا تصلح للعرض المتحفي. بينما الفئة الثالثة بواقع 47 لوحة تجارية، و10 لوحات أوصت بعرضها على دار الكتب والوثائق.

جانب من مضبوطات شقة الزمالك

بداية القصة.. الصدفة السبب الوحيد

الصدفة كانت البطل في القصة. ففي 27 مايو الماضي أثناء تنفيذ حكم مدني، بإلزام نجل مستشار سابق. بدفع مبلغ 10 ملايين جنيه بالفوائد لخاله في دعوى حساب بينهما بسبب شركة للمقاولات والإنشاءات. ونزاع آخر منذ 7 سنوات على الميراث بين خاله ووالدته وخالته. وبناء على ذلك الحكم، صدر قرار من قاضي التنفيذ بمحكمة جنوب بالحجز على ممتلكاته.

وأثناء انتقال المأمورية لتنفيذ الحكم تبين وجود شقة بداخلها كميات كبيرة من التحف واللوحات والمجوهرات والنياشين والعملات الذهبية. فأخطر قاضي التنفيذ مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي المستشار ومن ثم وزير العدل. ليصدر قرارًا باتخاذ الإجراءات القانونية.

تم تشكيل لجنة قضائية من قضاة التنفيذ وندب لجان متخصصة لفحص الموجودات التي عثر عليها. بينما طالب قضاة التنفيذ التحفظ على محل تحف وانتيكات مغلق مملوك لوالدة ابن المستشار. ومنذ ذلك الوقت أصبحت قضية شقة الزمالك المعروفة إعلاميًا بـ”مغارة علي بابا” تتصدر المشهد.

بيان من المالك كذبته المحكمة

في الوقت ذاته أصدر المستشار أحمد عبدالفتاح، مستشار في المحكمة الدستورية في الكويت، مالك شقة الزمالك. بيانًا حول الواقعة. وقال إن “ابنه” كريم، الذي على خلافات مع خاله، لا يمتلك الشقة.

وقال المستشار الذي يعيش خارج مصر منذ 20 عامًا، إنه نجل وزير سابق، وزوجته كذلك، في فترات زمنية سابقة. كما أنه يمتلك الموجود من مجوهرات وتحف ولوحات في شقة الزمالك، كما يمتلك الأوراق الثبوتية لملكيتها. وهو ما نفته المحكمة مؤخرًا.

ما الوضع القانوني للشقة الآن؟

وبحسب القانون رقم 3 لسنة 2010، تحدد طبيعة المقتنيات التي تدخل في حكم الآثار بوضوح، من خلال 3 شروط للتعامل مع المقتنى باعتباره أثرًا. أولًا أن يمر عليها 100 عام، وأن يكون مرتبط بالأراضي والحضارة المصرية. وأن يكون خاصًا بشخصية مصرية.

كذلك فإن النياشين الملكية التي تعود إلى أسرة محمد علي باشا ينطبق عليها وصف المقتنى الأثري، نظرًا لقيمتها التاريخية. ذلك أن النيشان يسبقه إصدار مرسوم ملكي ينص على منح شخص ما هذا النيشان الملكي من درجة ما. وبالتالي فإن توارث هذه النياشين في الأسر العريقة لا ينفي ضرورة تسجيلها. وإذا لم يسجلها الشخص فإن هذا الأمر يضعه تحت طائلة القانون.

وعن الأوراق المطلوبة لتسجيل المقتنيات الأثرية، فهي تطلب سند الملكية، ليسجله في الوزارة، سواء آل إليه عن طريق الهبة أو الوراثة أو التنازل. مع الإشارة إلى أن قانون الآثار يتيح حيازة والاتجار في نوعية اللوحات التي لا تنتمي إلى التراث المصري. أو تلك التي لا تنتمي إلى حضارة نشأت على الأراضي المصرية.

الدكتور زاهي حواس، عالم المصريات الشهير، ووزير الآثار الأسبق، قال إنه لابد من مخاطبة وزارة الآثار لكل من يتشكك في حيازة أثر ما. إذ يتم تشكيل لجنة لفحصها وتسجيلها. كما أضاف أنه عندما صدر قانون الآثار عام 2010، ثم تعديلاته قلنا إن من يجد آثارًا في منزله. عليه أن يتقدم للوزارة بطلب لتسجيلها وتظل لديه، ولكن لا يصبح من حقه أن يبيعها أو يتصرف فيها.