قبل أيام، استدعي المواطن المصري هاني رياض، للشهادة في محكمة الأسرة، وفور دخوله قاعة المحكمة، سلّم بطاقته إلى المحامي الذي بدوره قدمها للقاضي. إذ تفاجئ بقول الأخير: “ده مش هينفع يشهد، لا يجوز شهادة مسيحي ضد مسلم”.

مواطنة على الورق غير قابلة للتطبيق

كتب هاني رياض، في تدوينة له على “فيسبوك” قائلًا: “نظرت إلى القاضي منتبهًا إذ أدركت السبب المقيت بداخلي راجيًا أن أكون واهمًا فيما أدركته”. وسأل المحامي قائلًا: “ليه سيادتك؟” فرد القاضي بكل وضوح: “ده مسيحي ولا ينفع له شهادة مع أو ضد واحد مسلم”.

ويستدرك: “شعرت بالاغتراب عن بلدي التي أرجو لها سلامًا وشعرت بغصة من الشعارات التي نقولها عن أنفسنا وعن وطننا بأننا بلد المواطنة. أننا البلد التي لا تفرق بين مسلم ومسيحي وهذا يمكن يكون فعلا على مستوى الناس ولكن على مستوى المؤسسات فإننا عكس ذلك”.

يمكن تعريف المواطنة بأنها تعني انتماء الإنسان إلى منطقة جغرافية محددة والمشاركة في الحكم، والخضوع للقوانين، والتمتع بمجموعة من الحقوق، وأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة. إذ أنها صفة أساسية وحق لا يجوز إهداره.

شهادة هاني رياض في المحكمة

لسنا دولة مدنية كاملة

يقول إسحق إبراهيم، باحث ومسئول ملف حرية الدين والمعتقد في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن الدستور المصري ينص على أننا دولة مدنية فضلًا عن تأكيده حق المواطنة ورفض التمييز. لكن بالتأكيد هناك بعض النقاط يغيب عنها مفهوم المواطنة بتعريفها العام.

وأوضح إبراهيم في تصريح لـ”مصر 360″، إن بعض القضاة يعتمدون على الشريعة الإسلامية فيما يخص شهادة المسيحي ضد مسلم، وهو أمر غير مفهوم. خاصة أنه من الممكن فهم عدم جواز شهادة المسيحي في قضايا ذات صبغة دينية. لكن في الأمور الحياتية هو الأمر غير المفهوم. لافتًا إلى ضرورة أن يتم مراجعة مثل تلك القواعد والعمل على تغييرها. إذ أن لها تبعات على سير العدالة، كيف يمكن قبول شاهد لم ير بعينه واقعة بعينها وتقبل شهادته فقط لكونه مسلم. بينم ترفض شهادة المسيحي الذي رأى فقط لكونه مسيحي. هذا تمييز واضح على أساس ديني يناقض الدستور.

وتابع: “بالتأكيد لسنا دولة مدنية بشكل كامل، ونحتاج إلى مزيد من التحرك تجاه مفهوم الدولة المدنية. إذ يجب على الدولة أن تأخذ شهادة المواطنين دون النظر إلى الدين كمعيار في حد ذاته. وهنا يجب أن نطرح تساؤل هل يكون نفس موقف القضاة في حال كان المتنازعين مسيحيين هل يجوز شهادة المسلم عليهم”.

تنص المادة 53 في الدستور المصري، على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة. لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي. أو حتى الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.

لا شهادة لمسلم على مسيحي ولا مسيحي على مسلم

لم تكن حالة المواطن هاني رياض هي الأولى من نوعها، إذ سبق أن شهدت ساحات القضاء هذا النوع من الإشكاليات. ففي عام 2008 رفضت محكمة شبرا الخيمة شهادة مسيحي مع أحد المسلمين في القضية 1824 لسنة 2008. بحجة أن المسيحي لا تجوز شهادته شرعًا على المسلم.

وتكرر الأمر في الدعوى رقم 1354 لسنة 2015 أسرة بندر الجيزة. عندما رفعت زوجة مسيحية دعوى ضد زوجها المسيحي بفرض نفقة مؤقتة لطفليها “ساندرا” و”ماثيو”. وأحضرت المدعية شهودها وكان جميعهم مسلمين. ثلاثة أشخاص رجلًا وامرأتين. لكن رئيس الدائرة رفض سماع شهادة المسلم على غير المسلم.

والأمر ذاته تكرر في الدعوى رقم 1352 لسنة 2015 أسرة، أقامتها شيرين أديب فكري عبدالشهيد ضد زوجها مقبل بشرى كامل حنا، أحضرت المدعية شهودها وهم شاهدان أحـدهما مسيحي والآخر مسلم. وتفاجئ الجميع بما قرره رئيس الدائرة إذ رفض سماع شهادة الشهود لكون أحدهما مسلم.

ما هي موانع الشهادة؟

المبدأ أن كل شخص تتوفر لديه معلومات حول الوقائع المتنازع عليها، يمكن الاستماع إليه كشاهد دون تمييز، وبالطبع للشهادة موانع محددة نص عليها القانون بشكل مباشر. إذ يجب عدم وجود خصومة بين الشاهد ومن يشهد عليه. وأن يكون متمتعًا بالأهلية القانونية لآداء الشهادة. وأن لا يكون مُلزمًا بسرّ المهنة أو الوظيفة أو بأسرار الزوجية.

يقول المحامي القبطي كرم غبريال، إن بعض القضاة اعتاد أن يرفض شهادة الشهود على خلفية ديانتهم وهو أمر غير قانوني بالمرة ولا يمت للدستور بصلة. كما أنه يناقض كافة المواثيق المتعارف عليه، إلا أنه جرت العادة على رفضها.

“القانون هو من يحكم، سواء قانون العقوبات، أو قانون الأحوال الشخصية أو القانون الجنائي وجميعهم لا يوجد بهم نص واضح ومباشر. يفرض على القاضي رفض شهادة الشهود على خلفية دينية. إذن ما يحدث هو تطاول على الدستور الذي يؤكد أننا “دولة مدنية”. يقول غبريال

أمر خارج عن إطار القانون والدستور

وبحسب نص المادة الـ3 من الدستور: “مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية. واختيار قياداتهم الروحية”.

يضيف غبريال: “هناك بعض القضاة يرفضون شهادة المسلم ضد المسيحي والعكس، وهو أمر خارج عن إطار القانون والدستور. كما أنه لا يوجد نص واحد يتم الاستناد إليه سوى المادة الثانية من الدستور. إذ تنص على إن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. لذا نسمع البعض يردد في مثل هذه المواقف “لا أحكم بالقانون ولكن بالشريعة” وهنا فهم خاطئ للمادة يجب مراجعته. إذ أنه يعد سبيلًا للتمييز ومناقضًا لمفهوم المواطنة.

وتابع: “نظرًا لعدم وجود قانون محدد ممكن مقاومته، فإن الحل يتمثل في ضرورة العمل على تثقيف القضاة وأن يتم الابتعاد عن الأحكام ذات الصبغة الدينية. فضلًا عن ضرورة وجود هيئة تراقب أداء القضاة أكثر فعالية لتحرص على عدم إطلاق أحكام من منظور ديني. خوفًا من ضياع الحقوق وإهدار شهادة شهود على خلفية اختلاف الديانة”.