تفصل “دائرة الأحزاب السياسية” بالمحكمة الإدارية العليا، يوم 19 يونيو المقبل، في دعوى حظر أنشطة حزب العيش والحرية (تحت التأسيس). ومع تلك الخطوة يثار الحديث مجددًا عن حق التنظيم وحرية تكوين الأحزاب والتجمعات السياسية واستقلالها.
الدعوى التي أقامها المحامي سمير صبري، تحت رقم 70196 لسنة 66 قضائية، تختصم المحامي خالد على، الذي سبق أن استقال من الحزب، إلى جانب رئيس لجنة الأحزاب السياسية.
لكل فرد حق تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. المادة (22) من العهد الدولي للحقوق المدنية الأساسية
ترجع فصول القضية إلى فبراير 2018، عندما رفع صبري دعوى أمام القضاء الإداري للمطالبة بحظر نشاط الحزب، وأيّ منظمات تابعة. واختصم فيها الوكيل السابق للحزب خالد علي، وتجاهل باقي الوكلاء، إلى جانب لجنة الأحزاب السياسية، بحسب وكيلة الحزب إلهام عيداروس.
انتفاء صفة المدعي
كانت التوقعات تشير إلى عدم قبول الدعوى، لعدد من الأسباب منها انتفاء صفة المدعي، على حد قول عيداروس. وأضافت: “تفاجأنا بتعديل المحكمة لطلبات المدعي من حظر نشاط الحزب إلى حل الحزب، رغم الحكم بعدم الاختصاص. وإحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا للنظر”.
وكان تقرير المفوضين الذي صدر في أوائل 2019، قد قال بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري. وبدلاً من رفض الدعوى جرى تعديلها وتحويلها إلى دائرة الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا.
يرى المحامي إسلام عبدالمجيد أن إعادة تكييف طلبات الخصوم يعد أحد صلاحيات المحكمة. لكنه يرى أن الأزمة الحقيقة في “التفات المحكمة على الدفوع الجوهرية التي قدمها وكلاء المؤسسين، وأهمها عدم وجود القرار الإداري”. وعقَّب: “في الحقيقة هذه الدعوى هي طعن على عمل قانوني غير موجود أو طعن بالتحديد على لا قرار”.
طلب تدارك الإغفال
لذلك قدّم وكلاء الحزب، بحسب عيداروس، طلب تدارك الإغفال؛ لتعديل أسماء الوكلاء المقدمة ضدهم الدعوى. وذلك بحضور الوكيلتين إلهام عيداروس وسوزان ندا ووكيل عن الوكيل الثالث موسى أبو قرين. وجرى تأجيل نظر الدعوى إلى 17 يوليو 2021 للاطلاع والرد. في حين أن نظر قضية الحل سيكون في 19 يونيو، أي قبل ضم الوكلاء الثلاثة للقضية، وفقا لعيداروس.
وقال الحزب إن محكمة القضاء الإداري أغفلت في حكمها بعدم الاختصاص والإحالة طلب تدخلهم في القضية. رغم أنهم الممثلون القانونيون لجماعة مؤسسي الحزب، ومن واجبهم الدفاع عن إرادة المؤسسين.
دعوة للدعم والتضامن
وكان الحزب أصدر بيانًا، داعيًا كافة الشخصيات والمنظمات والأحزاب الديمقراطية إلى التضامن مع حقه في المشاركة السياسية وتأسيس حزب شرعي. وطالب “العيش والحرية” أصدقاء الحزب وأصحاب المصلحة في الحفاظ على تجربة تأسيس حزب اشتراكي جديد. بالإضافة إلى الشخصيات والمنظمات والأحزاب الديمقراطية إلى التضامن مع حقه في المشاركة السياسية وتأسيس حزب شرعي.
وتابع الحزب: “لقد اخترنا منذ 7 سنوات أن نعمل على تأسيس حزب اشتراكي جديد شرعي وعلني وفقا لقانون الأحزاب. رغم تحفظاتنا على بعض مواده التي نراها ترسخ التمييز وتقيد الحق في مباشرة الحقوق السياسية، إيمانا منا بحقنا كمواطنين ومواطنات في ممارسة الحق الدستوري في التنظيم والمشاركة السياسية”. مضيفًا: “أن العمل على تأسيس الحزب لا ينفصل عن مشاركتنا الفعالة في الحملات والفعاليات الساعية للدفاع عن حقوقنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحقنا في المواطنة”.
إساءة استخدام مرفق العدالة
وتحدث الحزب عن زاوية أخرى في القضية تتعلق بصاحب الدعوى، المحامي سمير صبري. باعتبار أن تلك ليست القضية الوحيدة التي يقيمها نفس الشخص ضده. فقد تقدم ببلاغ للنائب العام عام 2017 ضد مؤسسي الحزب يتهمهم فيه بتأسيس تنظيم عشوائي غير مشروع، وجرى التحقيق مع وكلاء المؤسسين الثلاثة في أكتوبر ونوفمبر عام 2018. ولم تصدر النيابة العامة قرارًا بشأن هذا التحقيق حتى تاريخه.
وعرف عن سمير صبري لسنوات رفع دعوات قضائية مثيرة للجدل. والتي منها على سبيل المثال، قضية فستان رانيا يوسف، أو إساءة شيرين لسمعة مصر. وجميعها قضايا تشترك في ملاحقتها للمشاهير أو الحركات السياسية.
واعتبر المحامي عبدالمجيد أن الدعوى المقامة من صبري ضد الحزب “لا تستند إلا إلى محض أقوال مرسلة ووقائع كاذبة ولا أساس قانوني لها”. وقال إنها “تخضع لتهمة إساءة استخدام حق التقاضي، الذي يستوجب التعويض المدني، وهو حق أصيل للمؤسسين يمكنهم المطالبة به”.
ووصف الحزب، في بيانه، المحامي صبري بأنه “أحد الأشخاص المعتادين على إساءة استخدام حق التقاضي، بغرض ملاحقة الشخصيات والتنظيمات المعارضة والمستقلة”.
الموقف القانوني في قضايا حل الأحزاب
وفق قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 2011. تختص لجنة شؤون الأحزاب بطلب حل الأحزاب التي تخص المحكمة الإدارية العليا (دائرة شؤون الأحزاب) بنظرها كمحكمة أول وآخر درجة.
وبحسب القانون أيضًا يقول المحامي إسلام عبدالمجيد: “لا تتوافر الصفة القانونية في دعوى حل الحزب السياسي إلا للجنة شؤون الأحزاب”. إذ إن قانون الأحزاب السياسية حظر حل الأحزاب السياسية بالطريق الإداري.
المؤسسون: الحزب لم يتم الانتهاء من تأسيسه بعد كما أنه لم يخالف أي قوانين معروفة، ولم يمارس أي أنشطة تجرمها القوانين
أما عيداروس، فترى في القضية مسارًا يخالف مسار حل الأحزاب، الذي هو من ناحية لم يتم الانتهاء من تأسيسه بعد، ومن ناحية أخرى لم يخالف أي قوانين معروفة. كما أنه لم يمارس أي أنشطة تجرمها القوانين، والتي تستلزم تقرير بها من النيابة العامة نفسها يقدم للجنة الأحزاب.
ويدعي صبري وجود مخالفات داخل الحزب تخص شكوى بالتحرش، جمع بياناتها عبر الإنترنت. وهو ما اعتبرته إلهام في غير محله، حيث “لا توجد أي بلاغات بخصوص مخالفات أو انتهاكات داخل (العيش والحرية) أمام الجهات الرسمية. كما أن هذا الشخص لم توكله أي أمراة للتحدث باسمها، وفق قولها.
والحزب يسعى لضمان بيئة آمنة وحرة للنساء كأحد التزاماته السياسية. وفي هذا الإطار دشّن، في مارس من العام الماضي، سياساته الداخلية لمكافحة التحرش، التي عبرها وضعت قواعد ملزمة لكافة الأعضاء.
وترى وكيلة الحزب عيداروس أن المحامي سمير صبري غير ذي صفة لإقامة الدعوى. وهو ما أكده أيضًا المحامي عبدالحميد، الذي قال إن فكرة دعوى صبري هي أن لجنة شؤون الأحزاب السياسية امتنعت عن طلب حل حزب العيش والحرية “تحت التأسيس”.
وتابع: “الحقيقة أن اللجنة ليس من اختصاصها مثل هذا الطلب، من منطلق أنها بطلبها هذا تمنح نفسها حق طلب منع تأسيس حزب. وهو ما لا يستقيم مع المنطق القانوني السليم ولا يتفق مع حق الانضمام للأحزاب السياسية وتأسيسها وهو حق دستوري”.
الشخصية الاعتبارية للحزب
وبالتوازي يؤكد عبدالمجيد تمتع الحزب السياسي بالشخصية الاعتبارية المنفصله عن أعضائه وحتى قيادته. وفي حالة حزب العيش والحرية “تحت التأسيس” فهو أيضا يتمتع بالشخصية الاعتبارية المحددة باستيفاء شروط التأسيس. وأهمها صياغة برنامج سياسي مميز عن برامج الأحزاب السياسية القائمة يجب أن توافق عليه خمسة آلاف عضو مؤسس من عشرة محافظات على الأقل.
وتابع: “عملية سياسية إذا أخذها المؤسسون على محمل الجد قد تستغرق فترة طويلة، وهو ما حدث في حالة العيش والحرية”.
وحول درجات التقاضي في هذه الحالات، يوضح عبدالمجيد أن المحكمة الإدارية العليا تختص بنظر منازعات الأحزاب السياسية كأول وآخر درجة. كما أن أحكامها نهائية وباتة، ولا يجوز الطعن عليها إلا عن طريق التماس إعادة النظر. وهو طريق استثنائي للطعن في الأحكام ونادرا ما تتوافر شروطه القانونية.
حق تنظيم الأحزاب المنتقص
الثابت أنه حتى عام 1980 وقبل تعديل دستور 1971 كان الاتحاد الاشتراكي هو التنظيم السياسي الوحيد في مصر. ثم جرى تعديل المادة الخامسة من الدستور بناء على الاستفتاء الذي أجرى في مايو 1980. حيث أصبحت تنص على “يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب السياسية، وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور”.
وتثير قضية “العيش والحرية” الحديث عن حق التنظيم، الذي أجازه القانون، ولكن وفق قوانين، وشروط يصعب تحققها. لذلك يرى رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، أن الأصل هو أن الحق في التنظيم مكفول بالدستور. ولكن في ظل ترسانة من القوانين، والشروط، يتوارى هذا الحق، ويفرغ من معناه.
يضع قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 على حرية تكوين الأحزاب وصحافتها الحزبية واستقلالها قيودا عدة، بدءًا من برنامجها، وتاريخ مؤسسيها، إلى تحديد عدد توكيلات تأسيسها
ويشير زهران إلى أن العادة جرت في كل دول العالم على تأسيس الأحزاب على أساس الإخطار. وفي حال جرت أي مخالفات يتم الحساب عنها بعد التأسيس. وذلك دون وجود شروط تخص البرنامج الحزبي، أو الخمسة آلاف توكيل التي يشترطها القانون المصري.
ويضع قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 على حرية تكوين الأحزاب وصحافتها الحزبية واستقلالها قيودا عدة. بدءًا من برنامجها، وتاريخ مؤسسيها، إلى تحديد عدد توكيلات تأسيسها.
ويحذر زهران من أن غياب التنظيمات سواء السياسية أو النقابية أمر خطير. إذ يغيب عن المجتمع أحد أدوات التفاوض التي تساهم في خلق حالة من التعايش بين فئات المجتمع المختلفة، مما يؤسس للاحتقان، والقابلية للانفجار، في ظل غياب آليات للتوافق بين الأفراد.
ويشير زهران أيضًا إلى مخاطر استلاب حق التنظيم، من خلال غياب الاستقرار المجتمعي، نتيجة الانفجارات العفوية غير المحسوبة، والتي لا تؤدي بدورها إلا لمزيد من الاحتقان والفوضى.
أحكام سابقة
وخلال السنوات الأخيرة، تعددت أحكام رفض تأسيس الأحزاب، من قبل المحكمة الإدارية العليا، تارة بدعوى بنود البرنامج الحزبي. وأخرى لأسباب تتعلق بعدد التوكيلات، أو تاريخ عملها.
وعلى سبيل المثال، أيدت الإدارية العليا قرار لجنة شئون الأحزاب برفض تأسيس حزب الحركة الشعبية العربية “تمرد”. وسبق الرفض تقرير من قبل هيئة المفوضين، طالب فيه المحكمة برفض تأسيس الحزب. وتأييد اعتراض لجنة شؤون الأحزاب السياسية على منحه الشخصية الاعتبارية.
وقالت الهيئة، في تقريرها، إنه ثبت يقينًا أن مجمل الاعتراضات التي أبدتها لجنة شؤون الأحزاب على تأسيس الحزب جاءت متفقة مع القانون، والتي دارت جميعها حول بنود تخص برنامج الحزب.
وفي حكم آخر، قررت المحكمة أيضًا رفض الطعن المقام من الناشط الشيعي أحمد راسم النفيس ضد لجنة الأحزاب السياسية. على خلفية رفضها تأسيس حزب جديد تحت مسمى حزب التحرير. وكانت لجنة شئون الأحزاب، أكدت عدم استيفاء الحزب عدد التوكيلات المطلوبة للتأسيس.وقررت إحالة الأوراق للمحكمة الإدارية العليا، وفقا للمادة الثامنة من قانون الأحزاب السياسية. ولكن تقرير مفوضي الدولة أوصى بقبول طعن لجنة شئون الأحزاب، ورفض تأسيس حزب التحرير.