اكتسبت قضية سد النهضة بعدا عربيا أكثر جدية، بانعقاد اجتماع خاص لوزراء خارجية العرب، أمس، في الدوحة، في ظل فشل المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي للوصول إلى حل بخصوص عملية الملء الثاني وتشغيل السد بين مصر والسودان من طرف وإثيوبيا من طرف آخر.

رغم أن الاجتماع العربي كان على أجندته العديد من القضايا التي تواجهها المنطقة العربية بشكل عام مثل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع عزة الفلسطيني، إلا أن أزمة سد النهضة التي تمثل إشكالية ضخمة من الممكن أن تلقي بظلالها على العالم العربي والقارة الإفريقية، حظيت بالكثير من المناقشات والآراء والتوصيات التي تعول عليها مصر والسودان في كسب المعركة الدبلوماسية مع إثيوبيا.

مناقشات الاجتماع العربي في قطر

أهداف الاجتماع يمكن وصفها بالقومية في المقام الأول، إذ إن الاجتماع جاء للتأكيد على الموقف العربي بضرورة استئناف المسار السياسي وفقا للمرجعيات الدولية وحل الدولتين باعتبارها السبيل لعدم تجدد العنف في المنطقة.

وكذا بحث الاجتماع تحركات اللجنة الوزارية المشكلة برئاسة قطر، لمتابعة التطورات في الأراضي الفلسطينية وكذا جهود إعادة الإعمار في غزة التي تبنتها عدد من الدول العربية على رأسها مصر.

كما تم التعرض إلى مصير الطلب المقدم للمحكمة الجنائية الدولية بشأن التحقيق في الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة بحق الفلسطينيين، وخاصة التي تسببت في إندلاع الحرب على غزة وتعنت الجانب الإسرائيلي ومحاولات التهجير القسري لبعض العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح.

 

اقرأ أيضا:

محاولة عربية لاختراق أزمة سد النهضة

سد النهضة يأخذ نصيب الأسد

من ناحية أخرى، دعت الدول العربية خلال اجتماع مجلس الوزراء العرب التابع لجامعة الدول العربية، مجلس الأمن، إلى ضرورة اجتماع لمناقشة أزمة سد النهضة الإثيوبي.

وتطرق الاجتماع إلى تداعيات تعنت الجانب الإثيوبي في المفاوضات التي استمرت قرابة عشر سنوات بين الجانب المصري والإثيوبي قبل أن تنضم إليهم السودان.

وخلص الاجتماع بنتيجة إيجابية لصالح مصر بأن الأمن المائي لكل من جمهورية السودان وجمهورية مصر العربية هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ورفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل.

ومن جانبه، قال أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، إن الجامعة العربية عمدت إلى تكليف لجنة خاصة في الأمم المتحدة، وذلك من أجل تنسيق العمل مع المجموعة الدولية بشأن سد النهضة.

وأكد أبو الغيط أنه لمس دعما عربيا واضحا لكلا من مصر والسودان، حيث اعتبر الجميع أن أمن الدولتين جزء لا يتجزء من الأمن القومي العربي.

دعم عربي لـ”مصر والسودان”

فيما قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن الوساطة الأفريقية بشأن سد النهضة بدأت منذ نحو عام لكنها مع الأسف لم تسفر عن النتائج المرجوة حتى الآن، إذ استمر الجانب الإثيوبي التعنت وعدم الإنصياع وراء الوساطات المختلفة.

ولفت شكري في كلمته خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إلى إصرار إثيوبيا على بدء الملء الثاني لسد النهضة دون اتفاق بين الدول الثلاث “مصر والسودان وإثيوبيا”، مؤكدا أن تلك الخطوة تخالف قواعد القانون الدولي.

شكري خلال اجتماع الوزراء العرب في قطر

في الوقت ذاته، أكد شكري على أن مصر ما زالت مصرّة على استنفاد جميع الحلول الدبلوماسية، وهو السبب الرئيسي وراء دعوتها لانعقاد مجلس الوزراء العرب للمطالبة بدعمهم لتحقيق المسعى المصري السوداني والوصول إلى اتفاق واضح مع الجانب الإثيوبي.

الجامعة العربية وحلحلة الأزمة

كان للجامعة العربية أن تتدخل، وفق طلب من مصر والسودان، خاصة أن تدخلها حول سد النهضة ليس الأول. وسبق أن أصدرت الجامعة عبر وزارء الخارجية العرب عدة بيانات ترفض الممارسات الإثيوبية بالاستئثار بالنيل الأزرق دون مراعاة الأمن المائي لمصر والسودان. واعتبار أن الأمن المائي المصري والسوداني جزءًا من الأمن المائي والقومي العربي.

كما قدمت دول عربية بعض المبادرات للتوسط وحل الأزمة، مستغله العلاقات التي تربطها بطرفي النزاع، مثل الإمارات والسعودية. إلا أن جميع هذه المبادرات لم تتبلور لنتائج واضحة بعد رفضها في الاجتماعات المغلقة، دون الإفصاح عن بنودها.

قطر تدعم مصر

كما أكد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن قطر ستعمل على تقديم كل الدعم للدول العربية، مشددا على ضرورة توقيع اتفاق ملزم بشأن سد النهضة يحفظ حقوق الدول الثلاث.

ولفت وزير الخارجية القطري، إلى أن الموقف العربي يحث الوسيط الإفريقي على ضرورة وجود ضمانة واضحة لعدم إمكانية اتخاذ خطوات أحادية تضر بمصر أو السودان، مشددا على أن قطر تتطلع إلى علاقات طيبة مع الدول العربية كافة.

ودلل هذا الاجتماع على التقارب المصري- القطري الذي أخد طابعا أكثر رسمية وحيوية عد قمة العلا التي أقيمت في السعودية، وجمع كلا من مصر وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية.

رفض إثيوبي

من جانبها، أعربت إثيوبيا عن انزعاجها من قرار المجلس التنفيذي لجامعة الدول العربية بشان السد الذي جاء في ختام لقاء الدوحة.

وقالت إثيوبيا إنها ترفض كل ماجاء في القرار. وانتقدت بيان الجامعة العربية ووصفته بالمضلل، وقالت إن مياه النيل مسألة وجودية لاثيوبيا، وهي تمارس حقها المشروع في استخدام مواردها المائية مع الاحترام الكامل لقوانين المياه الدولية ومبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شان. ومن خلال التعاون والحوار يمكن تحقيق الامن المائي لأي من دول حوض النيل.

وأكدت إثيوبيا مجددا التزامها باعلان المبادئ وأنها ما زالت تشارك بشكل كامل في عملية التفاوض الثلاثي بقيادة الاتحاد الافريقي لتحقيق نتائج مفيدة للقضية.

10 سنوات من الرهان على المفاوضات

منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وتتفاوض الدول الثلاث المعنية بتداعيات سد النهضة الإثيوبي (مصر والسودان وإثيوبيا) دون تحقيق أي نجاح ملموس أو الوصول إلى حل ناجع تجاه قضية سد النهضة، فيما شهدت الأشهر الماضية زيادة التوتر في العلاقات بين مصر والسوادن من جانب وإثيوبيا من جانب آخر.

وتعد قضية سد النهضة واحدة من الأزمات التي تفرض نفسها على المستوى الدولي، خاصة أن مصر تواجه تعنت إثيوبي واضح ووصول التفاهمات الدبلوماسية بين البلدين إلى طريق مسدود، وهو ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى إعلانه صراحة أن أي مساس بمياه نهر النيل خط أحمر، محذرا من مغبة مضي طرف بشكل أحادي في اتخاذ خطواته دون تنسيق مع الجانب المصري، مشددا على أن أي مساس بحصة مصر من نهر النيل سيكون له رد فعل من الممكن أن يهدد استقرار المنطقة بالكامل.