طرحت واقعة الاعتداء الجنسي على صبي داخل قطار الصعيد، تساؤلات حول الأطر القانونية والإجرائية لحماية أطفال الشوارع من الاعتداءات الجنسية.
وانتشر خلال الأيام الماضية مقطع فيديو عبر مواقع التواصل لرجل بدا أنه يُرغم فتى من الباعة المتجولين على فعل جنسي. وصوّر أحد الركاب الواقعة خلسة قبل طرحه على مواقع التواصل ويلقى تفاعلا واسعا ومطالب بوضع حد لتلك الانتهاكات. عقب انتشار الفيديو جرى الإعلان عن تشكيل فرق من أفراد الأمن الإداري لتفقد عربات القطارات، لضبط أي أفعال خارجة.
الواقعة الأخيرة أعادت إلى الأذهان جريمة “متحرش المعادي” في مارس الماضي، حين قام حاول رجل أربعيني استغلال طفلة بغرض جنسي. ولما انتشرت الواقعة ألقي القبض عليه ثم محاكمته في شهر أبريل الماضي، وصدر حكم بسجنه 10 سنوات.
أحكام غير رادعة
لكن هذه الأحكام غير كافية أو رادعة والنتيجة تكرار الحوادث، بحسب شحاتة محمد شحاتة مدير المركز العربي للنزاهة والشفافية. ويقول شحاتة لـ “مصر 360”: “الاعتداء على الأطفال مستمر دون ردع، وإن كانت الوقائع غير المعلومة لنا أكثر وأشد قسوة وتحتاج إلى عقوبات ورقابة صارمة”.
عقب القبض على المتهم والانتهاء من التحقيق معه ستتم إحالته إلى محكمة الجنايات، بتهمة “هتك عرض طفل” وليس التحرش. بسبب توافر أركان الجريمة في الفيديو المتداول بلمس المتهم أماكن حساسة في جسد الطفل، يوضح شحاتة.
وفقًا لقانون العقوبات، فإن عقوبة المتهم لن تقل عن السجن المشدد 7 سنوات، إذا كان الطفل لم يتعدى 12 عامًا. في حين لن تتجاوز مدة العقوبة 15 عامًا.
وتنص المادة 256 عقوبات على أن “كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات”.
وفي حالة عدم إبلاغ أهل الضحية عن الواقعة، فذلك لا يؤثر في مجرى القضية، إذ تتوافر أدلة دامغة على الواقعة. وهو الدليل المستمد من مقطع الفيديو لمحل الواقعة، بالإضافة لشهادة شهود العيان، ويجوز لمحكمة الجنايات أن تستند إليهم.
ويرى خالد الزهيري المحامي بمجلس الدولة، ضرورة تشديد عقوبات التحرش لتنتهي مثل هذه الجرائم. لذلك يشير إلى ضرورة اعتبار واقعة قطار الصعيد “هتك عرض” وليست تحرش، تستوجب معاكمة عاجلة وناجزة.
كيف تتم المحاكمة؟
ويقول المحامي بالنقض محمد سالم، لـ”مصر 360″، إن الواضح للمقطع المصور “جريمة هتك عرض” توافرت بها الظروف المشددة للعقوبة. التي قد تصل للسجن 15 سنة، وفق قانون العقوبات. فالطفل الذي ظهر في الفيديو أقل من 15 عامًا، وقد تم استدراجه داخل إحدى عربات القطار.
وفي حال عدم تقدم أسرة الطفل ببلاغ بشأن الواقعة، يجوز أن يتقدم أيّ من شاهد الفيديو ببلاغ. كما يجوز للمجلس القومي للأمومة والطفولة وأيّ منظمة حقوقية تتعلق بشؤون الأطفال أن يختصم مرتكب الفعل.
ولفت سالم إلى إمكانية تحرك النيابة العامة من خلال وحدة الرصد والتحليل بمكتب النائب العام. وهي إدارة جديدة استحدثها النائب العام، وهي مختصة برصد ما ينشر في مواقع التواصل، من منشورات أو فيديوهات أو شكاوى.
مؤشرات الاعتداء الجنسي
تشير دراسة إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل. وهذه الدراسة الأولى من نوعها أعدتها الدكتورة فاتن عبد الرحمن الطنباري. وهي أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس.
وتشير الدراسة إلى أن 35% من الحوادث يكون الجاني فيها له صلة قرابة بالطفل الضحية. بينما 65% من الحالات لا توجد بينهما صلة قرابة. وبالنظر إلى القصص المذكورة عن متعرضين للتحرش وهم صغار وُجد أن متوسط الأعمار يتراوح بين 25 وإلى 30 عامًا.
تأثيرات نفسية
تقول شيرين الدرديري، استشاري الصحة النفسية، لـ”مصر 360″، إن الطفل من المحتمل أن يكون استسلم للفعل الفاضح خوفًا من الرجل لسبب ما. أو قد يكون لحاجة الطفل المادية التي قد تدفعه للاستسلام لهذا الفعل.
ولفتت إلى سيناريو آخر، وهو إمكانية وقوع الطفل تحت تأثير مادة مخدرة، تسببت في غياب وعيه. وتابع: “لا يمكن لطفل في كامل قواه العقلية أن يسمح لآخر بارتكاب مثل هذا الفعل معه. كيف سيقنعه المتهم بذلك وهم داخل قطار؟”.
وحول التأثير النفسي للواقعة على الصبي، لفتت إلى أن الفعل قد يتسبب في نقل سلوك الشذوذ الجنسي للطفل بسهولة. وتابعت: “لابد أن يتم تحويله لتعديل سلوكه والكشف عليه وعلاجه، لأنه بعد الواقعة تم نقل سلوك الشذوذ له من شخص آخر. وبنسبة كبيرة يمكن أن يكون اتصاب به، ولابد من منعه قبل ما يفكر يعمل كده مع شخص تاني”.
حلول ممكنة لجرائم الاعتداء الجنسي
القانون الرادع هو أحد السبل المحورية للحد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال، فرغم أن معظم القوانين في الدول العربية تتشارك في توصيف اغتصاب القاصر بأنه “فعل منعدم الرضا يرتكب بحق ضحية لم تبلغ سن الرشد”، إلا أن بعض القوانين تسمح بإفلات مرتكب الجريمة من العقاب.
ويقول مصدر بالمجلس القومي للطفولة والأمومة لـ”مصر 360″، إن “قوانين هتك العرض والاغتصاب ومداعبة الصغير لا تعتبر رادعة أبداً. بالإضافة إلى أنه يصعب إثبات بعض الوقائع”.
يتطلب اعتراف مشتهي الأطفال بأن لديه إشكالية ما، ولابد من تقويمها قبل ارتكاب جرائم فعلية بحق الأطفال والمجتمع
هذه الإشكالية القانونية لا تقتصر فقط على الدول العربية، فهناك جدل قائم عالمياً حول آلية الردع، فالقانون يقسم مشتهي الأطفال، إلى قسمين، الأول من ارتكبوا الجرائم بالفعل، ومن لم يرتكبوها بعد، ولكن ألقي القبض عليهم لمشاهدة صور وفيديوهات إباحية تضم أطفالاً.
يوضح المصدر أنه “يجرى معاقبة مركبي جرائم الاعتداء على الأطفال في أغلب الحالات. لكن الذين ألقي القبض عليهم ولم يرتكبوا تلك الوقائع لا يزال يُثار الجدل حولهم”.
ولفت إلى أن هناك ضرورة لإعادة تأهيل الأشخاص كحل مبدئي للحد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال. والذي يتطلب اعتراف مشتهي الأطفال بأن لديه إشكالية ما، ولابد من تقويمها قبل ارتكاب جرائم فعلية بحق الأطفال والمجتمع.