وافقت اللجنة التشريعية لمجلس النواب، أمس، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وقد قامت اللجنة التشريعية للبرلمان بإحالة القانون إلى المحكمة ذاتها لاستطلاع رأيها بشأن هذا القانون.

وينص مشروع هذا القانون على أن يضاف إلى قانون المحكمة الدستورية العليا مادتين تحملا رقمي 27 مكرر و 33 مكرر، ويسري النص المطروح في مادته رقم 27 مكررا، على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية و أحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة.

كما تنص المادة 33 مكررا على أنه لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إلها في المادة 27 مكررا، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها، ويختصم في الطلب كل ذي شأن ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به وترجمة معتمدة له. ويجب أن يبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعى بمخالفته ووجه المخالفة، وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة.

ومن حيث الأصل لابد وأن نلفت النظر إلى أهمية دور المحكمة في الحياة القانونية والقضائية، وذلك في بسط رقابتها على التحقق من مدى دستورية ما يعرض عليها من قوانين ولوائح.

تعتبر الرقابة على دستورية القوانين ركنًا أساسيًّا في الدولة القانونية والديمقراطية الحديثة، وعدم وجودها يعني أن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية يمكنها مخالفة الدستور دون أن يكون هناك من يردهما عن ذلك، ونكون أمام نظام قانوني غير دستوري أو غير صحيح.

 

تاريخ الدستورية

وتمتلك المحكمة الدستورية العليا في مصر تاريخًا مشرفًا في دعم التغيير المطرد، الذي تجسد في عدد من الأحكام التاريخية لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن الضروري وضع المحكمة الدستورية العليا في سياقها التاريخي لفهم دورها في إصلاح النظام القضائي المصري، وفى وضع سوابق قانونية تعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وقد قالت الحكومة، صاحبة مشروع القانون في مذكرتها التوضيحية له: “إزاء خلو الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة ۱۹۷۹ من نص يتيح للمحكمة النظر في أي من القرارات الدولية التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي المصري فقد رؤى إضافة نصوص للقانون المذكور تسند للمحكمة الدستورية العليا الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، وتتيح لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها على أن يختصم في الطلب کل ذی شان ويرفق به صورة مبلغة للقرار أو الحكم المطلوب عدم الاعتداد به، وترجمة معتمدة له.

ويبين في الطلب النص أو الحكم الدستوري المدعي بمخالفته ووجه المخالفة، وتفصل المحكمة في الطلب على وجه السرعة نظرا للأهمية البالغة لمثل هذه الطلبات.

ويهدف هذا التعديل إلى إتاحة المجال أمام الدولة للتعامل الإيجابي وفقا للمصالح الوطنية وفي إطار من الدستور والقانون مع أي من القرارات الدولية التي تؤثر على أمنها القومي.

هذه ليست المرة الأولى التي تتقدم فيها الحكومة بقوانين تحد أو تسعى إلى تقويض دور المحكمة، حيث بدأ ذلك منذ أن تم إقرار تعديلات بموجب قرار بقانون من قبل رئيس الجمهورية، يحمل رقم 168 لسنة 1998، وذلك بالنص على أن يكون حكم المحكمة الدستورية له أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص، وكان ذلك بمناسبة الطعون المتعلقة بالضرائب، وهو ما أخل بدور المحكمة الدستورية في كون أحكامها يجب أن تتمتع بالعمومية، وتسري على الكافة، ثم تلى ذلك تعديلات أخرى كان لها الأثر البالغ في تحجيم دور المحكمة الدستورية العليا.

لكن إذا ما نظرنا إلى التعديل المطروح حاليا إلى كونه يمنح المحكمة الدستورية العليا اختصاصات جديدة، إلا أن ذلك التعديل من شأنه أن يُخرج المحكمة الدستورية عن دورها المحدد دستوريا والذي بموجبه تباشر المحكمة وظيفتها الأساسية في بسط رقابتها على مدى دستورية القوانين واللوائح، وذلك يتضح من كون الهدف الرئيسي من هذه التعديلات المقدمة من الحكومة مقتضاها أن تفرض المحكمة رقابتها على قرارات المنظمات والهيئات الدولية وهيئات التحكيم الأجنبية.

ويبين ذلك جيداً إذا ما أمعنا النظر في القرارات التي تصدرها المنظمات الدولية، وهذه المنظمات بشكل أكثر دقة قد أنشئت وفق قواعد القانون الدولي، وتلتزم بتلك القرارات التي تصدر عنها الدول باعتبارها أفراداً في المجتمع الدولي، ومن حيث أصل هذه المنظمات فقد انضمت إليها الدولة بمحض إرادتها، ووفق إجراءات دولية أولاً ثم إجراءات داخلية ثانياً تكمن في عرضها على البرلمان المختص حتي تصبح ذات صبغة إلزامية للكافة داخلياً أو على الكافة، فهل يقبل المجتمع الدولي كرة نقض هذه الالتزامات الدولية بمقتضى حكم محكمة داخلية أيا ما كانت درجتها.

ومن ناحية ثانية، فإنه يوسع من اختصاصات المحكمة بشكل غير مسبوق، وبطريقة لا تتناسب مع مقدراتها الدستورية الواردة في المادة 192 من الدستور المصري الأخير بقولها أنه “تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتفسير النصوص التشريعية”، حتى وإن كانت تلك المادة قد أقرت في نهايتها على أن يعين القانون اختصاصاتها الأخرى.

ومن هنا، فإننا نهيب بالسادة أعضاء مجلس النواب، والذين سيتم عرض مشروع القانون عليهم في الجلسة العامة لمجلس النواب، مراعاة كافة الاعتبارات القانونية والأبعاد السياسية والدولية لمثل هذا المشروع بما يمثله من لغط قانوني وسياسي يزيد من الأعباء المقررة على عاتق المحكمة، ويضيف لها ما يخرج عن نطاق اختصاصاها الحقيقي، ويخرجها عن حدود وظيفتها الأصلية، بل الأمر يزيد عن ذلك حيث إنه يضع الدولة بكافة مؤسساتها في موقف لا تحسد عليه في المجتمع الدولي، بحسبها أحد أفراد المجتمع الدولي، كما أن التزاماتها الدولية تقتضي احترامها لعضويتها في الهيئات الدولية، وما يصدر عنها من قرارات، هذا بالإضافة إلى كون تفعيل هذا التعديل بما يتضمنه من صلاحيات لن يكون مقبولاً من أفراد المجتمع الدولي.

وأرى أنه يجب أن نصون للمحكمة الدستورية العليا المصرية تاريخها المشرف في الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، ومسايرتها لأعرق المحاكم الدستورية على مستوى العالم، وبما سطرته تلك المحكمة من أحكام تاريخية يشار إليها على مستوى كافة الأصعدة، وذلك بصونها لمكتسبات الحقوق والحريات المدنية والاقتصادية.