نشرت دار الخدمات النقابية والعمالية تقريرها السنوي بشأن أوضاع الحريات النقابية، كما فصلت الأوضاع القانونية التي يعمل تحت مظلتها العمال، فضلا عن رصد الانتهاكات التي تعرض لها الكثير منهم عبر الدوائر الرسمية.
ويوثق التقرير الفترة مابين الأول من يوليو 2020 حتى الخامس عشر من يونيو 2021، حيث يطرح الإطار القانوني المنظم للأوضاع النقابية العمالية عبر القانون رقم 213 لسنة 2017.
وبحسب التقرير انطوى القانون على الكثير من المثالب التي تؤثر سلباً على حق العمال في تكوين نقاباتهم، وممارسة أنشطتها بحرية، والتي منها استنساخ بعض نصوص القانون القديم المُلغى رغم أنه كان قانوناً لمصادرة الحق في تكوين النقابات وحرمان العمال المصريين من حقهم في تكوين النقابات استقلالاً عن الاتحاد “الحكومي”.
قانون نقابي جديد بمواد قديمة
يفرض القانون على العمال مجدداً نموذج الاتحاد الحكومي بتركيبته الهرمية ومستوياته الثلاث، يظهر ذلك في احتفاظ القانون الجديد بتبويب القانون القديم، وبعدد مقارب من المواد التي تضمن الكثير منها على صلاحيات الجمعيات العمومية للنقابات وحق أعضائها فى وضع نظم نقابتهم ولوائحها بأنفسهم.
ومع اقتراب انتهاء الدورة النقابية، يشير التقرير إلى ضرورة مراجعة هذه النصوص التي تنظم عملية الانتخابات النقابية، تجنبا لتنظيم الانتخابات النقابية على ذات النهج الذي حدث عام 2018 والذي شابه عدد من الانتهاكات تجاوزت كل التصورات.
وخلال الانتخابات المذكورة تم استبعاد المئات أو بالأحرى الآلاف من المرشحين، وحرمانهم من حقهم في خوض الانتخابات، كما بلغ الأمر اتخاذ بعض لجان الإشراف على الانتخابات قرارات بحل لجان نقابية قائمة ومكتسبة شخصيتها الاعتبارية على سند من القول بوجود لجان نقابية تابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر “الحكومي” في مواقعها، رغم أن القانون لا يجيز حل أي لجنة نقابية مكتسبة شخصيتها الاعتبارية، ورغم أن لجان الإشراف على الانتخابات- وفقاً للقانون أيضاً- يفترض ألا تتجاوز صلاحياتها مراقبة صحة عملية الانتخابات فقط دون النظر في شرعية اللجان النقابية، بحسب ما ارتأى التقرير.
شروط تعجيزية
من جانب آخر، فإن المادة 41 من القانون نفسه تشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية سبعة شروط فيما يعد تعديا على حق الجمعية العمومية الأصيل فى وضع نظمها واختيار ممثليها، وانتهاكاً لحقي الانتخاب، والترشيح المفترض كفالتهما لجميع أعضاء النقابة.
ومن ضمن هذه الشروط ألا يكون العضو “عامـــــلاً مؤقتاً، أو معاراً، أو منتدباً”، بينما يشكل العاملون بعقود مؤقتة النسبة الأكبر من العاملين فى القطاع الخاص.
وكما لا يجيز القانون للعضو الذي أحيل إلى التقاعد الترشح لعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية، فإنه في المادة 40 منه يستثني من ذلك عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية إذا “التحق بعمل داخل التصنيف النقابي الذي تضمه المنظمة النقابية”، ويفتقد هذا النص شرطي التجرد، والعمومية المفترضين فى النص القانوني حيث كان معروفاً ومفهوماً للجميع أن المقصود بهذا النص هو استمرار أشخاص بعينهم فى مناصبهم النقابية بعد إحالتهم للتقاعد وفقا للتقرير.
تعديل القانون
كانت عددٌ من مواد القانون قد أثارت إشكاليات كبرى، على الأخص تحديد حد أدنى مبالغ فيه لعدد العمال اللازم لتأسيس المنظمات النقابية من كافة المستويات، وكذلك العقوبات السالبة للحرية التي كان الباب العاشر من القانون قد نص عليها كعقوبة على ارتكاب مخالفات بسيطة وعلى الأخص ممارسة أنشطة نقابية دون استيفاء إجراءات التسجيل.
واستجابة لملاحظات لجنة الخبراء، ولجنة المعايير بمنظمة العمل الدولية صدر في الخامس من أغسطس 2019 القانون رقم 142 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 213 لسنة 2019، حيث شمل التعديلات الآتية :
تعديل المادة 11 من القانون ليكون “للعاملين بالمنشأة الحق فى تكوين اللجنة النقابية للمنشأة بما لا يقل عن خمسين عاملاً منضماً لها”-بدلاً من 150 عاملاً وللعاملين في المنشآت التي يقل عدد العاملين فيها عن خمسين عاملاً ، وكذا العاملين من ذوي المهن والحرف، تكوين لجنة نقابية مهنية عمالية على مستوى المدينة أو المحافظة، حسب الأحوال، لا يقل عدد أعضائها عن خمسين عاملاً-بدلاً من 150 عاملاً- وذلك بالاشتراك مع غيرهم من العاملين المشتغلين فى مجموعات مهنية أو حرفية ، أو صناعات متماثلة، أو مرتبطة ببعضها، أو مشتركة فى إنتاج واحد.
ويكون إنشاء الاتحاد النقابي العمالي من عدد لا يقل عن سبع نقابات عامة، تضم فى عضويتها مائة وخمسين ألف عامل على الأقل، بدلاً من عدد لا يقل عن عشر نقابات عامة، تضم في عضويتها مائتي ألف عامل على الأقل.
إلغاء العقوبات السالبة للحرية التي كان منصوصاً عليها في الباب العاشر من القانون، وإبدالها بغرامات مالية مغلظة.
غير أن هذه التعديلات وإن كانت محلاً للترحيب، إلا أنها لم تزل غير كافية لمعالجة مشاكل القانون رقم 213 لسنة 2017 ، وأوجه العوار التي ينطوي عليها، كما يرى التقرير.
كما أن الحد الأدنى من الأعداد اللازم لتشكيل المنظمات النقابية العمالية على الأخص النقابات العامة، و الاتحادات العامة لم يزل حتى بعد هذا التعديل، مبالغاً فيه وتعجيزياً ما دمنا بصدد عضوية اختيارية ومنظمات يؤسسها العمال بأنفسهم .
ووفقاً لمنظمة العمل الدولية يفضل عدم اشتراط توفر عدد معين من الأعضاء لإنشاء النقابة، وإذا كان ذلك ضرورياً من وجهة نظر المشرع الوطني فإنه لا ينبغى أن يزيد هذا العدد المشترط عن عشرين عضواً.
اللائحة التنفيذية للقانون
بتاريخ 13 مارس 2018 صدر القرار الوزاري رقم 35 لسنة 2018 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي رقم 213 لسنة 2017.
وفقا للتقرير جاء تبويب اللائحة بعيداً عن تبويب القانون بل إنها قد أغفلت تناول الكثير من أبوابه، وفصوله مثل أهداف المنظمات النقابية وعضويتها، وتشكيلاتها، وحقوق وضمانات ممارسة العمل النقابى، وموارد وأموال المنظمات، وإعفاءاتها، ولوائحها الأساسية.
ويبدو ذلك مفهوماً ومبرراً حيث لم يترك القانون الكثير للائحته التنفيذية بل إنه قد تغول بنصوصه التفصيلية أيضاً على لوائح النقابات ونظمها الأساسية.
ورغم أن القانون قد أُغرق فى التفاصيل إلى حد النص على أمور يفترض أن الجمعيات العمومية للمنظمات هى صاحبة الحق فى تقريرها، إلا أن بعض نصوصه جاءت غامضة وملتبسة وتداخلت بعض أحكامه المستنسخة من القانون السابق رقم 35 لسنة 1976 مع نصوص جديدة تقر بحق العمال في تكوين نقاباتهم، وحقهم في وضع دساتيرها ونظمها دون تدخل أو وصاية.
يشير التقرير إلى تناول اللائحة الموضوعات الأبرز التي كانت مثاراً للجدل وفي مقدمتها توفيق الأوضاع، والتفرغ، والمهام النقابية، والدورات التثقيفية، و الانتخابات النقابية.
إلى جانب ما تضمنه فصلها الأول من أحكام عامة هامة أزالت بعض من اللبس الذي تبدى في نصوص القانون رقم 213 لسنة 2017، خاصة المادة المادة 3 التي تنص على أنه ” للعمال- دون تمييز- الحق فى تكوين المنظمات النقابية، ولهم كذلك حرية الانضمام إليها، أو الانسحاب منها، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة فى هذه اللائحة والنظم الأساسية لهذه المنظمات.
ولا يخل انسحاب العامل من أى منظمة نقابية عمالية بأية حقوق أو مكتسبات مستحقة له بتلك المنظمة، مثل صناديق الادخار، أو الزمالة التى تديرها المنظمة، كما تحدد اللوائح المنظمة النقابية قواعد الحصول على تلك الحقوق والمكتسبات.