يمر اليوم 16 يونيو 2021 عشر سنوات على اعتماد منظمة العمل الدولية اتفاقية العمال المنزليين رقم 189 لعام 2011. وتأتي أهمية هذه الاتفاقية لكونها هي الاتفاقية الأولى من نوعها التي تركز على العمالة المنزلية، وتقدم تعريفًا واضحًا لهذه العمالة وقواعد للحماية القانونية، وطرق التوظيف التي تضمن لها شروط عمل عادلة، بينما تغفل كثير من التشريعات العمل الوطنية في مختلف دول العالم إضافة لنصوص تشمل الحماية القانونية لهذه العمالة، ومن بين هذه الدول مصر، حيث تنص المادة 4 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على عدم سريان أحكام هذا القانون على عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم.
وحان الوقت أن تتم مراجعة هذا التشريع والاعتراف بهذه العمالة وبدورها الأساسي الآن داخل كل بيت، فلا يخلو بيت من العمالة المنزلية، التي حسب تعريف الاتفاقية 189 هي: العمل المؤدى في أسرة أو أسر أو من أجل أسرة أو أسر، وفي إطار علاقة استخدام، وعلى أساس مهني، في حين يقوم عادة العمال المنزليون بأعمال التنظيف والطهي ورعاية الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة، فضلاً عن أعمال الزراعة للحدائق والزرع في المنزل وقيادة السيارات وحراسة المنازل الخاصة، ومن المفارقة أن يكون هؤلاء منسيون ومحرومون من الحماية، بينما أصبح عملهم أساسيًا بسبب تغير أنماط الحياة واحتياج أغلب الأسر لمقدمي هذه الخدمات، ومن المتوقع أن يزداد أعدادهم في المستقبل القريب.
بالنسبة للحالة المصرية نجد أن هذا الاستثناء للعمالة المنزلية من الحماية القانونية يرجع إلى قاعدة تشريعية منذ عشرينيات القرن الماضي تتعلق بعدم اقتحام حرمة المنازل من أجل متابعة والتفتيش على أوضاع العمالة المنزلية
بالنسبة للحالة المصرية نجد أن هذا الاستثناء للعمالة المنزلية من الحماية القانونية يرجع إلى قاعدة تشريعية منذ عشرينيات القرن الماضي تتعلق بعدم اقتحام حرمة المنازل من أجل متابعة والتفتيش على أوضاع العمالة المنزلية وكانوا يعتبرون ذلك شأنًا خاصًا بالأسرة، لكن هذه الحالة اختلفت والمعايير الدولية أصبحت تنظر للعمالة المنزلية نظرة مختلفة، وأنها مهنة يجب أن تقنن، ويوفر لها التشريعات الأزمة، وهذا ما أشارت إليه الاتفاقية 189 عندما نصت على وضع حد أدنى للسن للعمال المنزليين، وفي التطبيق على مصر يصبح لا يجوز تشغيل من هم أقل من 18 عامًا، كما يجب أن تطبق تدابير تضمن أن يتمتع العمال المنزليون بحماية فعالة من جميع أشكال الإساءة والمضايقات والعنف، ومن خلال الاطلاع على العديد من التقرير ومقابلات مع ممثلي الجمعيات الأهلية، منها مؤسسة الشهاب والجمعية المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومقابلات شخصية مع عاملات تبين تعرض العمالة المنزلية لانتهاكات لفظية ومعنوية وصولا إلى الانتهاك البدني والجنسي، كما تتعرض إلى مشكلات صحية مختلفة ناجمة عن أسلوب وكم العمل (كأمراض العمود الفقري، الكسور، الحروق)، لا تتوافر أي مجالات أو فرص للتدريب والتأهيل المهني، كما تتعرض النساء للعنف والاستهجان المجتمعي بشكل عام من خلال نظرة الشك والريبة في السلوك لكونهن نساء خرجن من منازلهن ويعملن في منازل أخرى.
هذا بخلاف علاقات وشروط وظروف عمل غير لائقة، ولا تتحمل هذه العمالة أي هزات أو أزمات تؤثر على فرص عملهن، وهذا ما حدث مع أزمة كورونا وتوقف الأسر عن التعامل مع هؤلاء النساء؛ خوفًا من نقل العدوى، مما أثر عليهم سلبًا ولم يتمكن من الاستفادة من الدعم الذي قدمته الحكومة، فبياناتهن غير مسجلة في وزارة القوى العاملة، وغير مثبت في بطاقاتهن الشخصية مجال عملهن، وبالتالي كثير منهن لم يستطعن المعرفة أو الوصول للدعم الذي قدمته الحكومة والذي يقدر بـ500 جنيه شهريًا، أيضًا ظروف العمل الهشة وعدم تقنين هذه العمالة يحرمها من الاستفادة من قانون التأمين الاجتماعي رقم 148 لسنة 2019 الذي ينص على توفير الحماية الاجتماعية للعمالة غير المنظمة التي من بينها العمالة المنزلية.
من الحقوق المهمة التي نصّت عليها الاتفاقية 189، الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية، وهنا الحق يتفق مع قانون التنظيمات النقابية 213، والذي أعطى الحق للعمالة المنزلية في تأسيس نقابات
من الحقوق المهمة التي نصّت عليها الاتفاقية 189، الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية، وهنا هذا الحق يتفق مع قانون التنظيمات النقابية 213، والذي أعطى الحق للعمالة المنزلية في تأسيس نقابات، والعقبة هنا في: إلى أي مدى اهتم الاتحاد العام لنقابات عمال مصر بتفعيل هذا الحق ومساندة هذه العمالة وتحفيزهم على الانخراط في العمل النقابي؟ وعلى الجانب الآخر هنا عقبة أخرى، أن عددًا ليس بقليل من هذه العمالة المنزلية هي عمالة دوارة، فمثلاً هناك نساء تعمل بعض الوقت في هذا المجال حتى تتوافر لها فرصة عمل أخرى، فضلاً عن أن من شروط الانضمام إلى النقابة هو أن يدون في البطاقة الشخصية المهنة وهناك نساء يرفضن ذلك بسبب الاستهجان المجتمعي ونظرة الدونية التي ينظر بها إلى عاملات المنازل، أن التقيت مع عاملات لا تعلن في الحى الذي تعيش فيه أنها عاملة منزل؛ خوفًا على أطفالها من التنمر وحماية لها من التعرض لأي مضايقات أو تحرش، خاصة في حالة أن تكون مطلقة أو أرملة.
إن تحقيق ما أشرنا له أعلاه يُسهم في إضفاء الطابع الرسمي على العمالة المنزلية ويجعلها أكثر قدرة على فرض شروط وظروف عمل لائقة، لكن هل سوف يقبل أصحاب المنازل؟ هل سوف يلتزم بالتوجه إلى مكاتب التشغيل تلزمه بعقد عمل وأجر محدد حسب ساعات ومهام العمل؟ هذا يتطلب بذل الجهود من جميع الأطراف المعنية الحكومة والنقابات والمؤسسات الأهلية المعنية والبرلمان ووسائل الإعلام، ومن أجل فتح حوار مجتمعي واسع حول الحماية وتنظيم عمل العمالة المنزلية والتوجه إلى طرفي علاقة العمل العمالة المنزلية وأصحاب المنازل بتوعيتهم بأهمية تنظيم هذه العمالة وتقنين أوضاعها، وفقًا للمعايير الدولية، وأن وجود قانون هو في صالح الطرفين، وسوف يخلق علاقة متوازنة بين الحقوق والواجبات، وهناك فرصة لإصدار تشريع حيث تقدمت النائبة نشوى الديب لمجلس الشعب بمشروع قانون من أجل تنظيم العمالة المنزلية.
لكى نضمن تطبيق تشريعات وسياسات نافذة وعادلة، علينا أن نعمل على التوعية بالاتفاقية 189وتحفيز الدولة المصرية على التصديق على هذه الاتفاقية وهذا يتطلب التوجه للبرلمان
لكى نضمن تطبيق تشريعات وسياسات نافذة وعادلة، علينا أن نعمل على التوعية بالاتفاقية 189وتحفيز الدولة المصرية على التصديق على هذه الاتفاقية وهذا يتطلب التوجه للبرلمان، ويجب أن يتزامن ذلك مع النقاش داخل البرلمان حول مشروع القانون المطروح حاليًا على البرلمان، أيضًا نحتاج إلى حملة توعية من أجل المساهمة في خلق رأي عام مؤيد لتقنين وتوفير الحماية اللازمة للعمالة المنزلية وتغيير نظرة المجتمع للنساء العاملات.