بناء السدود، أزمة المناخ، التجاوز في استغلال موارد الأرض بشكل عام، كلها أسباب أدت إلى تصحر وجفاف أكثر من 33% من إجمالي أراضي العالم، و النسبة مرشحة للزيادة.
الإفراط في استغلال الموارد هو الحقيقة التي اعترف بها دول العالم، وتسببت فيه هلاك الكثير من الأراضي الصالحة للحياة، ولكنه في الوقت نفسه لم يتخذ إجراءات جدية في مواجهة الأمر، بفعل قوة الدول الرأسمالية وشركاتها العابرة للقارات.
حسب منظمة البصمة العالمية فإنّ تجاوز موارد الأرض يستمر في التزايد مع مرور السنوات، وتزايدت الظاهرة مع بداية منتصف ثمانينيات القرن الماضي لتصل إلى درجة “حمراء” منذ العام 2015، كما تتوقع الشبكة تدهور الوضع بشكل مقلق في غضون عام 2030.
واقع يجعل الأوضاع البيئية في تدهور حاد في ظل استنفاذ مياه الأنهار وكذا المياه الجوفية من أجل الزراعة والصناعة، كما أنّ حالة الغطاء النباتي في وضع غير مناسب لعدد السكان المتزايد، حيث أدى الإستخدام المفرط للخشب إلى تقليص حجم الغابات في العالم، ومع ظاهرة الإحتباس الحراري تعرف الأرض أكثر مما مضى ندرة في الأمطار و تزايدا كبيرا في التصحر والجفاف. وفي ظل هذا المأزق الوجودي يحتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف.
أستاذ الادارة المحلية الدكتور حمدي عرفة لخص إشكالية التصحر في تدهور كل من الأراضي الزراعية، وكذلك الجافة، ولكنه في الوقت نفسه استغرب الاحتفال الأممي في ظل تجاهل أغلب الدول لبنود الاتفاق الدولي منذ العام 1977، حيث عقد أول مؤتمر دولي.
عرفة ذكر أن دول العالم التي طالها ظاهرة التصحر، قد تعدت 110 من أصل 214 دولة، وهي أرقام تنذر بخطر داهم، يجب التكاتف من أجل مواجهته، خاصة في ظل تأثيراته على نصيب سكان العالم من الغذاء، إذ يؤثر تدهور الأراضي سلبًا على رفاهية 3.2 مليار شخص.
يرجع عرفة أسباب تصحر الأراضي الزراعية بنسبة 52% إلى ريها بمياه الصرف الصحي الملوثة، وعدم تدريب الزراعيين على الوسائل الحديثة، إلى جانب الكتل السكنية التي يتم بسببها تبوير تلك الأراضي.
الأراضي الجافة وأزمة الغذاء
يحذر الدكتور عرفة من فقدان العالم في كل دقيقة تمر 23 ألف متر من أجود الأراضي بصفة عامة، سواء زراعية، أو جافة، وهو الوضع الذي تزيده أزمة المناخ سوءا.
ويؤكد عرفة على ضرورة الاهتمام بالأراضي الجافة كما هو الحال مع الزراعية، حيث إن بعض المحاصيل، وكذلك الحيوانات التي تساهم في التوازن الايكولوجي لا تعيش إلا عبر تلك البيئات، وهي التي يبلغ عدد سكانها 2 مليار تقريبا، كما أنها تساهم في نسبة 35% من سلة غذاء العالم .
وفي حين يحمل الاحتفال الأممي لهذا العام شعار غذاء، علف، ألياف، يؤكد عرفة أن الغذاء قضية أمن دولي عالمي خاصة في ظل جائحة كورونا، وصعوبة الاستيراد، والتصدير، واعتماد الدول على مواردها الذاتية، لافتا إلى أن الاتفاق المقرر بين الدول لمكافحة التصحر والذي ينتهي في ديسمبر المقبل، أقر بأهمية مكافحة التصحر، للحفاظ على حيوية الأراضي، والحاجات الأساسية للسكان من الغذاء.
ووفق موقع منظمة الصحة العالمية تتسبب ظاهرة التصحر في 4 تأثيرات صحية سلبية، هي ارتفاع مخاطر سوء التغذية بسبب نقص إمدادات الأغذية والمياه، وزيادة الأمراض المنقولة بالمياه والأغذية نتيجة تدني مستوى النظافة الشخصية ونقص المياه النقية، وانتشار الأمراض التنفسية بسبب الغبار الجوي الناجم عن التعرية بسبب الرياح، وانتشار الأمراض المعدية مع زيادة هجرة السكان.
ويعد تغيير استخدام الأراضي هو المسار الأساسي لانتقال الأمراض المعدية الناشئة التي تصيب البشر ، وأكثر من 60٪ منها حيوانية المصدر، بحسب خبير الادراة المحلية، وهو أحد أسباب فيروسات جديدة مثل كورونا.
وبناء عليه أصبح تفادي خسارة الأراضي المنتجة، وكذلك النظم الإيكولوجية الطبيعية، وإبطاء وعكس مسار تدهورها، أمراً ملحاً ومهماً لتحقيق التعافي السريع من انتشار الوباء.
خطر التصحر على مصر وسد النهضة
أما في ما يخص مصر، يقول أستاذ الأراضي بجامعة الزقازيق الدكتور عبد المنعم محمود في مقال له “هناك 3.5 فدان تتعرض للتصحر كل ساعة، وهو أمر خطير جداً، لأن المساحة الزراعية محدودة، حيث تمثل نحو 4 % من مساحة مصر”.
ومن الجهود الإيجابية في هذا الإطار مشاركة مصر في إحياء مشروع «الجدار الأخضر»، الذي ولدت فكرته عام 2007، ولكن لم يتحقق منه سوى 15%.
وقد أخذت فكرة هذا المشروع من الصين التي شرعت في أواخر سبعينيات القرن الماضي في بناء جدار أخضر عملاق، يربط بين أقصى الشمال الشرقي والشمال الغربي، على امتداد 4500 كيلومتر، لينجح هذا المشروع في استصلاح أكثر من 20% من الأراضي الصحراوية، ووقف تدهور أكثر من 40% من الأراضي التي تعاني من انهيار التربة، بالإضافة لحماية 70 % من الأراضي الزراعية.
وكانت نيجيريا هي الداعية لتنفيذ المشروع في أفريقيا، وحصلت على موافقة الاتحاد الأفريقي، لينطلق عام 2007 بمشاركة 12 دولة أفريقية، منها مصر، وتنضم إليها لاحقاً 9 دول أخرى، سيفصلها جدار أخضر لمواجهة التصحر، ولكن رغم البداية القوية توقف الحديث عن الموضوع نسبيا.
حتى عادت مصر للحديث عن مشروع الأربعة ملايين فدان عام 2014، ثم عادت لتقليص المساحة إلى مليون ونصف، ليظل انجاز المشروع محلك سر، ثم عادت الجهات الرسمية لتعلن عن مشروع دلتا جديدة، تدور حوله المخاوف من أن ينضم لسلسلة المشروعات الضخمة التي لم ترى النور.
وفي الصعيد، تعاني الأراضي من أخطار سفي الرمال التي تؤدي إلى خفض إنتاجيتها بمعدلات تتراوح بين 25 %إلى 35%، بفعل تجريح أوراق النباتات، ما يجعلها عرضة لجميع الأمراض النباتية والفيروسات، كما تؤدي الرياح الشديدة لفقد النبات والتربة للمياه.
وفي ظل أزمة المياه الحالية تنتاب الشكوك الخبراء في جهود الحفاظ على الأراضي من التدهور، خاصة في حال صممت أثيوبيا على استكمال طريقها المنفرد في التعامل مع سد النهضة.
وتعتمد مصر بنسبة 97% من مياه نهر النيل، كمصدر أساسي للمياه، في الوقت نفسه يعد بناء السدود بحسب الخبراء جريمة بيئية حيث إنها تعمل على احتجاز المياه، عن الأراضي المحيطة، كما أن التراكم المستمر للأملاح في الأراضي الزراعية يمكن أن يتسارع بفعل هذه السدود، ما يهدد الزراعة بشكل عام على امتداد نهر النيل.