لا يمكن الحديث عن “جيش الرب الأوغندي” بمعزل عن مجموعة الجرائم الإنسانية التي اجتمعت في تنظيم واحد. فالتنظيم ليس مجرد حركة مسلحة بل ميليشيا قررت استخدام الدين وعباءة “الرب” في إرهاب الآمنين حتى وصفت بالنسخة المسيحية من “داعش”.

قائد التنظيم جوزيف كوني يدعي أنه يستمع إلى وحي من السماء. كما تأتيه الروح المقدسة في نومه لتعطيه التعليمات التي ينقلها بدوره للتنظيم.

“الرب” هنا هو الحاكم الآمر الذي يرشد أتباعه في قتال الأعداء. لكن هناك أيضًا واقع أسوأ وهو اعتماد هذا التنظيم على الأطفال وتسخيرهم في خدمة أهدافه الإرهابية. وغسل عقولهم حتى يتحولوا إلى “جنود الرب” المصنفين بأنهم الأكثر وحشية في العالم.

تظهر عدة تشابهات بين الجماعة الأوغندية وتنظيم “داعش”. إذ إن كلاهما يقول ما لا يفعل ويستبيح الدماء ويستخدم الأطفال والنساء في الإرهاب. كما يتعامل بوحشية مع المخالفين ولا يؤمن بالحدود.

التنافس من أجل السيطرة بين الجماعات المسلحة في أوغندا جاء عقب الاستقلال عن بريطانيا عام 1962. ظلت المنطقة تعاني من ويلات هذا التنافس حتى عام 1986. التي تمكن فيها تمرد مسلح بقيادة ما يعرف بـ”جيش المقاومة الوطني” من فرض سيطرته برئاسة يوري موسفيني. كذلك لم تهدأ الأوضاع حينها. إذ شن المنتصرون حملات تصفية استندت إلى الأساس العرقي. بينما سادت حالة من الفوضى تخللتها سرقة وقتل وحرق موجهة نحو السكان المحليين.

السكان المحليون بدأوا البحث عن أدوات مقاومة لهذا العنف فأسسوا حركة “الروح القدس”. وترأستها سيدة تدعى “أليس لاكوينا” أو التي أطلق عليها “المتنبئة”.

وبعد ذلك أعلن جوزيف كوني، تشكيل “جيش الرب” وعرف أيضًا باسم “جيش الإنقاذ المقدس المتحد” و”الحركة المسيحية الأوغندية”، وادعى النبوة. ونسب لنفسه بعض الزيارات للروح المقدسة التي تلهمه بمسار عمله الدموي. كذلك بدأ عهدًا جديدًا في صفحات الحركات المسلحة وانطلاق التنظيم الذي تم تصنيفه بأنه “الأكثر وحشية في العالم”. كما بدأ نطاق عملياته الهجومية في شمال أوغندا وانتقل بعد ذلك إلى أفريقيا الوسطى والسودان والكونغو.

صاحب جيش “الرب” دعمًا قرويًا من الأهالي ضد “موسوفيني”. إلا أن الأمر سرعان ما تحول لعداء بوحشية “الرب” في التعامل مع المدنيين وأعمال القتل والخطف والاغتصاب والوحشية. التي لم يكن لها مثيل آنذاك بالإضافة إلى احتجاز الأطفال واستخدامهم بشكل نظامي. خاصة لقلة موارده المالية ورغبته في تأمينها بشتى السبل الممكنة.

جوزيف كوني زعيم جيش الرب الأوغندي

قائد جيش”الرب”من محب للرقص للشخص الأكثر وحشية في العالم

ينتمي الرجل الأكثر خطورة في العالم، جوزيف كوني، إلى قرية أوديك في شمال أوغندا. كذلك هو ابن بسيط لأحد مزارعي القرية قرر في بداية حياته أن ينتمي للكنيسة ويعمل بها شماسًا. لكنه ترك دراسته وتطلعاته متجهًا إلى المداواة باستخدام السحر، وذاع صيته في مع مرور الوقت في هذا المجال.

لم يكن “كوني” يظن أنه سيأتي يوم يصبح فيه ذلك الشخص شديد الخطورة الذي يتحدث عنه المجتمع الدولي. كان يحيا ببساطة ويعشق الرقص ويرغب في ممارسته. لكنه مع عام 1986 وجد نفسه عضوًا في مجموعة من المتمردين ضد سطوة المجموعة التي يرأسها موسفيني. وسرعان ما تمكن الجيش الحكومي من هزيمة تلك المجموعة التي كانت تقودها قريبة “كوني”.

ثم تطور الأمر معه بعد أن اعتقد تمامًا أنه نبي قبيلته “أشولي” ونشر ذلك وبالفعل وجّه زمام الأمور في المجموعة المتمردة المنهزمة “حركة الروح القدس”. كذلك تولى هو القيادة ليعلن تأسيس جيش “الرب” الأوغندي. وبدأ مساره يتحول تمامًا منذ تلك اللحظة وتتغير ملامحه الطفولية البريئة إلى إنسان يهوى الوحشية.

أهداف جيش “الرب” الأوغندي

جيش “الرب” يستند بالأساس على الدين في مساعيه القتالية لذا فأهدافه أغلبها يرتبط بتدعيم قواعد الدولة المسيحية في المنطقة وتنفيذ تعاليمها الصحيحة.

وأكد جوزيف لاكوني، مؤسس جيش “الرب” أنه سيعمل على الحكم من خلال العهد الجديد والوصايا العشر. لكن فيما يتوافق مع التقاليد والأعراف المتبعة في قبيلة “أشولي” التي تكون الجيش من أبنائها.

وتأسيس الدولة المسيحية في أوغندا كان الهدف الثاني بعد محاربة رئيسها يوري موسوفيني وتحقيق الانتصار المأمول عليه. كما تعهد “كوني” في حال خروجه ظافرًا من حربه ضد “موسوفيني” أن يجعل من أوغندا دولة دينية مسيحية.

الرئيس يوري موسيفيني

استخدام الأطفال وإقناعهم أن أجسامهم مضادة للرصاص

واحدة من الجرائم التي ارتكبها جيش “الرب” هو تسخير الأطفال وتجنيدهم في صفوفه. وتحولت بعدها البراءة التي في عيونهم إلى نيران تلتهم كل ما تصادفها. ولم يكن الأمر نابع عن إرادتهم لأنها في مثل هذا السن تكاد تكون معدومة.

وتمكن جوزيف كوني، من إقناع ضحاياه من الأطفال أن الماء المقدس الذي يقدمه لهم يجعل أجسادهم مضادة للرصاص. وهو ما أكسبهم قوة حقيقية رغم صغر هذا السن. بالإضافة إلى محو عقولهم تمامًا وتسخيرها لتنفيذ مشيئة “الرب” التي يتم إرسالها عبر قائد التنظيم.

وكثف جوزيف عمله في حصد أكبر عدد من الأطفال وخطفهم ما أدى إلى نزوح ما يقرب من مليوني شخص عن القرى التي استهدفها بوحشية عمدية لترويع الآمنين وإخافتهم.

لم يقتصر الأمر على تجنيد الأطفال بل استباحة النساء بشكل عام بين الاغتصاب والزواج المزيف خاصة للأطفال. إذ قيل إن جوزيف كوني اتخذ من 50 امرأة مخطوفة زوجات له.

وأكدت منظمة اليونيسيف أن عدد الأطفال المجندين في جيش “الرب” الأوغندي يقدر بنحو 40 ألف طفل. يمثلون نحو 80% من قوته كما تبلغ أعمارهم ما بين 11 و15 عامًا.

“الرب” الوجه المسيحي لـ”داعش” الإسلامية

لا توجد أهداف أو أجندة سياسية واضحة لجيش “الرب” فهو يسعى لتحقيق حكم تحت مظلة الثيوقراطية “حكم الدين”. ويعمل على تحقيق العدالة المنشودة بتنفيذ الوصايا العشر المذكورة في الأناجيل. لتتشكل الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد وفقاً لها، وتحريم الزنا والقمع والسرقة والقتل والكذب.

وفي حال وقوفنا على تلك الوصايا ومقارنتها بما يدعوا إليه تنظيم داعش الإسلامي سنجد هناك تقارب فكري إلى حد كبير. الجماعة الإسلامية المسلحة أيضًا تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. كذلك نجد التناقض ذاته بين التعاليم المرغوب في تطبيقها وما يتم تنفيذه بالفعل على أرض الواقع.

وفي الوقت الذي أعلن جوزيف كومي نفسه نبيًا نجد قادة داعش ينصبون أنفسهم خلفاء على المسلمين. لصعوبة التحدث عن نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك فكان منصب الخلافة هو الأقرب وله نوع من القداسة التي ترقى للمستوى الذي تم إعلانه بداخل جيش “الرب” المسيحي. كما أن كليهما لا يعترف بالحدود الموجودة بين الدول وتفوق أطماعهم المساحات الضيقة لما هو أوسع على الصعيد العالمي. وكلاهما تم تصنيفه كتنظيم إرهابي في عدد كبير من الدول.

ولم يتوقف التشابه عند الادعاءات المرتبطة بتطبيق الوصايا العشر أو الشريعة الإسلامية الصحيحة. وإنما أيضًا في طريقة التعامل مع الضحايا والتوحش في الإفصاح عن الجرائم البشعة التي يتم ارتكابها. من ذبح وحرق وتشهير بالضحايا وتنكيل بالجثامين. واغتصاب للسيدات وأسرهن لخدمتهن بل وكأن مرجعيتهم واحدة وما يستندون إليه من فلسفة إجرامية له نبع واحد فقط. ويصعب تصور أننا نتحدث عن أديان مختلفة فشرائعهم التي يسعون لتنفيذها تكاد تكون واحدة وأسلوبهم متتطابق.

جيش الرب الأوغندي

مسار جرائم “الرب” ومواجهتها

لم تتوانى “الرب الأوغندي” لحظة عن أعمال العنف التي تم تصنيفها بأنها الأكثر وحشية حول العالم. بينما اتبع نهجًا جديدًا في اقتحام القرى واستخدام الخطاطيف وقطع الرؤوس. في ضوء ما يستهدفه من ترويع وإخافة من يتمكن من النجاة بينهم. كما أن أبرز أعماله كانت استرقاق الأطفال لاستخدامهم كجنود من ناحية وسبي النساء لتكن مشاع للقادة.

عام 2005 أصدرت “الجنائية الدولية”، حكمها باعتقال جوزيف كوني، على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. كان من بينها استرقاق نحو 24 ألف طفل وقتل آلاف الأشخاص.

وبعد عام من الحكم في 2006 قرر “كوني” ومعه عدد كبير من جيشه الانتقال إلى الكونغو الديموقراطية والسودان في الجوار. وظلوا ينتقلون بين الدول الثلاث في سلسلة من أعمال العنف المدعومة بادعاء “كوني” للنبوة. وأنه يلتقي بالروح أثناء نومه ويحصل على المعلومات والدعم والتعليمات.

وعام 2008 يعتبر محوري في تاريخ “الرب الأوغندي” حيث دعت الدول المجاورة لأوغندا إلى التوقيع على اتفاقية سلام. منعًا لشن هجوم مسلح عليها وغاب “كوني” عن التوقيع. ما دفعها بالتعاون مع القوات النظامية في أوغندا بالحجم الفعلي على قواعد جيش الرب ولكنهم لم يستطيعوا إلقاء القبض على “جوزيف كوني”.

وفي عام 2009 أعلنت الحكومة الأوغندية أن جيش النظام تمكّن من قتل نحو 50% من مسؤولين “الرب” الكبار. كذلك ما يقرب من 25% من مقاتليه وهو ما ينذر بنهايته التي باتت وشيكة آنذاك.

العالم يتدخل

ومع حلول عام 2011 قررت عدد من الدول التدخل وكان في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية. التي أرسلت نحو 100 جندي للمساعدة في حرب “الرب الأوغندي” مستخدمين الأسلحة المتقدمة ومتعاونين مع السلطة الحاكمة هناك. كذلك رصدت مكافأة تقدر بنحو 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن قائد التنظيم المطلوب دولياً.

وخلال عام 2012 أرسل الاتحاد الأفريقي قواته لمحاربة “الرب” والعمل على إنهاء سلطته في المنطقة وحسم وجوده. ورغم المعاناة التي كان يمر بها الجيش آنذاك. لم تتمكن القوات من السيطرة عليه أو حتى إلقاء القبض على زعيمه جوزيف كوني.

ومع حلول عام 2014 اتهمت الأمم المتحدة جيش الرب بأنه خطف نحو 60 ألف طفل وقتل نحو 100 شخص خلال ما يقرب من 27 عامًا. كما أنها حددت منطقة تواجده في مناطق النزاع سواء جنوب السودان أو المنطقة الحدودية لها مع أفريقيا الوسطى.

وفي عام 2015 احتجزت “الجنائية الدولية” جندي سابق أصبح قائدًا لجيش الرب اسمه دومينيك أونجوين. كما صدر ضده حكمًا بالسجن لمدة 25 عامًا، بعد إدانته بنحو 61 جريمة. إلا أنه بالنظر إليه نجده كأغلب جنود “الرب” تم اختطافه في سن التاسعة وظل منغمسًا جبرًا في أعمال العنف إلى أن اعتنقها كقائده السابق كوني.