أثار إعلان السودان بمراجعة اتفاقية تتعلق بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، تساؤلات عن مدى تأثير القرار على الطموحات والتواجد الروسي في القرن الأفريقي، خصوصا في ظل وجود محاولات للتقارب الدبلوماسي نحو القارة الإفريقية بشكل عام وحماية مصالحها في منطقة البحر الأحمر بشكل خاص. 

كان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس هيئة أركان القوات المسلحة السودانية، قد كشف في تصريحات صحفية مطلع يونيو عن مراجعة بلاده لاتفاقية تم التوصل إليها خلال حكم الرئيس السابق عمر البشير حول استضافة قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر، والتي لم تعرض على المجلس التشريعي ولم يجيزها، مما يعطي السودان حرية مراجعة الاتفاقية في إطار تحقيق مصالحه. 

تأتي المراجعة السودانية للاتفاقية في وقت تتقارب فيه السودان مع الولايات المتحدة منذ الإطاحة بنظام عمر البشير الذي كان يسعى لكسب ود روسيا هروباً من العقوبات والضغوط التي مارستها أمريكا ضد نظامه، حيث تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهي الخطوة التي بدأت في كسر العزلة الدولية للسودان، حيث تذهب تحليلات المراقبين بممارسة أمريكا ضغوط على السودان من أجل التراجع عن الاتفاق مع روسيا. 

مع التردد داخل المكون العسكري والمدني حول تمرير اتفاقية القاعدة العسكرية، نفى رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، الفريق عبد الفتاح البرهان عزم بلاده إلغاء الاتفاق حول بناء قاعدة روسية في البحر الأحمر، مؤكداً أنه لا يوجد ضغوط أمريكية لالغاء الاتفاق. 

وكان مسئول روسي نفى وجود أي إخطار سوداني بطلب الغاء الاتفاقية، فيما عدا بعد الأسئلة والاستفسارات يتم توضيحها والتشاور بشأنها.

ضغوط أمريكية 

مع خطوات التقارب الأمريكية مع السودان غقب إزاحة البشير رجحت وسائل إعلام روسية أن تكون أمريكا قد قدمت عرضاً أكثر سخاء على السودان لإثناءها عن تنفيذ اتفاقية القاعدة البحرية العسكرية، حيث نشر موقع “موسكوفسكي كومسوموليتس”، تقارير ترى أن السلطات الجديدة في السودان تتبع مسارا مؤيدا لأمريكا وقد ترفض إنشاء قاعدة للأسطول الروسي، في مقابل وعود أمريكية بدعم عسكري، أو حلول في مواجهة إثيوبيا وتعنتها في ملف مياه النيل، وهو ما قد يفتح الباب لصراعات محتملة إقليمية على مياه النيل لا تزال مصر والسودان يختبران شركائهم المحتملين لمناصرتهم في هذه الحرب. 

بالنظر إلى تاريخ طويل من التنافس الأمريكي الروسي، فإن التمسك الروسي بالقاعدة البحرية في ميناء بورتسودان لتكون مركز لوجسيتي لها في البحر الأحمر سيكون مصلحة استراتيجية كبيرة لروسيا في تحقيق مساعيها لاستعادة النفوذ الإقليمي والدولي ومواجهة القوة البحرية الأمريكية التي تمتلك شبكة من القواعد البحرية واسعة الانشار مما يمنح أسطولها فعالية عالية وقدرة على الوجود في مسرح العمليات. 

وثيقة اتفاق أولية

وفق إعلان للحكومة الروسية، ستضمن القاعدة البحرية في البحر الأحمر مركز دعم لوجستي في السودان يمكن من خلاله تأمين صيانة وعمليات تزويد بالوقود واستراحة أفراد طواقم البحرية الروسية، حيث تستقبل القاعدة 300 عسكري وموظف مدني كحد أقصى، و 4 سفن بحرية، بما في ذلك مركبات تعمل بالطاقة النووية.

وتعد القاعدة العسكرية المنتظر تدشينها موطئ قدم لروسيا في البحر الأحمر حيث كانت تسعى منذ فترة توجيه عناصر من أسطولها البحري فيه، حيث نص الاتفاق على أن يكون مقرها المنطقة الشمالية لمدينة بورتسودان. 

ولا تختلف الاتفاقية في مجملها على القاعدتين الروسيتين الجوية والبحرية في سوريا، حيث نص الاتفاق على منح تسهيلات واسعة لروسيا منها منح أراضي تكون مركز الدعم اللوجستي دون مقابل، لمدة 25 عاماً، بينما يتمتع العسكريون والمتعاقدون المدنيون الروس الموجودون في مركز الدعم بحصانة أمام القوانين والمحاكم السودانية، على أن تتم معاقبتهم ومحاسبتهم عن أي مخالفات أو انتهاكات بموجب القوانين الروسي. كما تعفى جميع المواد والعتاد والذخيرة التي يقوم الجانب الروسي بنقلها إلى نقطة الدعم من الرسوم الجمركية. 

ومن المتفق عليه أن تشمل القاعدة 4 سفن حربية روسية بما في ذلك السفن النووية، مع الالتزام بمبادئ الأمن النووي، على أن يلتزم الجانب الروسي إبلاغ السلطات السودانية عن دخول سفنه إلى المياه الإقليمية السودانية قبل 12 ساعة في الحالات العادية، وقبل 6 ساعات في حالات الضرورات العملياتية. 

وتعطي الاتفاقية لروسيا حق استخدام المجال الجوي لجمهورية السودان لرحلات الطائرات الروسية التي تحمل المؤن والعتاد والأسلحة إلى مركز الدعم اللوجستي، على أن يتولى الجانب الروسي أيضاً مسؤولية أمن الحدود المائية، والدفاع الجوي، والحماية الداخلية والحفاظ على القانون والنظام على مساحة المركز، ويتولى الجانب السوداني الحماية الخارجية لحدوده البرية.

اقرأ أيضا:

من جديد الدب الروسي في أفريقيا

 

اهتمام روسي

منذ مجيء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن للسلطة في عام 2000، بدأت روسيا في تبني سياسة خارجية تستهدف استعادة مكانتها في أفريقيا كقوة عظمي، بعد سنوات من الفتور، نظراً للدور التاريخي للاتحاد السوفيتي في المساهمة بإزاحة الأنظمة الاستعمارية في القارة ودعم حركات التحرر الشعبية، حيث تم فتح العديد من المراكز الثقافية والمجالس الاقتصادية وتأسيس مجلس التجارة الروسي الأفريقي، حيث احتلت أفريقيا المرتبة التاسعة من بين قائمة المناطق العشرة الأكثر أهمية للمصالح الروسية. 

130504-N-DR144-818
ANCHORAGE, Alaska (May 4, 2013) Marines assigned to Task Force Denali run to bring the ship to life during the commissioning of the San Antonio-class amphibious transport dock ship USS Anchorage (LPD 23) at the Port of Anchorage. More than 4,000 people gathered to witness the ship’s commissioning in its namesake city of Anchorage, Alaska. Anchorage, the seventh San Antonio-class LPD, is the second ship to be named for the city and the first U.S. Navy ship to be commissioned in Alaska. (U.S. Navy photo by Mass Communication Specialist 1st Class James R. Evans/Released)

وفقاً لاستراتيجية التحرك الروسي في أفريقيا، تركز موسكو على أفريقيا كجزء رئيسي في استعادة بصماتها العسكرية، حيث يسعى بوتين إلى توسيع دائرة التحرك العسكري وهو الهدف الذي بدأ تنفيذه بافتتاح القاعدة العسكرية في سوريا 2015، والعمليات الواسعة التي تقوم بها القوات الروسية في أوكرانيا وفنزويلا ومحاولة توسيع التواجد العسكري في البحر المتوسط والبحري الأحمر والأسود والمنطقة القطبية الشمالية، وهو الهدف الذي تعززه عدد من الأدوات في مقدمتها تجارة السلاح، إذ تعد روسيا أكبر مورد للسلاح في أفريقيا وتقدر ورادات السلاح لأفريقيا من روسيا بـ37%، فضلاً عن المشاركة في التدريبات العسكرية وعمليات حفظ السلام وشركات الأمن الخاصة التي أصبحت أقرب لجيوش عسكرية خاصة لها أنشطة مهمة في حماية الأنظمة الحاكمة في أفريقيا وتوجيه الرأي العام وهي الذراع الأقوى الآن لروسيا في تعظيم مصالحها في أفريقيا وتحويلها لمراكز استراتيجية في مواجهة القوى الكبرى من خلال نشاطها في مساندة الحكومات الأفريقية في مكافة حركات المعارضة والقضاء على الانتفاضات الموالية للغرب. 

قبل المراجعات السودانية للاتفاقية التي لا تزال في صورتها الأولية التي لم يوقعها البرلمان السوداني (المجلس التشريعي الإنتقالي والذي لم يشكل بعد) حتى الآن، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نشر مرسوماً في نوفمبر من العام الماضي قال فيه إنه وافق على اقتراح الحكومة الروسية بإنشاء مركز بحري للإمداد والتموين في السودان.

وفقاً للسياسة الخارجية التي تتبناها روسيا تجاه أفريقيا والقرن الأفريقي والبحر الأحمر على وجه الخصوص لا يمكن التنبؤ باحتمالات الدخول كطرف محوري في نزاعات أقليمية أو التورط في حروب أقليمية محتملة على غرار الدور الروسي في دعم النظام السوري، لكن إلى جانب الأهمية الاسترايتيجية للقاعدة البحرية الروسية في السودان، يمكن لروسيا أن تلعب أدوار الوساطة والمساهمة في مكافحة الإرهاب وحفظ السلام ولعب أدوار سياسية انطلاقاً من القوة العسكرية. 

إلى جانب المصالح السياسية والأمنية يضيف الجانب الجيوسياسي لميناء بورتسودان أهمية اقتصادية هامة من إنشاء القاعدة البحرية الروسية، حيث إن إنشاء مركز للدعم الروسي يمكن من خلاله السيطرة على عبور النفط بالنظر إلى الإنتاج النفطي في جنوب السودان التي لا تمتلك منفذا لتصدير البترول إلا عبر خط أنابيب يمر في الأراضي السودانية.

كما تتبنى روسيا استراتيجية اقتصادية للدعم التجارة البينية مع أفريقيا تستهدف دخول الشركات الروسية الكبيرة في الأسواق الأفريقية حيث تقدر الاتفاقيات الموقعة بين روسيا ودول المحيط الأفريقي ما يقرب من  وثيقة تعاون تقدر بحوالي 13 مليار دولار أمريكي خلال المنتدى الاقتصادي روسيا أفريقيا الأخير.