تثير قرارات تعيين أعضاء هيئات التدريس الجدد ورؤساء الجامعات الحكومية، التي تخلو عادة من العنصر النسائي، لأسباب غير معلومة، الكثير من التساؤلات في الأوساط الأكاديمية حول معايير الاختيار، والآلية التي تتبعها اللجنة المختصة بترشيح رؤساء الجامعات، وهو ما أرجعه البعض إلى غياب قواعد الشفافية وانتهاك مبدأ الاستقلال.

وبحسب قرار الوزير خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي، فإن معايير اختيار رئيس الجامعة تشمل أن يكون المتقدم شغل وظيفة أستاذ لمدة 5 سنوات. وعلى رأس عمله بالجامعة لمدة سنتين على الأقل. كما عليه أن يكون أستاذًا عاملًا وعلى رأس عمله بالجامعة لمدة سنة على الأقل. إذا رغب في الترشح للعمادة.

بالإضافة إلى ألا يكون المرشح سبق له شغل الوظيفة المتقدم لها عن طريق التعيين إلا لمرة واحدة على الأكثر. وألا يسبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو أخرى مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة. ما لم يرد إليه اعتباره.

كذلك شملت المعايير عدم توقيع جزاء تأديبي إلا إذا تم إلغاؤه أو إذا تم محو الجزاء أو سحبه. كما يجب أن يكون المرشح متوليًا لأي منصب حزبي وقت الترشح وطيلة مدة توليه المنصب. بالإضافة إلى حضور المرشح للدورة التدريبية التي تعقد في إحدى الجهات التي يحددها المجلس الأعلى للجامعات.

وبالفعل فتح باب الترشح لرئاسة الـ8 جامعات الحكومية، وتقدم 53 مرشحًا بينهم 6 سيدات بنسبة 11% فقط.

القرار الوزاري أكد كذلك إعادة تشكيل اللجنة المختصة بترشيح رؤساء الجامعات ليزيد عددها إلى 9 أعضاء. منهم 6 يتم اختيارهم من المجلس الأعلى للجامعات ومن الوزير. بينما الثلاثة الآخرون يكونوا من الجامعة محل الاختيار.

المجلس الأعلى للجامعات

استبعاد النساء من رئاسة الجامعات

اللجنة المُشكلة تختص بترتيب درجات المرشحين لاختيار أعلى ثلاثة يتم عرضهم على رئيس الجمهورية لتعيين واحد منهم. كما اعتمد نظام الترتيب الذي وضعته اللجنة على انفراد رئيس اللجنة بمعرفة الدرجات المعطاة لكل مرشح دون غيره. وبعد الاتفاق بين أعضاء اللجنة تم استبعاد السيدات المرشحات من التواجد ضمن الأسماء الثلاثة التي ستعرض على رئيس الجمهورية.

وضمت أسماء المرشحات الـ6 على منصب رئيس الجامعات كل من من الدكتورة نورهان الشيخ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة جيهان محمد. أستاذ ورئيس قسم إدارة التمريض بكلية التمريض بجامعة حلوان، بالإضافة إلى الدكتورة عبير الرباط عميد كلية الآداب بجامعة بنها، والدكتورة فاطمة حسن محمد نائب رئيس جامعة بني سويف للدراسات العليا، كذلك الدكتورة جميلة محمد علي قائم بعمل رئيس قسم القلب بكلية الطب جامعة قناة السويس، وأخيرًا الدكتورة لبنى عبدالمحسن عبيد رئيس قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة سوهاج.

تحرك برلماني

قرار اللجنة باستبعاد النساء من المتقدمين لشغل منصب رئيس جامعة دفع أمل سلامة عضو مجلس النواب للتحرك، إذ تقدمت بطلب مقترح برغبة إلى كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي عقب الاطلاع على المادة 134 من الدستور والمادة 212 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب. أشارت فيه إلى ما حدث في لجنة اختيار الرؤساء واستبعاد المرشحات من النساء.

سلامة قالت لـ”مصر 360″ إن تصرف اللجنة يدخل ضمن ما يسمى بالعنف ضد المرأة وعدم المساواة وضرب لمبدأ تكافؤ الفرص بينما يتعارض كل هذا مع سياسة الدولة الرامية إلى تمكين المرأة وإعطائها حقها في تولي المناصب العامة. دون مراعاة للمعايير الموضوعية والمساواة والشفافية، وانتهاكا للنصوص الدستورية والقانونية.

وتقود النساء أقل من 7 في المئة من مؤسسات التعليم العالي العربية، وفقاً لمسح تفصيلي أجرته مؤسسة الفنار للإعلام وشركة InfoTimes ، وهي شركة مستقلة لجمع وتحليل البيانات.

المسح أفاد أنه بالرغم من ارتفاع عدد النساء الحاصلات على شهادات عليا في العديد من الدول العربية وتزايد أعدادهن كمعلمات في المرحلتين الابتدائية والثانوية في العديد من الدول العربية، فإن وصولهن لمناصب قيادية عليا في المؤسسات الأكاديمية مازال أمراً صعباً.

غير أنه من أصل 702 مؤسسة أكاديمية في 22 دولة عربية، توجد 48 امرأة فقط تتولى منصب رئاسة جامعة أو معهد عالي.

عبير الرباط وجيهان محمد ونورهان الشيخ

 

في السياق ذاته، قالت مقرر فرع المجلس القومي للمرأة في القليوبية الدكتور جيهان فؤاد، إن جامعة بنها خسرت كثيرا بعدم ترشيح قيادة نسائية ناجحة وصالحة لقيادة الجامعة مثل الدكتورة عبير الرباط التي تولت منصب عميدة كلية الآداب ببنها طوال ٦ سنوات متتالية وحصلت على الجودة والاعتماد لكليتها بعد عام من تعيينها وعددًا من الإنجازات بالجامعة.

وأضافت أن استبعاد الرباط وغيرها من المرشحات لرئاسة الجامعات المصرية يصنف ضمن العنف ضد المرأة وعدم المساواة وإهدار تكافؤ الفرص ويتنافي مع سياسة الدولة وتوجيهات الرئيس بتمكين المرأة وإعطائها حقها في تولي المناصب العامة.

مشكلات عدم الشفافية

قبل ذلك، قدمت راندا مصطفى، وكيل لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس الشيوخ بطلب برغبة، بشأن تطبيق قواعد الشفافية في التقدم لمنصب رئيس الجامعة، خاصة جامعة القاهرة إلى لجنة التعليم والبحث العلمي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالمجلس.

وكشفت مصطفى أن هناك مخالفة صريحة وصارخة لقانون تعارض المصالح، إذ إن ترشح الدكتور محمد لُطيف أمين المجلس الأعلى للجامعات لرئاسة الجامعة القاهرة من أكثر من جهة. حيث هناك مخالفة ترشحه للقانون رقم (106) لسنة 2013 في شأن حظر تعارض مصالح المسئولين في الدولة، ومخالفة ترشحه لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

وقالت إنه ورد للجنة شكاوى حول إجراءات الترشح في بعض الجامعات، منها واقعة ترشح أمين المجلس الأعلى للجامعات لمنصب رئاسة جامعة القاهرة. وما يثار حول ذلك من لغط حول ارتكاب مخالفة صريحة للقانون رقم (106) لسنة 2013.

أمين المجلس الأعلى للجامعات ومرشح لرئاسة جامعة القاهرة

يذكر أن الدكتور محمد لطيف أمين المجلس الأعلى للجامعات، تقدم بطلب ترشح لمنصب رئيس جامعة القاهرة في وقت توليه منصب أمين المجلس الأعلى للجامعات. حيث صدر القرار رقم 293 لسنة 2021 والخاص بمعايير اختيار القيادات الجامعية تحت إشرافه على مراحل إعداد القرار. وتوقيعه القرار المنشور واستمارة البيانات المرفقة به بجريدة الوقائع المصرية. كذلك فهو الذي أعد قوائم الأسماء التي تم ترشيحها واختيارها في لجنة ترشيح جامعة القاهرة، انتهاءً إلى تشكيل اللجان واختيار من يكون عضوًا فيها.

وبحكم موقعه اطلع على طلبات الترشيح على برامج المرشحين، وتم استلامها تحت إشرافه عن طريق موظف يعمل تحت رئاسته. كما أنه مارس كافة الأعمال المرتبطة باختيار رئيس الجامعة وتعامله المباشر دون غيره من المرشحين مع أعضاء اللجنة والأجهزة المعنية والسلطات ذات الصلة. كما ثبت ممارسة الأمين مهام عمله في المجلس أثناء فترة الترشح وبعدها من واقع المخاطبات والاجتماعات التالية.

الدكتور محمد لطيف

التدرج في النظام

كان النظام المعمول به في اختيار القيادات الجامعية عام 2010 وهو التعيين المباشر بقرار من رئيس الجمهورية. وبعد 2011 أصبح نظام الاختيار قائم على تشكيل مجمع انتخابي في كل كلية وجامعة والتصويت المباشر لاختيار رئيس الجامعة. إلا أنه أفرز مجموعة من الصراعات في الجامعات لوجود القيادات ذاتها التي كانت موجودة ما قبل 2011. وأصبح رئيس الجامعة له السلطة الإدارية والأكاديمية في الوقت ذاته.

في 2014 تشكلت لجنة مع التعديل الدستوري لجئت لحل وسط، بإلغاء الانتخاب المباشر. بالإضافة إلى تشكيل لجنة مكونة من 6 أعضاء تعرض عليها ويتم اختيار مجالس الجامعات. إلا أنه ضم عددًا من الثغرات أيضًا وأصبح هناك شكاوى بالجملة بعد الترشح وتقديم الطعون للأجهزة الرقابية والسيادية. على سبيل المثال ما حدث في جامعة طنطا حيث فتحت اللجنة في 2014 وتم إعادتها 2015 و2016 وأصبح يديرها القائم بالأعمال.

توسيع عضوية اللجنة

هذا العام قرر وزير التعليم العالي والبحث العلمي توسيع عضوية اللجنة لتضم 9، وعضوين ممثليّن عن الجامعة تختار 3 والمجلس الأعلى يختار 4. وأصبح من يتقدم لرئاسة الجامعة وحضور الدورات التدريبية عليه أن يقدم بيان حالة. وبالتالي أصبح معلن عن نفسه.

وعلى كل المترشحين تقديم أنفسهم والبرامج الانتخابية للجنة المجلس الأعلى للجامعات. لمنحهم الدرجات وفقًا للمعايير الموضوعة لـ8 من رؤساء الجامعات يمثلون ثلث المجلس الأعلى للجامعات.

بعض العاملين في المجتمع الأكاديمي قالوا إن معايير اختيارات القيادات الجامعية بها ثغرات تخلق حالة من الصراعات. فضلًا عن الشكاوى والتقارير المقدمة ضد البعض، رغم أن هذا لا يجب أن يحدث في المجتمع الأكاديمي من الأساس فضلًا عن عدم وجود ضمانات أن من يأتي سيكون لديه مهارات التخطيط الاستراتيجية لمستقبل الجامعة في ظل توجه الدولة بتعظيم الموارد.

مصدر رفض ذكر اسمه قال إن اللجنة لا تعلن اختياراتها من المرشحين نظرًا لانتظار قبول أو رفض الجهات المعنية، فكان من الأفضل أن يكون هناك مجلس استشاري عن التعليم العالي تابع لرئاسة الجمهورية لا يعرف أعضائها.

السيسي ووزير التعليم العالي

“المشكلة في طريقة الاختيار”

محمود ناجي، الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، قال إن طريقة الاختيارات لقيادات الجامعات تمت بناء على تعديل القانون الصادر في يوليو 2014 بإلغاء القيادات الجامعية واستبدالها بطريقة التعيين من السلطة التنفيذية. كذلك وعلى هذا الأساس تم تنظيم عملية الاختيار بالطريقة الموجودة الآن.

ناجي يضيف أن هذه الطريقة يشوبها العديد من المشكلات في الاختيار، حيث تلغي سلطة الجامعات أولًا. كما وضعت سلطة التعيين والإقالة لرئيس الجمهورية ما يعني الانتهاك التام لاستقلال الجامعات الذي تنص عليه المادة 21 من الدستور: “تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية. كذلك توفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية”.

يشتهد ناجي بأن قرار التعيين تسبب في استبعاد العديد من الأساتذة لأسباب أمنية وحدث ذلك عام 2014 في جامعات مثل بورسعيد والإسكندرية. كما أصبح هناك حالة من تعارض المصالح. إذ إن الوزير نفسه يشارك بعضوين من أعضاء اللجنة يعينهم هو فضلًا عن صفة كرئيس للمجلس الأعلى. ما معناه وجود سلطة أكبر على اللجنة من سلطة المجلس الأعلى للجامعات نفسه.

كذلك أوضح أن المعايير التي يتم الاختيار على أساسها غير معروفة على وجه التحديد. حتى فيما يخص تعيين عمداء الكليات الذين يواجهون مشكلات في التصديق من قبل رئيس الجمهورية.

لا يعلم ناجي السر وراء استمرار استبعاد السيدات من تولي منصب رئيس الجامعة: هل هو موقف في الاختيار أم أن اللجنة المشكلة جميعها رجال، لا أحد يعرف لكن الأكيد أن هناك أساتذة من النساء أكفاء.