رغم أن المادة 15 من قانون الطفل المعدل عام 2008 أكدت حق الأم في تسجيل مولودها في مكتب الصحة حال غياب الأب، إلا أن عددا كبيرا من النساء مازلن يعانين من تجاهل بعض موظفي الصحة للقانون، فلا يستطيعون تسجيل أطفالهن إلا في وجود الأب أو العم أو الجد من ناحية الأب.
هذا الواقع لم يتغير كثيرا منذ 2008، ولا يتوقع متخصصون أيضا أن يحدث حكم محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الصادر خلال الأسبوع الجاري قالت الدائرة بأحقية الزوجة مشاركة الزوج في استخراج شهادة ميلاد للمولود، ورغم أنه حكم نهائي وبات غير قابل للطعن، لكن قوة الواقع والأعراف والبيروقراطية أحيانا تتغلب على أحكام قضائية باتة.
المحكمة قالت إنه لا يجوز للزوج وأهله إهانة زوجته وحرمانها من حقها في استخراج شهادة ميلاد المولود، كما أن الخلافات الزوجية أثناء الحمل لا تحرم الزوجة من حق المولود في أوراقه الثبوتية.
قرار محكمة القضاء الإداري
يرجع قرار محكمة القضاء الإداري الأخير إلى وقائع قضية نشبت فيها خلافات بين زوجين حديثين من مدينة دمنهور، ذهبت على إثرها الزوجة إلى المحكمة، إذ قالت إنها ارتبطت بعقد شرعي صحيح بزوجها المذكور، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج. إلا أنها تعرضت للإهانة المستمرة على يديه هو وأهله أثناء حملها.
صبرت حتى فاض بها الكيل، فتركت منزل الزوجية وهي حامل وذهبت لأهلها لتنجب بين أحضانهم، إلا أن زوجها نكاية فيها أبلغ مكتب الصحة بدمنهور بأن تسجيل المولود يجب أن يكون عن طريقه هو وحده دون زوجته، فحررت له محضرًا إداريًَا بالواقعة في مركز شرطة دمنهور.
بعدها توجهت إلى مكتب الصحة لإثبات ميلاد ابنها واستخراج شهادة ميلاد له، لكنها فوجئت باستجابة مكتب الصحة لرغبة الزوج وأهله.
ويعتبر حق الولاية أحد المطالب المتكررة لكل النساء، إذ كان على رأس الاعتراضات التي وجهتها المنظمات الحقوقية والنسوية بعد تسريب مسودة قانون الأحوال الشخصية الذي لاقى رفضًا واعتراضًا من الجميع.
المشكلة ليست في القانون.. الأزمة في التطبيق
جواهر الطاهر، المحامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصري تقول إن حكم القضاء الإداري ليس جديدا، إذ إنه من الناحية القانونية لا يوجد مانع في تسجيل الأم لمولودها، لكن المشكلة أن مكاتب الصحة تُلزم الأم بوجود الأب لكي يتم التسجيل، كما يحدث في المدارس وطلب الولاية التعليمية لتسجيل الأبناء، رغم أنه معروف طالما الأم حاضنة فبالتأكيد لديها الولاية.
تضيف أن هناك حالات كثيرة سقط فيها قيد الطفل، بسبب أن الأب متغيب لأسباب السفر أو مشكلات مع الأم. ففي هذه الحالة لابد أن تكون الأم على دراية بالخطوات القانونية من خلال محام يعرف قانون الطفل وتعديلاته الصادر في 2008 جيدًا.
ولفتت إلى أنه في الغالب أيضًا لا تتم تسوية الأمور إلا بشكل ودي من خلال التواصل مع العم أو الجد لتسجيل الطفل منعًا للمعاناة.
تؤكد الطاهر أنه لن يكون هناك تأثير كبير للحكم الصادر من القضاء الإداري في الإسكندرية إلا إذا حدث تعميم على مكاتب الصحة لأن الموظفين يتعاملون كالمعتاد بتعنت مع الأمهات.
تقترح مديرة برنامج الوصول للعدالة توصيل نشرة دورية لمكاتب الصحة وعلى الإعلام العمل عليها بشكل مكثف لتعديل ثقافة المجتمع، فالواقع يقول إن لدينا قوانين كثيرة لكن التنفيذ على أرض الواقع غير مفعل، مدللة على ذلك بما يحدث في قضية الختان فرغم وجود قوانين وتغليظ عقوبات إلا أن العادات مازالت منتشرة.
“قصة سلمى”
تروي “سلمى” لـ”مصر 360″ تفاصيل الصعوبات التي واجهتها عند تسجيل ابنها عند الولادة بعد حدوث خلاف مع الزوج والد الطفل.
“كانت بيننا خلافات كثيرة. اتخذ قرارًا بالطلاق والزواج من جديد. وعندًا فيا كان لا يريد تسجيل البنت. اضطريت للذهاب إلى مكتب الصحة بعد أيام قليلة من الولادة القيصرية لتسجيل الطفل. لكن موظف الصحة رفض تسجيلها. بعد مشاورات كثيرة وخناق قال لي الموظف ليس أمامك الكثير من الوقت أما يأتي الأب أو عم أو جد المولودة. أو تصبح ساقطة قيد”.
خشبت سلمى من الذهاب إلى المحاكم الذي قد يستغرق منها سنوات وتحرم ابنتها من كل حقوقها لعدم قيدها، لتضطر التواصل مع أحد أعمامها بالتراضي: “بعد المحايلة جه معايا وسجل البنت”.
“سلمى” وصفت الأمر بـ”المؤلم”، إذ إنها تحملت معاناة الحمل والولادة ثم التربية، ومع ذلك يحرمها المجتمع حقها القانوني في تسجيل ابنتها أو قيده وكأن هناك إصرار من المجتمع بالإجماع على إخضاع النساء لسلطة الرجال.
“شهادة الميلاد” حق دستوري أصيل للطفل
في السياق نفسه، ترى سارة بيصر مديرة مركز زيتونة لحقوق الطفل ودعم المرأة أن قَيد الطفل في “شهادة الميلاد” من الحقوق الدستورية الأصلية للطفل.
كذلك حددت النصوص القانونية الأشخاص المُكلفين بالتبليغ فَور ولادة الطفل وفق نص المادة (15). وهم والد الطفل إذا كان حاضرًا أو والدة الطفل. شريطة إثبات العلاقة الزوجية على النحو الذي تبينه اللائحة التنفيذية. وفي هذه الحالة نستطيع أن نسمي الأمر كأحد الأفلام الشهيرة “عفوًا أيها القانون”.
وبالتالي وبحسب بيصر فإن حق إثبات الأم لمولودها يعتبر حق أصيل، وحتى في حال إذا كان الطفل مجهول الأب ومعلوم الأم، فمن حق الطفل أيضًا “شهادة ميلاد”، ولا يجوز التحجج بعدم وجود عقد زواج موثق لحرمان الطفل من حقه الدستوري.
كما تتابع بيصر أن حكم القضاء الإداري ليس جديدًا. هناك عدد كبير من الأحكام بهذا الشكل منها ما صدر في 2015، إذ كان مضمونه إتاحة الحق للأم في تسجيل مولودها.
إلا أن التعنت يكون من العاملين في مكاتب الصحة وليس النص الدستوري الذي يكفل حق الطفل في شهادة ميلاده. مع بعض الاستثناءات التي يوجد بها صراع قانوني أو حالة مجهول النسب.
كذلك تشير إلى أنه الفارق بين الحالات المختلفة في تسجيل الطفل هو وعي الأم بحقوقها القانونية، إذ إن هناك الكثير من الحالات التي يحدث فيها انفصال بين الزوجين قبل ولادة الطفل. ويمارس الأب نوعًا من العناد ويرفض تسجيل الطفل. وقتها يجب على الأم تحرير محضر بهذا التعنت. ومن ثم تثبت حقها في تسجيل الطفل بشكل قانوني. كما رجحت أن السبب في عدم الوعي هو غياب التثقيف القانوني للنساء والهجوم الجمعي من المجتمع على كل ما يتعلق بحقوق النساء.