أشعر بأن هذا العام بدأ بشكل مختلف وقاس علينا كسيدات وفتيات، وربما لن ينتهي هكذا ببساطة، فربما ينتهي بقسوة أشد أو ربما بتعديلات أو قرارات قد تقلل من المعاناة التي نشربها يوميا حتى الكيعان.
الأيام دي صعبة شوية/ جورج وسوف
مع بداية العام تم طرح مسوَّدة تعديل قانون الأحوال الشخصية، فأثارت بنوده كثيراً من الغضب بين أوساط النسويات والحقوقيات وعلى مواقع التواصل الأجتماعي، وانطلق هاشتاغ “قانون أسرة عادل“، ثم في مارس وفي الصباح التالي لليوم العالمي للمرأة وقعت حادثة مؤلمة لممرضة في القاهرة، اُلقيَت من شرفتها لشكّ حارس العقار وصاحب المنزل وزوجته في سلوكها، لمجرد أنها استقبلت ضيفاً رجلاً في شقتها، فقُتلت فوراً، بعدها بيومين انطلق هاشتاغ “الولاية حقي”، طالبت فيه أمهات كثيرات بحقهن في الولاية على أبنائهن، سواء وهن مطلقات أو في ظل علاقة زوجية، حقّ الولاية على تعليمهم أو استخراج أوراقهم الثبوتية بأنفسهن، لأنهن -ببساطة- أمهاتهم.
في منتصف أبريل ومع عرض مسلسل “لعبة نيوتن” في شهر رمضان، أثير الجدل من خلال طرح المسلسل لوضع المرأة خاصة فيم يتعلق بالطلاق الشفهي والاغتصاب الزوجي، وانطلقت على “فيسبوك” الكثير من الحكايات والشهادات لضحايا الاغتصاب الزوجي ومعاناة الكثيرات في وقائع طلاقهن الشفهي غير المثبت.
في نهاية مايو، أثير جدل حول أحقية وقانونية قائمة المنقولات التي تُكتب قبل كتابة عقد الزواج، حين نشر أب صورة قائمة منقولات ابنته خالية من البنود وكتب بدلا عنها أن من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال.. فعادت المناقشات مرة أخرى حول الأحقية والجدوى منها خاصة في حالات الطلاق وكذلك الحديث حول المؤخر والمهر والمشاركة في التأثيث وفي الإنفاق على البيت وعمل المرأة.
منذ أيام قليلة عاد مرة أخرى الجدل حول الطلاق الغيابي، حين تداول خبر عن سيدة من الدقهلية ذهبت لتحديث رقمها القومي فأخبرها الموظف أنها مطلقة منذ أكثر من 5 سنوات، وحين سألت زوجها أخبرها بكل ببساطة “اعتبري نفسك ملك يمين”، بعدها بيوم واحد نشرت زوجة تميم يونس مخرج إعلانات وصاحب أغنية “عشان تبقى تقولي لأ” شهادتها على أنستجرام تقول أنها تعرضت للاغتصاب الزوجي.
أول أمس، حكمت محكمة مجلس الدولة بشكل نهائي بأحقية الزوجة في استخراج شهادة ميلاد لطفلها ولا يجوز للزوج أو أهله حرمانها من هذا الحق/ الإجراء.
اقرأ أيضا:
قوانين وأحكام لا تعرف التطبيق.. تسجيل الأم للمواليد حق يبحث عن التنفيذ
كيف يروننا؟
تعالوا نتعرف كيف ينظر الرجال لنا وكيف يحدد المجتمع لنا خطوطا يجب أن نمشي عليها، ما هذه الخطوط؟ من نحن؟
في قانون الأحوال الشخصية: من المفترض أن الدستور يساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والتغريمات والعقوبات، لكن قانون الأحوال الشخصية يعطي الرجل أمتيازات كثيرة ودرجات أعلى من المرأة، في حالة الطلاق الشفهي والغيابي يكون الزوج هو الفاعل والزوجة مفعول بها، تُطلق وقتما يريد الزوج بعلمها أو بدون علمها، ولو أراد ان يُعيدها لعصمته فبسيطة جدا يذهب لشيخ يفتيه بأنه مادام كان لا “ينوي” الطلاق وأنما كان متعصب أو بيهددها بس يبقى الطلاق لم يقع، هكذا بكل بساطة, رجل يتعصب فيطلق أو بيربي المدام شوية فيهددها بالطلاق ثم يذهب لرجل أخر فيبرر له تصرفاته بأسم الدين.. وماذا عن القانون؟ لا يوجد قانون يحمي الزوجة بل بالعكس هو يدعم الرجل الأول والرجل الثاني أما الست فهي تنتظر القرار في بيتها بلا حول ولا قوة..
منذ أربعة سنوات اقترح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إمكانية سن قانون يمنع وقوع الطلاق الشفهي بين الزوجين في مصر إلا في وجود موثق عقود الزواج أو “مأذون”، وهو الشخص المخول له رسميا عقد الزواج والطلاق. وسأل السيسي أثناء أحد المؤتمرات شيخ الأزهر عن إمكانية إصدار هذا القانون، لكن هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر الشريف، أقرت فيما بعد في بيان لها: إقرار الطلاق الشفهي بشكل قاطع.
قال البيان: هذا هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى محمد… أن يقع الطلاق دون اشتراط إشهاد أو توثيق”، إلا أن الهيئة دعت إلى مبادرة “توثيق الطلاق حفاظا على حقوق المطلقة والأبناء”. حيث إن الرأي الشرعي لا يمنع صدور قانون في هذا الشأن، وقالت في البيان إن “من حق ولي الأمر – في إشارة إلى النظام الحاكم- “اتخاذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه”.
لا توجد دولة عربية مسلمة تُقر الطلاق الشفهي وتعترف به، بل إن هناك دول تُلزم الزوج بغرامة إن لم يوثق طلاقه، ودول أخرى لا تعترف بالطلاق إلا في دار المحكمة أو أمام المأذون، الأمر منته ولا يقل من تطبيق الدين والشرع. في الأردن من يطلق خارج المحكمة يتم تغريمه، وكل من يخالف المادة 281 من قانون العقوبات تقضي بالحبس مدة لا تزيد عن شهر او بغرامة لمن لا يسجل طلاقه في المحكمة، حتى في دولة موريتانيا يتم تغريم المخالف لعدم توثيق الطلاق وكذلك إذا لم يخبر زوجته بالطلاق وكذلك المأذون الذي يُطلق غيابيا ولا يبلغ الزوجة فيتم تغريمه أيضا، وأيضا في تونس والمغرب ولبنان باختلاف طوائفها ومذاهبها يتم تغريم المخالف ويتم تحديد الطلاق بانه أمام مأذون أو في دار المحكمة.. فقط في مصر يبقى الوضع على ما هو عليه.
قانون الأحوال الشخصية| إن عشقت اعشق قمر
قانون الأحوال الشخصية أيضا في حالة الطلاق يعطى الولاية على الأطفال للزوج وهي أيضا ورقة ضغط في يد الأب ويكون ضحيتها الأبناء ومستقبلهم ودرجة ومستوى تعليمهم، أيضا حين تتزوج المطلقة مرة أخرى تذهب عنها حضانة الأبناء، بلا اعتبار لنفسية الأطفال وكأن الأم تُعاقب لأنها تزوجت مرة أخرى، الزوجة لا تستطيع السفر إلا بإذن زوجها ولا تستطيع اصطحاب أحد ابنائها معها في السفر إلا بإذن الأب وكأنها بلا أهليه قانونية لنفسها أو لابنائها.. الأم لا تستطيع –حتى أول أمس- من استخراج شهادة ميلاد طفلها، لأنها احتمال كبير تكون عاهرة بتتبلى على رجل ما بنسب طفل له.. كل النساء عاهرات هذا ما كان يراه قانون الأحوال الشخصية لعشرات السنين في المرأة المصرية.
المجتمع يرى أنه ليس هناك ما يسمى بالاغتصاب الزوجي، فالزوجة التي تمتنع بلا سبب مرضي عن زوجها تلعنها الملائكة، وأن مصطلح الاغتصاب الزوجي هو من الغرب الكافر بينما نحن نقيم حدود الله ويجب أن تطيع الزوجة زوجها وإن حدث واغتصبها فهو فقط يأخذ حقه الشرعي منها هي الأنانية الناشز الملعونة.
المجتمع يرى المرأة تابعة للرجل، مهما نالت من درجات علمية أو وظيفية، فهي في النهاية لبيتها ولأطفالها، تُطلق كما يريد الرجل لأننا ناقصات عقل ودين أو الهرمونات تتحكم بمزاجنا وقرارنا متسرع، عكس الرجل الرزين الذي لا يتحرش ولا يستمني في المواصلات أما الفتيات ولا يتعصب فيرمي يمين الطلاق ثم يهدأ ويتراجع عن الطلاق كتر خيره، حتى أن الفتاة هي السبب في التحرش وهي السبب في الطلاق فهي التي عصبته، وهي السبب في ضربها فهي التي استفزته، وهي السبب في اغتصابها لأنها امتنعت عنه وكان حقه أن يؤدبها ويأخذ حقه الشرعي منها تلك الملعونة البجحة التي ترفض.. من هي لترفض؟
الدين: لا أريد أن افتي في الدين فأنا لست من أهل العلم ولن أسأل رجل دين أو فقيه، فقط وبشكل منطقي وفطري وببساطة الله لا يرضيه الظلم، ففي كل الحالات السابقة فهناك طرف دائما ما يقع عليه ظلم، تُظلم حين تُختن، حين يتم التحرش بها صغيرة ذاهبة لمدرستها، حين تتزوج صغيرة أو مغصوبة على زوج لا تحبه، تُظلم حين تُغتصب بأسم حق زوجك وحين يقال لها ستكونين ملعونة إن لم تلب طلب زوجك للفراش فتتحمل غصبا عنها أو تقاوم فتُضرب وكله بشرع الله.. الله الذي لا يرضيه أن يتميز ذكر عن أنثى ولا أن يمنح الرجل حقا غير النساء، وأن يُطلق كوسيلة تهديد أو يطلق في لحظة عصبية أو تأديبا أو يطلقها غيابيا ليحرمها من أن ترث من ماله ثم يخبرها بكل إجحاف: “اعتبري نفسك كنتي ملك يمين” الله لا يرضيه أن يصبح طرف لعبة في يد طرف ولا حياته كلها معلقة بلسان وقرار من طرف على طرف.. لا يرضيه أن تُظلم ويُلقى اللوم عليها دائما إذا ما أخطأ الرجل.. هي السبب دائما في حال الاعتراف بخطأ أصلا.. لا يُلام الرجل أبدا، وتترك له كل الصلاحيات والامتيازات في زواج او طلاق أو تربية اطفال أو تعامل أو تحرش أو اتهامها بالعهر هكذا في المطلق.
لذا لا يجب أن ننتظر أن يغير المجتمع رأيه ولا أن يغير الرجل أفكاره، فالذي سيجبرهم على ذلك في البداية هو قانون عادل بين الطرفين، وحين يُجبر الجميع على الالتزام بقانون سيصير مع الوقت عرفا ثم عادة.
المرأة هي الطرف الضعيف إذا لم يدعمها قانون قوي في مراحل حياتها كزوجة، كأم، كمطلقة حاضنة وأيضا كعاملة أو طبيبة، فالقانون هو الذي يساوي بين الأفراد، ولا يجب أن نترك طرفا تحت رحمة طرف آخر.. لا تجادلوا ولا تضيعوا وقتكم ومجهودكم مع عقول لن تتغير، طالبن بتعديل القانون أولا فهذا هو البداية للتغير وحت لو لم تتغير الأفكار فلا بأس.. يكفينا قانون عادل يساوينا كسيدات مع رجال لا يهمنا طريقة تفكيرهم المهم طريقة تعاملهم وسلوكهم المجبورين عليها بقانون صام وواضح وحاسم يجعلهم يخشون التحرش والضرب والاغتصاب.. يجعلهم يحترمون الزواج ويخشون لفظ الطلاق.