تختلف حركة “أزواد” عن غيرها من الكيانات التي تشكلت في شمال مالي. إذ حاولت الهروب من طابع العنف وسلكت المسار السياسي. كما سعت نحو تحقيق الاستقلال المنشود للإقليم، وأعلنت أنها تتبع الفكر العلماني وتسعى لانتزاع حقوق أهالي الشمال في تقرير مصيرهم.

وأصاب الحركة الأزوادية للطوارق حالة من التخبط في مسارها خاصة في التعامل مع الجماعات الإسلامية هناك. إذ راحت تتحالف مع بعضها في البداية وتحديدًا “أنصار الدين”. قبل أن تعدل عن القرار. فانفصلت عن التحالف الذي شكلته وقررت محاربة الجماعات الإسلامية وطلبت مساعدة المجتمع الدولي وشركاء الجوار. كذلك اعتبرت أن التخلص من هذه الجماعات الخطوة الأولى لتحقيق استقلالها المأمول.

عدد من أعضاء حركة أزواد

النشأة والهدف والأيديولوجيا

بدأ العمل على تكوين “حركة أزواد” في نوفمبر من عام 2011 من مدينة تمبكتو. وتم الترويج لتأسيسها باعتبارها حركة سياسية علمانية أفريقية تستهدف تحقيق العدالة والاستقلال وانتزاع حق الشعب في تقرير مصيره بالانفصال عن دولة مالي. كذلك اعتبروا حكومة مالي تتواطئ مع المحتلين الأجانب وتسمح لهم بنهب خيرات البلاد.

وتم الإعلان الرسمي عنها في 2012، أو ما يعرف بثورة الطوارق بأنها تستهدف تكوين دولة في الجانب الشمالي من مالي “أزواد”. لكن بعد أشهر تحالفت مع جماعة “أنصار الدين” هناك. إذ بدأت الصبغة الإسلامية في الظهور وتحولت الحركة إلى اعتناق بعض الأفكار. التي سرعان ما عادت وأعلنت رفضها لها مرة أخرى ومنها تطبيق الشريعة الإسلامية.

وظل الهدف الرئيسي للحركة هو “استرجاع حقوق شعب أزواد التاريخية المنهوبة من الحكومة المالية”. كذلك الوصول للحكم الذاتي المستقل الذي تم تجاهله بعد رفضه من المجتمع الدولي.

والجانب الأيديولوجي لـ”حركة أزواد” يتجه نحو التحرر فهو تنظيم سياسي يسعى للوصول للحكم. ولم يعتنق في البداية الدعاوى التي انتشرت في المنطقة آنذاك حول تطبيق الشريعة. كما اعتبر أن الاستقلال هو الهدف الرئيسي معلنًا علمانيته في بداية التشكيل. وسعيه نحو تحقيق العدالة والحرية والاستقلال ومنع نهب البلاد والخيرات بتحقيق الحكم الذاتي الذي طال انتظاره لنحو 50 عامًا.

من التحالف للصراع على النفوذ.. حركة أزواد والباحثين عن تطبيق الشريعة الإسلامية

اتخذت الحركة قرارًا محوريًا في مايو 2012 بإبرام اتفاق مع جماعة “أنصار الدين”. وهنا الأمر يحتاج إلى وقفة تفصيلية فالتنظيم في بدايته كان سياسيًا علمانيًا. ونظراً للحاجة للتحالف مع القوى المتواجدة بالفعل في الإقليم قرر التحلي بالصبغة الدينية. إذ أجرى اتفاقًا كانت أولى شروطه تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال مالي.

لم يستمر هذا التحالف طويلًا لتتحول حركة “أزواد” لموقف عدائي قتالي من الجماعات الإسلامية في المنطقة. وتبدأ بذلك صفحة جديدة من الصراع الدموي. معلنة أن بداية التحرر والاستقلال تتحقق بالتخلص من نفوذ الجماعات الإسلامية. و”تجار المخدرات التي اعتبرتهم الممول الرئيسي للإسلاميين في المنطقة”.

انتهى الصراع بخروج عدد كبير من مقاتلي “حركة أزواد” من 3 مدن. ومع احتدام الصراع ووصوله لذروته تراجع وجود الحركة وزاد نفوذ الجماعات الإسلامية. ما جعل حكومة مالي تلجأ إلى الفرنسيين وتطالبهم بالتدخل العسكري في الأشهر الأولى من 2013.

تحول موقف الحركة جاء في ضوء رغبتها في السيطرة من جهة، وتراجع نفوذها بعد هيمنة الجماعات الإسلامية على المشهد من جهة أخرى. بالإضافة إلى ما أكدته بشأن عدم رغبتها في وقوع أعمال عنف بقدر رغبتها في العمل السياسي لتحقيق الاستقلال المنشود.

الجماعات الإسلامية المسلحة في مالي

بعد الصراع مع الجماعات المسلحة.. حركة أزواد تحتضر

هزمت حركة أزواد في يونيو 2012 على يد جماعة “التوحيد والجهاد”. واجتمعت عليها عدد من الضوائق الرئيسية منها نفاذ ذخيرتها ونقص الأموال وفرار الكثير من مقاتليها والتحاقهم بجماعات إسلامية منافسة. إذ ضمنت لهم المال والعتاد والنفوذ وهو ما جعلها في وضع أقرب للاحتضار.

رفضت ” أزواد” في مطلع مارس عام 2013 أن تنزع سلاحها قبل التفاوض مع الحكومة المالية. ما أعاق هذا المسار وجعلها تبحث عن بدائل لاستعادة قوتها التي أنهكت في القتال مع الجماعات الإسلامية. وخسارتها أمام بعضها بالفعل. بالإضافة إلى فقدان عدد ليس قليلًا من مقاتليها.

وفي 2014 تعهدت الحركة بوقف إطلاق النار. كما ألحقته بتوقيع مماثل تقرر خلاله وقف الأعمال العدائية في فبراير 2015 وقع في الجزائر.

واتجه بعض قادة الحركة للمغرب العربي في عام 2015 ومن هناك أعلن وقف التعاون الأمني مع بعثة الأمم المتحدة في مالي. عقب قيام طائراتها بضرب مواقع تتبعها الحركة في تبنكورت وطلبت منها الاعتذار رسميًا.

وفي مطلع العام ذاته فشلت المفاوضات التي خاضتها الحركة مع الحكومة المالية والقبائل. إذ لم يوافقوا على التوقيع لأن “مسار الجزائر” وفقًا لتقديرها تجاهل تمامًا حق الأزواديين في تطلعاتهم السياسية. كذلك انطلقت عدد من التظاهرات لرفض هذا التفاوض والتمسك بمطالب الشعب “الأزوادي”.

وظلت تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية متحفظة على الاتفاقية. حتى وقعت يوم 20 يونيو 2015 بعد مباحثات طويلة ووساطات دولية. كذلك نصت الاتفاقية التي تم قبولها بعد طول فترة التحفظ عليها، على تنصيب الإدارة الانتقالية في مختلف ولايات إقليم أزواد شمال مالي. ولم يتم التنفيذ الفعلي على أرض الواقع إلا في أبريل 2017.

أزواد الحركة والإقليم

فكرة تكوين حركة سياسية قتالية في أزواد تعود إلى جذور تاريخية. إذ حدث ذلك منذ المطالبة بالاستقلال عن الحكومة المالية عام 1960.

وتلى ذلك مجموعة من الصراعات بعضها عسكري والآخر سياسي ليتشكل ما عرف بـ”قضية أزواد”. التي ظلت قيد المباحثات نتيجة ما يشكله الإقليم من تهديد وتوتر لأكثر من 50 عامًا متواصلة حتى إعلان تأسيس الحركة رسميًا في 2012. والتي اتخذت من الاستقلال دستورًا لعملها.

ويقع الإقليم جغرافيًا في شمال مالي وهو مساحة كبيرة تصل لنحو 66% من حجم مالي بنحو 822 ألف كيلو متر مربع. بما يعادل مساحة بلجيكا وفرنسا معًا. كما يمثل سكانه 10% من إجمالي السكان بنحو 4 ملايين نسمة وفقًا لإحصاء عام 2015، وعاصمته “غاو”.

وبدأت أولى محاولات التمرد المنظمة في الإقليم مع حلول عام 1962 واستمرت لنحو عامين حتى تمكن الجيش المالي من قمعها تماماً في عام 1964.

التأسيس

وتأسست “الحركة الشعبية لتحرير أزواد” في عام 1988 وتمت مواجهتها أيضًا بعنف حتى تم القضاء عليها. إلا أنها كانت أساس النشأة الفعلية للحركة ظهرت ملامحها خلال الفترة من “20111 لـ 2012”.

وخلال الفترة من 1990 وحتى 1995 ظهر تمرد جديد في المنطقة. لكن هذه الفترة شهدت مجموعة من المفاوضات تدخلت فيها الجزائر التي شهدت نزوح الكثيرين إليها أثناء صراع الإقليم مع الحكومة المالية. بالتزامن مع محاولة رئيس مالي آنذاك عمر كوناري احتواء جميع الأطراف.

وتشكل بعد ذلك “تحالف 23 مايو الديموقراطي” الذي كان أساس اندلاع انتفاضة عام 2006. والذي تم على إثرها توقيع اتفاق سلام بين حكومة مالي والتحالف في الجزائر. وتشكل آنذاك تحالف للمتمردين ضد هذا الاتفاق وبدأ في سلسلة من الهجمات على الجنود الماليين في الفترة من “2007 لـ 2009”.

ومع مطلع عام 2011 عادت الدعوة للاستقلال تحضر وتفرض نفسها بقوة. خاصة بعد عودة آلاف الجنود المحاربين في جيش الرئيس الليبي معمر القذافي للبلاد وبحيازتهم السلاح. ومن ثم تم التحضير للتمرد الأكبر وهو “حركة أزواد” الذي تم إعلان تأسيسه رسميًا مطلع عام 2012.

القوات الفرنسية في مالي

فرنسا والتدخل العسكري

ظلت لفرنسا اليد العليا في إحباط محاولة استقلال إقليم أزواد عن دولة مالي. ووقفت في وجه كل محاولة للخروج عن هذا المسار. وهو ما عبر عنه وزير خارجيتها من باريس عندما قال إن السلطة المالية تطالب بكامل أراضي مالي وهي على حق.

وتدخلت فرنسا عسكريًا لإحباط التمرد والقضاء على الجماعات المسلحة في الإقليم يناير عام 2013. من خلال عملية “سرفال” لوقف تقدم المجموعات المسلحة. إذ تمكنت بالتعاون مع الجنود الماليين من استعادة “غاو” ودخلوا “تمبكتو” بدون قتال. وفي عام 2014 استعادت الجماعات المسلحة “كيدال” وهزمت الجيش المالي. ما دفع فرنسا للقيام بعملية “برخان” وشاركت فيها بنحو 3000 جندي.

وهو الأمر الذي فتح باب التفاوض خلال عامي 2014 لـ 2015 لعقد تسوية تضمن لسكان الإقليم بعض الصلاحيات في التنمية والمشاريع. كذلك التخلي عن فكرة الاستقلال.

وإقليم أزواد هو منطقة حيوية للفرنسيين لامتلاكهم عدد من الشركات العاملة هناك خاصة في مجال التنقيب. إذ أن الإقليم يتمتع بثروة كبيرة من اليورانيوم والذهب والنفط.