تعتبر الوجبات السريعة كبسولة متعددة المخاطر للأطفال، باعتبارها سريعة الإقناع والإغراء وسريعة الأضرار أيضًا على صحتهم. لذلك تشير دراسات حديثة إلى أنّ إعلانات الوجبات السريعة تعتبر واحدة من الأسباب الرئيسية وراء سمنة الأطفال.
وترتكز مخاطر الوجبات السريعة في الإعلانات التي تغرق شاشات التلفاز، ومواقع الإنترنت، واللافتات العامة. كلها مشاهد تجذب الأطفال بمنظرها الشهي، ومن ثم يبدأ الطفل الإلحاح على أسرته لتناولها. ومن هنا تصبح الوجبات السريعة وحداة من أكثر المغريات للأطفال.
وذكرت دراسة أعدتها مؤسسة الأبحاث السرطانية البريطانية أن الإعلانات التلفزيونية تؤدي إلى إلحاح الأطفال على والديهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى شراء الوجبات السريعة المضرة.
ووصف بعض الأطفال الذين شاركوا في الدراسة هذه الوجبات بأنها “تؤدي للإدمان”. فيما قال أحدهم إن إعلانًا تلفزيونيًا معينًا للبيتزا جعله “يريد أن يلعق الشاشة”.
والوجبات السريعة هي مصطلح لجميع أنواع الأطعمة التي يجرى إعدادها في المطاعم وهي مليئة بالطاقة، لأنها تحتوي على الكثير من الدهون والأملاح وأيضًا السكر. ولكنها لا تحتوي على العناصر الغذائية الهامة مثل البروتينات والألياف والفيتامينات والمعادن.
ومع ذلك فإن الوجبات السريعة جذابة جدا للأطفال بسبب المذاق الجيد. ونظرًا لأن الأطفال لا يعرفون كيف يؤثر هذا الطعام على صحتهم فقد يتسبب ذلك في إدمان هذه الأطعمة.
وتتبنى الحكومة المصرية عدة إجراءات لها أثر إيجابي في صحة الأطفال ومعدلات الوفاة. فبحسب اليونيسيف انخفضت وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 108 إلى 28 حالة وفاة لكل ألف طفل خلال السنوات من 1988 حتى 2014.
السمنة تهدد صحة الأطفال في مصر
ولكن تلك الإجراءات غير كافية، وهو ما يتطلب تبني مبادرات لتحيجم إعلانات الوجبات السريعة التي يهتم بها الأطفال.
ووفق دراسة نشرتها مجلة “نيو إنغلاند الطبية”، فإن 19 مليون مصري يعانون من السمنة المفرطة (البدانة)، من بينهم 3.6 مليون طفل، وهي أعلى نسبة في العالم.
وتقول الدراسة إن “أكثر من واحد من كل ثلاثة مصريين يعانون من البدانة، وهو أعلى معدل في العالم”. ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري، وأمراض القلب، وحالات متنوعة من مرض السرطان.
وأشارت دراسة نشرتها مجلة Thorax إلى وجود علاقة بين تناول الأطعمة السريعة وتطور الربو وانسداد الأنف المزمن والإكزيما. وأجرى الباحثون دراسة استقصائية لـ500 ألف طفل من 31 دولة في فئتين عمريتين وهم من 6 إلى 7 سنوات ومن 13 إلى 14 سنة. نتج عنها زيادة 39% من الأطفال في الإصابة بالربو الحاد للمراهقين و27% للأطفال الأصغر سنًا.
وعن أضرار الإكثار من الوجبات السريعة، تقول الدكتورة منى فريد قنصوة أستاذ طب الأطفال، إن أضرارها كثيرة على صحة الأطفال. كونها تحتوي على نسبة دهون وأملاح مرتفعة. بالإضافة إلى أنها لا تحتوي على البروتين الحقيقي والفيتامينات.
ولفتت إلى أن ذلك يمكن أن يحدث للأطفال اضطرابات ونزلات معوية شديدة، وأيضًا الإسهال وزيادة الكولسترول واليوريك أسيد، واضطرابات النمو. وتابعت أنه “في حال الإكثار من الوجبات السريعة، فإن الطفل يمكن ألا يكتسب وزنًا أو يصاب بسمنة ليس لها علاج. لأنه اعتاد على هذه الوجبات وأصبحت متعة بالنسبة له”.
وتقول دراسة بريطانية إن الأطفال يربطون الوجبات السريعة المضرة للصحة بالمتعة. وأن مشاهدة إعلانات التلفزيون لهذه الوجبات والأطعمة تشعرهم بالجوع.
وأظهرت الدراسة أن الأطفال الذين يتناولون الوجبات السريعة مرة في الأسبوع أو أكثر يعانون من تراكم الدهون على الكلى. كما تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب لديهم.
البحث عن بدائل
وفي هذا الإطار، تنصح الدكتورة منى أولياء الأمور بأن يعدوا وجبات منزلية للأطفال تكون شبيهة بطعم الوجبات السريعة. ولكنها ستكون أكثر صحية وقليلة الدهون والزيوت، كما يمكن عمل الوجبات بطريقة الشوي وليست القلي.
كما تنصح بضرورة ألا يجعل الآباء الوجبات السريعة جائزة أو حافزًا لأي طفل. وذلك بعد تأدية الواجبات الدراسية، أو الذهاب للتمرين، أو الحصول على درجات عالية بالامتحانات.
وتشير الدكتورة منى إلى مخاطر المشروبات الغازية التي تكون مرفقة دائمًا بالوجبات السريعة. وأنها خطر كبير وتمثل “طلقتين من مدفع واحد”، على حد قولها.
وفي بريطانيا، جرى وضع شروط تحذر عرض إعلانات الوجبات السريعة خلال عرض برامج الأطفال في التلفزيون؛ لأنهم يتأثرون بقوة بهذه الإعلانات، مما يؤدي إلى إلحاحهم على آبائهم، لشراء هذه الوجبات السريعة ويستسلم الآباء في النهاية.
لكن دينا حرب خبيرة التغذية العقلية تقول إن الطفل لا يمثل قوة شرائية لدى المعلنيين. ولكن دورهم يتمثل في الضغط على أولياء الأمور للشراء. وقالت إن المسوقين يقنعون الأم بأن اللبن مثلاً يحتوي على كالسيوم ويجب على الأطفال تناوله. ولكن كثرة شرب الألبان تسبب هشاشة بالعظام، وأن لبن الأم يحتوي فقط على 6% من الكالسيوم. وهذا يوضح أن جسم الإنسان لا يحتاج لهذا الكم من الكالسيوم.
لا معايير رقابية على إعلانات الأطعمة
وقالت دينا إن الأطفال يرثون طريقة الأكل من آبائهم تلقائيًا، لذلك ترى ضرورة توعية الآباء أولاً. غير أنها تشير إلى عدم وجود معايير رقابية على إعلانات الأطعمة في مصر.
كما تقول الدكتور منى فريد قنصوة إن تأثير الإعلانات خطيرة جدًا على الأطفال. وهي تشير في هذا السياق إلى أن الطفل يشاهد الطعام في الإعلان بشكل مبهج وفاتح للشهية. لذلك نصحت بتقنين إعلانات الوجبات السريعة.
ونصحت منظمة الصحة العالمية بضرورة توفير الحماية للأطفال من كثرة إعلانات الوجبات السريعة المنتشرة على تطبيقات المتاجر الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ومدونات الفيديو. وتحدثت في هذا الإطار عن عدم انتباه الآباء لحجم الإعلانات الهائل الذي يستهدف الأطفال.
إجراءات الحماية
وعن الإجراءات الواجب اتباعها، تضرب الطبيبة منى المثال بسنغافورة التي أوقفت بيع أي أطعمة تحتوي على دهون أو سكر بشكل كبير، أو المياه الغازية في كانتين المدرسة. ونتج عن هذه الخطوة نقص السكر عند الأطفال، وبالتالي نقص حالات البدانة.
كما تشير إلى ضرورة توعية الأم لعمل وجبات متوازنة للأطفال، حيث تكون صحية وفي نفس الوقت شهية وشكلها مقبول للأطفال. وتطالب أيضًا بنشر الثقافة الصحية للتقليل من سوء التغذية والبدانة وقلة النمو ونقص الفيتامينات والبروتين، وانتشار أمراض الكبد وغيرها من الأمراض.
وتنصح أيضًا بتعليم الأطفال تمارين اللياقة البدنية لتكون جزءًا أساسيًا من يومهم، باعتبار الرياضة والتغذية متلازمتان للحفاظ على صحة الطفل.
وتقول نورا أسامة، وهي أم لطفلين، إن الأسر تحتاج لمعلومات تمكنهم من اتخاذ إجراءات وقائية لحماية أطفالهم. وتشير إلى وجود أطعمة في المتاجر مغرية جدا للأطفال ولكن غير مدون عليها كمية السكر التي تحتويها.
وتضرب مثالاً بمشروب اللبن بالشكولاتة هو محبب للأطفال، لكن لا يوجد على أي عبوة من المشروب كمية السكر.
لذلك تطالب بإقرار تشريعات تلزم الجهات المصنعة بالإشارة لكمية السكر على المشروبات وأطعمة الأطفال. ونصحت بتشجيع النوادي الرياضية على وضع فواكه وسلطات وأكل صحي بالأكشاك بدلاً من الأطعمة الضارة.
وتقول إن الإجراءات الوقائية توفر كثيرًا للدولة لأن وجود هذه الأمراض هو ضغط على الأطباء والمستشفيات والمنظومة الطبية عامة في مصر.