قرر المستشار على مختار الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، وقاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”التمويل الأجنبي”، انتهاء التحقيقات الخاصة بـ 5 جمعيات وكيانات وصدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.

الجمعيات التي صدر بحقها الأمر لعدم كفاية الأدلة هي: المركز الإقليمي للأبحاث والاستشارات، والمكتب العربي للقانون، ومؤسسة عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني، و Appropriate Communication Techniques (ACT)، كما صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأن جمعية واحدة لعدم الأهمية وهي: مؤسسة المجلس العربي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان.

هذا القرار يعني إلغاء كل ما تعرضت له تلك الجمعيات في الفترة السابقة. من التحفظ على الأموال، والمنع من السفر، ورفع الأسماء من قوائم المنع من السفر أو ترقب الوصول.

وقال المستشار على مختار، في بيان: “استكمالاً للتحقيقات فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع في القضية رقم 173 لسنة 2011 والذائعة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي لعدد من منظمات وكيانات وجمعيات المجتمع المدني.فقد سبق أن أصدرنا بتاريخ 5 ديسمبر 2020 أمرًا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 6 منهم لعدم الجريمة وقبل 14 آخرين لعدم كفاية الأدلة. وتبعه أمرنا في 30 مارس 2021 بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 5 منهم لعدم الجريمة وقبل 15 آخرين لعدم كفاية الأدلة. ثم تلاه بتاريخ 6 مايو 2021 أمرنا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 15 منهم لعدم الجريمة وقبل 3 آخرين لعدم كفاية الأدلة”.

وأشار إلى أنه بصدور هذا القرار يكون عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي تم صدور أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها فيما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع، سواء كان الأمر صادرًا لعدم الجريمة أو لعدم كفاية الأدلة أو لعدم الأهمية 63 منظمة وجمعية وكياناً، كان قد عني بالاتهام فيها ما يربو على 160 شخصًا، وذلك منذ أن اضطلعنا بمهمة استكمال التحقيقات في هذه القضية.

انفراجة يبحث عنها الجميع

ويرى المحامي الحقوقي نجاد البرعي، أن هذا القرار ربما يمثل انفراجة دائمة يبحث عنها الجميع، والتي بدأت بإخلاء سبيل الحقوقي ومدير المبادرة المصرية للحقوق والحريات حسان بهجت، مشيرًا إلى أن هذا القرار قد يكون بداية لمزيد من القرارات المماثلة التي نسعى من خلالها لغلق ملفات مفتوحة. وعلى رأسها ملفي المجتمع المدني والحبس الاحتياطي.

ويفصل البرعي بين نوعين من جمعيات أو منظمات المجتمع المدني، الأولى هي التي تقدم أنشطة تعليمية وصحية وغيرها. والثانية التي تهتم بحقوق الإنسان، وتواجه الأزمة، التي يعتقد أنها في طريقها للزوال. وأكد أنه “لا يمكن التنبؤ بهذا الأمر بشكل واضح كما يردد دائمًا، ولكن هي مؤشرات نسعى ورائها ونتمنى حدوثها”.

في مارس الماضي، خرجت 20 منظمة من مارثون تلك القضية، وفي يونيو لحقت بها 17 منظمة أخرى. من بينها منظمة محمد علاء مبارك الخيرية، حفيد الرئيس الراحل الأسبق محمد حسني مبارك.

نية لغلق ملف القضية

رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، يرى أن الدولة لديها نية لغلق هذا الملف، مشيرًا إلى أنه كان يحاول دومًا التحدث عن ضرورة وجود آذان تسمع الأصوات، مع تأكيد على أن هناك عديد من الجمعيات ترحب بالإشهار والإجراءات اللازمة للعمل تعمل مظلة القانون.

ويرى السادات أن البداية من الممكن أن تكون من خلال توفيق أوضاع منظمات ومؤسسات المجتمع المدني. وذلك لأنه من حق الدولة متابعة تلك المؤسسات، والتأكد من أن أنشطتهم مشروعة، وليست ضد الدولة.

أما رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ناصر أمين، فيرى أنه يمكن الحديث عن الانفراجة عند إغلاق ملف القضية كاملاً، ولكن أيضًا “لا يمكننا إغفال الجوانب الإيجابية حتى إذا كانت هناك منظمات ممنوع أصحابها من السفر وأموالها مجمدة”.

وتابع أن الحديث عن حدوث تغيير سيكون من خلال إغلاق القضية بالكامل لكل المنظمات، وصدور قرار بألا وجه لإقامة الدعوى.

وشدد أمين على ضرورة أن تكون القرارت محصنة، قائلاً: “المركز العربي في 2021 حصل على قرار بغلق الملف لعدم كفاية الأدلة، لكن جرى فتحت الملف مرة أخرى في 2014 بزعم ظهور أدلة جديدة”.

ما هي قضية التمويل الأجنبي؟

في يوليو 2011، أمر مجلس الوزراء وزير العدل -آنذاك- بتشكيل لجنة تقصي حقائق، للنظر في التمويل الأجنبي الذي تحصل عليه منظمات المجتمع المدني. وتحديدًا لمعرفة ما إذا كانت تلك المنظمات مسجلة بموجب القانون 84. وقد تم استكمال التقرير في سبتمبر 2011.

وفي يونيو 2013، حكمت إحدى محاكم الجنايات بالقاهرة على 43 من العاملين المصريين والأجانب في بعض المنظمات الأجنبية بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و5 سنوات. وكانت معظم الأحكام غيابية. أما العاملين المصريين الذين ظلوا داخل البلاد فقد حصلوا على أحكام بالسجن لمدة عام واحد مع وقف التنفيذ. كما أمرت المحكمة بإغلاق المنظمات المعنية، وهي: المعهد الجمهوري الدولي – المعهد القومي الديمقراطي – فريدم هاوس – المركز الدولي للصحافة – مؤسسة كونراد أديناور.

أعيد فتح هذه القضية مرة أخرى في 2016، حيث أدرج عدد من المحامين الحقوقيين ضمن قوائم الممنوعين من السفر ومنعهم من التصرف في أموالهم، استنادًا إلى تحريات أمنية بأن نشاطهم يضر بالأمن الوطني.

قائمة ممنوعين من السفر

وشملت قائمة الممنوعين من السفر بتلك القضية أسماء بارزة مثل المحامية عزّة سليمان رئيس مجلس أمناء “مؤسسة قضايا المرأة المصرية”، وجمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وحسام بهجت مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومحمد زارع مدير مؤسسة القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهدى عبد الوهاب المديرة التنفيذية للمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة.

وتضمنت القائمة: مزن حسن المديرة التنفيذية لـنظرة للدراسات النسوية، ناصر أمين مؤسس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، رضا الدنبوقي المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وإسراء عبد الفتاح مديرة المعهد المصري الديمقراطي، وحسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير من المعهد المصري الديمقراطي.

وخلال القضية، كان يحق للقضاة، الاطلاع على الحسابات البنكية الخاصة بعدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، والحسابات الخاصة ببعض المنظمات. وسماع أقوال موظفي البنوك بشأن التحويلات الخاصة بالحسابات المعنية. واستدعاء بعض المسئولين الماليين ومديري البرامج بتلك المنظمات للتحقيق معهم بشأن نشاط وتمويل وإدارة منظماتهم. إذ تعتبرهم الدولة يعملون بشكل غير قانوني. وفي المقابل يرى أصحاب تلك الجمعيات أنهم يعملون بشكل قانوني.

لائحة جديدة

وفي نهاية عام 2016، قدمت لجنة التضامن الاجتماعي مشروع قانون معني بتنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر، ووافق عليه البرلمان في 29 نوفمبر 2016 بعد الأخذ بملاحظات مجلس الدولة.

وفي 24 مايو عام 2017، نشرت الجريدة الرسمية القانون الجديد رقم 70 لسنة 2017، بشأن تنظيم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي. بعد موافقة رئيس الجمهورية.

وصدرت اللائحة الخاصة بالقانون في ديسمبر الماضي، والتي تباينت حولها الآراء، واعتبرها بعض الحقوقيين بداية لتأسيس علاقة متوازنة بين المجتمع المدني والدولة، مع تفادي العوار القانوني.