في محاولة لمعالجة التحديات التي تواجهها عملية الانتقال الديموقراطي وتحت عنوان (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال-  الطريق إلى الأمام)، أطلق رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، مبادرة جديدة، لـ”تحصين” المسار الديمقراطي في البلاد، الذي أعقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

وبعد الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير، اتفقت قوى السودان وقادة الجيش على مرحلة انتقالية في السودان تبلغ 39 شهرا، تبدأ بتشكيل مجلس سيادة وتنتهي بحكومة منتخبة، لكن يبدو هذه العملية تواجه مصاعب كبرى.

مبادرة حمدوك جاءت في محاولة لعلاج الأزمات التي تعيشها السودان منذ الإطاحة بالبشير، حيث يواجه المسار الديمقراطي الذي اتفقت عليه القوى السياسية السودانية، تحديات كبيرة، كالتدهور الاقتصادي والانفلات الأمني، إلى جانب غياب العدالة والصراعات بين القوى السياسية نفسها، وبطء تنفيذ اتفاق السلام مع الحركات المسلحة.

واعترف حمدوك في المؤتمر الصحفي الذي عقده لإعلان مباردته، بتصاعد الخلافات بين شركاء المرحلة الانتقالية، وأن بلاده تشهد أزمة منذ استقلالها تمثل في غياب المشروع الوطني الذي يحظى بإجماع الكافة ويحقق رغبة السودانيين في حكم مدني ديمقراطي.

4 مسارات في مبادرة حمودك

4 مسارات تبنتها الميادرة، تمثلت في التسوية السياسية الشاملة، وقضايا العدالة والسلام والاقتصاد.

سعى حمدوك من خلال مبادرته لتوحيد الكتلة الانتقالية، والاتفاق على مهام الانتقال.

لم يعد خافيا على أحد الخلافات والصراعات داخل مكونات القوى السياسية، فحتى تجمع المهنيين السودانيين الذي لعب الدور الأهم في الإطاحة بالبشير  بات يواجه أيضا انقسامات.

وبحسب تصريحات صحفية لـ”وليد علي” المتحدث الرسمي باسم التجمع، فإن جوهر الخلاف يكمن في أن هناك تيارا يرى أن الثورة لم تحقق أهدافها بعد، ما يتطلب ضرورة حراستها عبر الشارع، فيما رأى التيار الآخر أنه يمكن تحقيق أهداف الثورة عبر الانخراط في العمل مع الجهاز الإداري للحكومة.

جيش واحد مهني

الجيش كان له نصيب من البند الخاص بالتسوية السياسية، حيث تضمنت المبادرة نصا: الشروع مباشرة عبر جدلول زمني، في الوصول إلى جيش واحد مهني بعقيدة عسكرية جديدة تعبر عن تنوع السودان الفريد.

وتعتبر معضلة توحيد الجيش السوداني من أبرز اهتمامات الشارع السوداني في الوقت الحالي، وعلى الرغم من تأكيد خالد عمر وزير شئون الرئاسة والناطق باسم الوفد الحكومي المشارك في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، بأن مسألة توحيد الجيش ودمج قوات الدعم السريع أمر محسوم ومتفق عليه..

إلا أن النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” قال إن قوات التدخل السريع التي يشرف عليها لن تدمج في الجيش، الأمر الذي لم تقابله كثير من الأوساط السودانية بالترحيب.

وكان “حميدتي” أعلن في وقت سابق تشكيل قوة مشتركة لحفظ الأمن في الخرطوم والمناطق السودانية الأخرى التي تشهد نزاعات، لمواجهة حالة الفلتان الأمني، وفقا لاتفاق جوبا، لكن الاتفاق نص فقط على مناطق النزاع فقط، مما يعني أن هناك غاية سياسة وراء الأمر، وفق مراقبين.

تضارب في السياسة الخارجية

تناولت المبادرة أيضا ما شهدته السياسية الخارجية السودانية من تضارب في المواقف وأكدت على ضرورة الاتفاق على سياسة خارجية واحدة.

وكان ملف سد النهضة أكبر شاهدا على التضارب في تصريحات المسؤولين السودانيين، ففي الوقت الذي تمسكت الخارجية السوادنية باتفاق قانوني ملزم شامل قبل بدء أديس أبابا في عملية الملء الثاني للسد خلال شهري يوليو وأغسطس المقبلين. خرج وزير الري السوداني قبل أيام ليعلن موافقته على اتفاق مرحلي يخص عملية الملء الثاني مع وعد باستكمال المفاوضات بعد انتهاء عملية الملء.

اتفاق السلام

كما تناول حمدوك في مبادرته، الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام، واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال الديمقراطي.

ويحاول حمدوك حماية الاتفاق من التفجير، بعد أن خرجت  5 من الحركات الدارفورية الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في جوبا في أكتوبر الماضي لتؤكد إن عدم تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية رغم مرور 7 أشهر على توقيع الاتفاق يهدد بنسف العملية السلمية ويعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد.

وحدد بند الترتيبات الأمنية المضمن في اتفاق السلام 39 شهرا لعملية الدمج والتسريح المتعلقة بمقاتلي الحركات المسلحة مع تشكيل قوات مشتركة من الجيش السوداني والشرطة والدعم السريع لحفظ الأمن في ولاية دارفور والمنطقتين تمثل فيها قوات الحركات المسلحة بنسب تصل إلى 30 في المئة، لكنه لم يتضمن تفاصيل واضحة عن أماكن التجميع ولم يحصر أعداد القوات التابعة لكل حركة قبل عملية التوقيع.

واتهمت حركات “تحرير السودان” و”العدل والمساواة” و “التحالف السوداني” و”تجمع قوى تحرير السودان” وحركة “تحرير السودان المجلس الانتقالي”، المكون العسكري في الحكومة الانتقالية بأنها غير جادة وغير راغبة في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية.

إلى ذلك أبلغ السودان، الأمم المتحدة الثلاثاء، عن سير الحكومة في تنفيذ الترتيبات الأمنية وتشكيل القوة المشتركة لحفظ السلام.

جاء ذلك خلال لقاء جمع عضو مجلس السيادة السوداني الدكتور الهادي إدريس بـ”فولكر بيرتس” رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية.

وأكد إدريس، في تصريحات صحفية، أن الحكومة الانتقالية بكل هياكلها تعمل بتناغم تام وفقا لرؤى وبرامج ثورة ديسمبر.

وأسند حميدتي مهمة تشكيل القوة إلى عضو مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن ياسر العطا.

ونص القرار على أن تشكل القوة المشتركة من الجيش وقوات الدعم السريع، والشرطة وجهاز المخابرات، بجانب ممثل للنائب العام وممثلين لأطراف العملية”.

وتختص القوة بالتنسيق مع الأجهزة العسكرية والأمنية المختصة (لجنة أمن الولاية أو الإقليم)، ومخاطبة وزارة العدل لإصدار التشريعات اللازمة لعمل القوة، لتوفير الغطاء القانوني لها، ومنع التجنيد غير القانوني واللوحات المرورية المخالفة.

الأزمة الاقتصادية

الأزمة الاقتصادية كان لها نصيب من المبادرة، واقترح حمدوك تشكيل لجنة من التنفيذين والعسكريين لمواجهة الأزمة، وجاء نص هذا البند: الموارد المنتجة محليا لا تكفي لحل الضائقة الاقتصادية، خاصة الذهب والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، وضرورة أن تتحكم الدولة في عائدات صادرتها، لذا وجب فرض الولاية على المال العام، وتشكيل لجنة من التنفيذيين والعسكريين ومراقبة  الجهاز التشريعي لضمان تحقيق المطلوب.

قضايا العدالة

وشكل إصلاح المنظومة الأمنية والعدلية عنصرا مهما في محاور مبادرة حمدوك، نظرا لأن الحكومة الانتقالية تواجه صعوبات بالغة وغضب شعبي عارم حيال أداء القضاء، خصوصا فيما يتعلق بسير التحقيقات في قضية فض الاعتصام عام 2019، التي راح ضحيتها العشرات..

وشملت المبادرة تعزيز جهود تفكيك بنية وفساد نظام الإخوان الذي حكم السودان تحت مظلة “المؤتمر الوطني” الذي كان يقوده البشير..

وقال حمدوك إنه شرع في إجراء لقاءات ومشاورات واسعة مع قيادات السلطة الانتقالية والقوى السياسية والمدنية وقوى “ثورة ديسمبر” التي أطاحت بالبشير، وذلك بخصوص تطوير مبادرات تهدف لتوحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل، وتحصين الانتقال الديمقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

ربما تبدو مبادرة حمدوك وضعت يدها على الأزمات التي تشهدها السودان، لكن أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة، حول قدرته ورغبة القوى السياسية في السودان لحل الأزمة، وحول المبادرة هل هي بالفعل محاولة للحل أم تسكين الوضع القابل للانفجار.