في أواخر 2012، قرر تنظيم القاعدة عزل الجزائري خالد أبو العباس، المشهور بـ”مختار بالمختار”، من رئاسة كتيبة “الملثمون” التابعة للتنظيم. وقتها انشق القيادي الجزائري بكتيبته، وقرر تأسيس جماعة جديدة سماها “الموقعون بالدماء”.

بالمختار والصعود إلى هرم القيادة

ولد بلمختار، في مدينة غرداية (600 كلم جنوب العاصمة الجزائرية) عام 1972، ورحل إلى أفغانستان قبل أن يكمل عامه العشرين. وهناك فقد صبره إثر انفجار لغم أرضي، عندما كان يقاتل القوات الروسية إلى جانب حركة طالبان.

برز اسم بلمختار مطلع التسعينيات عندما عاد من أفغانستان، مع تصاعد الصراع بين الإسلاميين والجيش الجزائري. وقتها كان بالمختار واحدًا من أشهر مزودي الجماعات الإسلامية بالسلاح، واشتهر كتاجر ومهرب سلاح من أفريقيا.

عاشت الجزائر مرحلة مواجهات عصيبة مع الإسلاميين في التسعينيات
عاشت الجزائر مرحلة مواجهات عصيبة مع الإسلاميين في التسعينيات

دوره في الصراع الجزائرين أهله للصعود إلى هرم القيادة بتنظيم القاعدة، حتى أصبح بنهاية القتال في الجزائر عام 2002 أميرًا لفرع التنظيم في الصحراء.

شارك بالمختار في عدة عمليات بين موريتانيا والجزائر والنيجر، أغلبها تتمثل في قتل وخطف مواطنيين غربيين. بعدها وضعته أجهزة مخابرات غربية على لائحة أخطر “الإرهابيين” في المغرب العربي.

مع ازدياد نفوذه داخل تنظيم القاعدة، دبت خلافات بينه وبين زعيم تنظيم القاعدة في دول المغرب الإسلامي عبد المالك درودكال. وقتها قرر الأخير عزل بالمختار عن رئاسة “كتيبة الملثمين”.

تقارير أمنية غربية ومهتمون بشأن الجماعات المتطرفة قالوا إن الخلاف تمثل في مستوى الدموية الذي سيطر على بالمختار. ووصفه البعض بـ”الرجل السفاح” شديد التهور والجنوح للقتل.

“الموقعون بالدماء”.. موغل في القتل

من هنا أسس بالمختار جماعته التي أطلق عليها اسما يتسق مع جنوحه للقتل فكانت “الموقعون بالدماء”. واتخذه الجماعة الوليدة في أواخر العام 2012 من مالي مقرًا لعملياتها، لكنها مزجت أهدافها الساعية لتطبيق الشريعة الإسلامية بأهداف أخرى تتمثل في مواجهة المعتدي الفرنسا. وذلك عندما بدأت فرنسا هجمات في شمال مالي.

مختار بالمختار خلال تسجيل مصور وهو يعلن تأسيس "الموقعون بالدماء"
مختار بالمختار خلال تسجيل مصور وهو يعلن تأسيس “الموقعون بالدماء”

وفي كلمة مصورة في 5 ديسمبر من العام نفسه، أعلن بالمختار عن أهداف التنظيم. حينهال قال إن تنظيمه المسلح يضم خيرة المهاجرين والمجاهدين الراغبين في تنفيذ تعاليم الشريعة الإسلامية على الوجه الأمثل.

وقتها صعّد بالمختار من لهجة وطينة، وأطلق بالمختار على مجموعته الجديدة لقب “الفدائيين”. وهو الوصف الذي جاء متسقًا مع أهدافه التي تمثلت وقتها في دعم أهل أزواد لـ”تطبيق الشريعة الإسلامية” ومواجهة الهجمات الفرنسية.

لذلك قال في كلمة التأسيس إن مجموعته لديها “ترابط وتآزر قوي في سبيل هدفهم السامي المتمثل في طرد المستعمر الفرنسي من أراضيهم”.

مقاومة الفرنسيين

بدأت الحركة عمليات عسكرية، وحاولت استقطاب شباب المغرب العربي؛ لـ”نصرة إخوانهم المسلمين في أزواد”، ضد التدخل الفرنسي في شمال مالي. صدّرت الحركة خطابًا يتمثل في مقاومة “الاعتداء الفرنسي”، لكن هجماتها لم تقتصر على الفرنسيين فقط. وطالت مصالح دول عربية قالت الحركة إنها تتآمر مع فرنسا لشن حرب في أزواد.

وشنت فرنسا غارات على معاقل لمسلحين في شمال مالي، في إطار هجوم بطلب من “باماكو”، حسبما أعلنت فرنسا في رسالتها إلى مجلس الأمن عام 2013.

وفي نهاية 2013، أقرت الأمم المتحدة لقوة عسكرية دولية بقيادة أفريقية الانتشار في مالي، وقالت إن هدفها “حماية المدنيين وحماية شمال البلاد من خطر المسلحين”.

الجيش الجزائري بعد عملية تحرير الرهائن
الجيش الجزائري بعد عملية تحرير الرهائن

استهدف التنظيم خلال يناير 2013 مصنع غاز في جنوب الجزائر، واحتجز 30 رهينة غربية من جنسيات مختلفة. ونتيجة تدخل فرنسا قتل المسلحون نحو 38 رهينة أثناء الاشتباك المسلح.

وبعد نحو 6 أشهر في يوليو 2013 قام “الموقعون بالدماء” بضرب ثكنة عسكرية في أغاديس ومنجم لليورانيوم في أرليت. تقوم شركة “أريفا” الفرنسية بتشغيله في الطاقة النووية.

نشأة “المرابطون”

تحالفت الحركة مع جماعة “التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا” لمدة عام ونصف العام. وفي منتصف 2014 اندمج الاثنان في تنظيم جديد أطلقوا عليه “المرابطون” قالوا إنه يسعى لتأسيس “دولة إسلامية”، وتوعد فرنسا و”حلفاءها” بالمنطقة.

آثار هجوم شنها تنظيم "المرابطون" على فندق في مالي
آثار هجوم شنها تنظيم “المرابطون” على فندق في مالي

نفذ التنظيم الجديد عمليات، الأولى في مارس 2015 بالهجوم على مطعم في باماكو عاصمة مالي. وفي نوفمبر 2015 استهدف فندق راديسون بلو في باماكو. ويناير 2017 استهدف تجمعًا للقوات المشتركة بين مالي والحركات الأزوادية.

لم ينقطع خطاب التنظيم القديم والجديد عن فكرة نهب فرنسا لخيرات مالي، واستمد مشروعية في شمال البلاد. بفعل التدخلات الفرنسية التي رآها الماليون استعمارها ونهبا لخيراتهم.

أين بالمختار؟

ترددت رويات خلال السنوات الماضية عن مصير بالمختار، فكثير من التقارير تحدثت عن مقتله في ليبيا. وقالت تقارير أخرى إن القيادي الجزائري قتل في تشاد.

وذكرت وسائل إعلام دولية أن بالمختار قتل في غارة فرنسية بمالي، لكن التنظيم يخرج في كل مرة  ليعلن أنه زعيمه لا يزال حيًا.

لكن واحدة من الإعلانات الرسمية جاءت على لسان الرئيس التشادي إدريس ديبي حين قال إن بلمختار قتل في مالي. كما نشرت “إذاعة فرنسا الدولية” على موقعها الإلكتروني صورة يبدو أنها لجثته.