انطلقت أعمال مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا، بمقر الخارجية الألمانية، وسط آمال كبيرة أن تنجح الجهود الدولية في إنهاء المرحلة الانتقالية بعد مرحلة طويلة من الفوضى والتنازع على السلطة.

لا يمكن تخيل نجاح هذه القمة بدون تحديد مواعيد واضحة لخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من الجمهورية، وهذه القضية محل الخلاف المستمر بين أطراف اللعبة في ليبيا، أو بدون اتفاق سياسي واضح على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحظى بتوافق الجميع في ديسمبر المقبل. صحيح أن البيان الختامي للمؤتمر احتوى على هذه المخرجات، لكن الالتزام بالمواعيد يبقى عاملا مهما في إنجاح الجهود الدولية.

حضر أعمال المؤتمر 20 دولة ومنظمة دولية منهم (مصر والصين وفرنسا وإيطاليا وروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية)، بالإضافة إلى ممثلين عن الأمم المتحدة، إلى جانب رئيس الحكومة الانتقالية الليبية عبدالحميد دبيبة. ويأتي المؤتمر لمراجعة نتائج المؤتمر الأول الذي عقد عام 2020 لبحث سبل الاستقرار في الداخل الليبي.

توصيات البيان الختامي لبرلين 2

المشاركون أكدوا حتمية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021 على النحو المتفق عليه في خارطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس في نوفمبر 2020، ويجب قبول نتائجها من قبل الجميع.

وذكر البيان الختامي أنه يجب اعتماد الترتيبات الدستورية والتشريعية اللازمة، وسحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير، وإصلاح قطاع الأمن ووضعه بقوة تحت إشراف وسلطة رقابة مدنية موحدة، إلى جانب ضمان التخصيص العادل والشفاف للموارد في جميع أنحاء البلاد.

كما أوصى بمعالجة انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وكذلك انتهاكات القانون الإنساني الدولي، والبدء في عملية مصالحة وطنية شاملة وقائمة على الحقوق وعدالة انتقالية. يجب أن يستمر الحوار الليبي الشامل.

نقاط خلافية

يلمح البعض إلى توطين المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا بدلا من مراكز الاحتجاز، إذ إن بعض التوصيات تشير إلى ضرورة إغلاق مراكز الاحتجاز الليبية للمهاجرين غير الشرعيين دون الإشارة والتأكيد على ضرورة إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما يعد تغيرا كبيرا تجاه قضية الهجرة غير الشرعية وتحويل ليبيا إلى مركز احتجاز كبير.

يلزم المشاركون الحكومة الوطنية الليبية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بضرورة العمل على تحسين الظروف المعيشية وتوفير الخدمات الإنسانية دون انتقاص أو تمييز، هذا إلى جانب عمل الحكومة على ضرورة العمل على تسريع خطوات إعمار ليبيا.

الدبيبة: ليبيا الموحدة خير صديق لكم

ومن جانبه، قال عبدالحميد الدبيبة، إن التزام المجتمع الدولي بتعهداته تجاه استقرار ليبيا يصب في مصلحته، قائلا: “ليبيا الموحدة خير صديق لكم”.

وطرح الدبيبة، في كلمته خلال المؤتمر، أربعة محاور أساسية من أجل عودة الاستقرار إلى ليبيا، يأتي على رأسها عودة الأمن والامان في الداخل الليبي، ومن ثم العمل على تمكين القانون بشكل واضح، وكذلك العمل على استكمال المشاريع المتوقفة على خلفية الأحداث التي جرت في ليبيا خلال الفترة الماضية، وأخيرا تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة.

وتطرق الدبيبة إلى ملف الليبين في الشتات قائلا: “يجب علينا ضرورة الإسراع في عودة النازحين والمهجرين، والسماح للجميع بالمشاركة في العملية الليبية”.

نتائح برلين 2 جاءت مطابقة للتوقعات التي سبقت انعقاد المؤتمر، هذا ما يراه الباحث في العلاقات الدولية، إذ أكدت المسودة النهائية على العديد من الأمور أهمها الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها وضرورة خروج المرتزقة وتثبيت وقف إطلاق النار ومحاربة الإرهاب وتوحيد المؤسسة العسكرية.

وأوضح حميدة، في تصريحات خاصة، أنه بالرغم من تأكيد المؤتمر على النقاط الأساسية اللازمة والضرورية لمعالجة الإشكاليات في الأزمة الليبية، إلا أن مسألة تطبيق هذه المخرجات تظل هي العقبة الأهم أمام استكمال المسار السياسي، خاصة في ظل التحفظ التركي على مسألة خروج جميع القوات الأجنبية، ومحاولتها الالتفاف على الأمر بالقول إن هناك قوات تعمل في إطار التدريب والتعاون.

أزمة سحب القوات الأجنبية.. “سيب وأنا سيب”

ولطالما شكل ملف التواجد الأجنبي والمرتزقة مادة سجال دسمة بين بعض الأطراف الليبية، إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت بعض الأطروحات الإيجابية.

كانت فرنسا اقترحت على الولايات المتحدة، خطة لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، تضمنت سحب المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا، يليه سحب المقاتلين المدعومين من روسيا والقوات التركية النظامية، وفق جدول زمني مدته ستة أشهر.

ويقدر مسؤولون أوروبيون عدد المرتزقة والقوات الأجنبية على الأراضي الليبية بأكثر من عشرين ألفا بينهم 13 ألف سوري.

ويرهن أردوعان انسحاب قواته وإيقاف ترحيل المرتزقة إلى ليبيا بانسحاب جميع القوات الأجنبية.

ليبيا تطرح مصالحة وطنية

في السياق ذاته، أعلنت نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية، طرح مبادرة للمصالحة الوطنية بين الفصائل المختلفة في الداخل الليبي ضمن الملفات المطروحة على طاولة مؤتمر “برلين 2”.

وقالت المنقوش، في بيان لها، إن المبادرة التي تنتوي الحكومة الانتقالية الليبية ترتكز في الأساس على بنود خارطة الطريق التي قررها ملتقى الحوار السياسي الليبي، لافتة إلى أن الهدف من وراء المبادرة هو تسريع عملية البحث عن سبل لاستقرار ليبيا.

وتابعت: “نستهدف من خلال المبادرة وضع برنامج زمني محدد وواضح من أجل تنفيذ قرارات مجلس الأمن وتوصيات مؤتمر برلين 2، وهي محاولة لتحقيق التوصيات والقرارات إلى واقع ملموس”.

نجلاء المنقوش

وفي هذا الصدد، يقول حميدة: “لا زلنا بانتظار ردود الفعل تجاهها أو دعمها من بعض الدول التي عرضت عليها خلال المؤتمر، وهو ما يعني أنها تحتاج للكثير من الوقت، في حين أن خروج المرتزقة يجب أن يتم دون مماطلة ومحاولات التفاف”.

أما  النقط المضيئة، بالنسبة لحميدة، تتمثل في الإجماع الكبير حول دعم الانتخابات وخروج المرتزقة، لكن قد يصبح كل ذلك مجرد حديث إعلامي إن لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقة بشأن فرض عقوبات على الأطراف المعرقلة والتي ترفض خروج المرتزقة، وتنفيذ القرارات الصادرة من مجلس الأمن 2570، و2571، بهذا الشأن.

وأشار حميدة إلى موقف تركيا التي تبحث بدورها عن صيغة رسمية وشرعية لبقاء قواتها قائلا: “تركيا تحاول إيجاد صيغة لبقاء قواتها الرسمية حتى وإن التزمت بخروج المرتزقة، إلا أنها يمكن أن تتحايل على الأمر ببقاء مرتزقة بأوراق ثبوتية تركية، وقد حاولت مع حلف الناتو أن يبقي على قواتها باعتبارها ممثلة له، إلا أن هذه المحاولات لن توافق عليها الأطراف الأخرى وخاصة الجيش الليبي”.

 

اقرأ أيضا:

ليبيا.. محاولة لتقليم أظافر أمراء الحرب وفرصة لتقوية أنياب الدولة

تراجع روسي

من ناحية أخرى، يتخوف المحلل السياسي الليبي عبدالحكيم معتوق من التمثيل الروسي الضعيف خلال مؤتمر برلين ٢، لافتا إلى أن ذلك يعني عدم موافقة الروس على أطروحات المؤتمر وبصفتها أحد اللاعبين الأساسيين في الداخل الليبي فهو يعني تعثر المفاوضات خاصة في الجزئية التي تتناول خروج القوات الأجنبية من ليبيا.

وسبق أن تهرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من الإجابة على سؤال موعد خروج القوات العسكرية التابعة لبلاده من الأراضي الليبة، ما يعزز من شكوك معتوق بشان عرقلة روسيا أهداف برلين2.

وأضاف المعتوق في تصريح خاص: “القوات التركية لن تخرج من ليبيا، فهي تجد في ليبيا ملاذ ونقطة قوة تضيف لها ثقل سياسي في المنطقة بشكل عام، وكذلك قوات المرتزقة بالتنسيق مع الأمريكان، فضلا عن تنصل الحكومة الروسية من تبعية قوات مرتزقة لهم في ليبيا، لا أعتقد أن شيئا جديد سوف يخرج به المؤتمر”.

وتابع: “المشهد مرتبك جدا في الداخل الليبي، وتحاول حكومة الدبيبة طرح مبادرات من أجل الوصول إلى مصالحة وطنية شاملة، إلا أن مبادرة لن يمكن تحقيقها الا بخروج المرتزقة من الأراضي الليبية، حتى لا تنتهي هذه الحكاية بحرب مفتوحة بين المرتزقة والقوات النظامية”.