مواجهات خطيرة تخوضها السودان وأثيوبيا على منطقة الفشقة الخصبة، التي تقول كلا البلدين إنها جزء من أراضيها. وخلال عامين انحرفت العلاقات السودانية الإثيوبية من التعاون البراجماتي إلى العداء المفتوح، هنا قصته ومآلاته وبعض من حلوله.
القتال الذي تشهده المنطقة الحدودية،دفع مجموعة الأزمات الدولية، لإصدار ورقة بحثية بعنوان “احتواء النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا”، تناولت فيها تاريخ الصراع، كما دعت وسطاء خارجيين للتدخل لنزع فتيل الأزمة.
بحسب الورقة البحثية، تصاعدت الأحداث في منتصف ديسمبر الماضي، بعد توغل قوات سودانية في الفشقة، وهي منطقة زراعية على الحدود مع إثيوبيا، وأودت الاشتباكات بين البلدين بحياة العشرات من المقاتلين والمدنيين.
المواجهة قد تتحول لحرب
حذرت الورقة البحثية من أن المواجهة قد تتحول إلى حرب لا يستطيع أي منهما تحملها، مؤكدة أن الحل في استعادة اتفاقية استخدام الأراضي المشتركة التي كانت سائدة مسبقًا.
ودعت الورقة لمنع نشوب حرب حدودية كارثية، الشركاء الخارجيين، خاصة الاتحاد الأفريقي والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لحث أديس أبابا والخرطوم على فتح قنوات فض النزاعات على الفور، ووقف المزيد من عمليات الانتشار العسكري. وتنظيم محادثات رفيعة المستوى للعودة إلى الترتيب الحدودي الهادئ السلمي الذي كان ساريًا قبل الأزمة الحالية.
وكانت الإمارات تبنت مبادرة بالفعل لحل هذا النزاع واستضافات ممثلين عن البلدين في أبو ظبي، لكن سرعان ما انتهت بالفشل بسبب الرغبة الإماراتية في استثمار هذه الأزمة لصالحها، والخروج به بمكاسب استثمارية تحقق بها احتياجاتها من الغذاء.
إقرأ أيضا:
بني شنقول بعيون الداخل.. واقع مغاير لرواية الحكومة الإثيوبية قبل الانتخابات المرتقبة
تاريخ النزاع
ذكرت الورقة أن الخرطوم وأديس أبابا خاضتا خلافات على مدى عقود حول 260 كيلومترًا مربعًا من حدود الفشقة. وتؤكد الخرط المنطقة، التي تمتد على الحدود الشرقية لولاية القضارف في السودان والحدود الغربية لمنطقتي أمهرة وتيجراي الإثيوبية، تنتمي رسميًا إلى السودان وفقًا لخرائط الحقبة الاستعمارية المرسومة منذ أكثر من قرن.
وفي عام 2007، اتفق الرئيس السوداني السابق عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق ميليس زيناوي، على صيغة تعاون يمكن من خلالها للمواطنين الإثيوبيين والسودانيين زراعة الأرض. مع اتفاق الجانبين على إجراء رسمي للترسيم في تاريخ لاحق غير محدد.
لكن التغييرات في القيادة والاضطرابات السياسية في كلا البلدين أدت إلى زيادة حدة الخصومات القديمة بين الجارتين وأعاد نزاع الفشقة.
خوف آبي أحمد
وتشير الورقة البحثية، إلى أن أديس أبابا تخشى أن تظهر بمظهر ضعيف أمام عرقية الأمهرة التي تقطن في الفشقة، خاصة أن آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي ينتمي لها، إضافة إلى تجنيد أديس أبابا قوات أمهرة في حملتها العسكرية ضد القيادة المخلوعة لإقليم تيجراي شمال أثيوبيا.
ولا تقتصر رغبة الخرطوم على اعتراف أثيوبيا بسيادة السودان على المنطقة ولكن أيضًا قبول ترسيم حدود فوري وتسوية متزامنة لجميع الخلافات الرئيسية بين أديس أبابا والخرطوم، بما في ذلك سد النهضة.
وفي أوائل أبريل الماضي، طالبت الخرطوم بسحب القوات الإثيوبية من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أبيي، على الحدود السودانية مع جنوب السودان.
الضغط السوداني المتزايد على أديس أبابا قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية في إثيوبيا. حيث أدت جهود آبي أحمد لمركزية السلطة إلى تنشيط المعارضة بين القوميين العرقيين من مختلف أنحاء البلاد.
الضغط السوداني
وترى الورقة أن الضغط السوداني المتزايد على أديس أبابا قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية في إثيوبيا. حيث أدت جهود آبي أحمد لمركزية السلطة إلى تنشيط المعارضة بين القوميين العرقيين من مختلف أنحاء البلاد.
وأكدت الورقة البحثية الحادة إلى خطوات عاجلة لمنع المزيد من الاشتباكات في الفشقة. خوفا من أن يؤدي أي تصعيد إلى إشعال صراع أوسع، تدعم فيه مصر السودا، وتنحاز إريتريا لإثيوبيا.
ودعت الورقة الاتحاد الأفريقي والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة على تشجيع كلا الجانبين على إنشاء قناة للحوار العسكري من أجل تجنب الاشتباكات العرضية التي قد تؤدي إلى اندلاع حريق أوسع.
كما أكدت على ضرورة تسهيل المحادثات بين القادة المدنيين والعسكريين الإثيوبيين والسودانيين وتشجيع كلا الطرفين على التوقف عن إرسال القوات إلى الفشقة.
خطوات ناعمة
وبحسب مجموعة الأزمات الدولية، تبنت إثيوبيا والسودان مواقف متشددة على نحو متزايد، ما أدى إلى تعقيد جهود الوساطة، و يواصل الطرفان إصدار تصريحات شديدة اللهجة حول الفشقة تؤجج التوترات الثنائية وتضيق مساحة المناورة.
وفي الوقت التي تؤكد فيه وزارة الخارجية الإثيوبية أن المفاوضات غير واردة إلى أن تسحب الخرطوم قواتها من الفشقة. يصف السودان النزاع الحدودي بأنه مقاومة شرعية للتطرف الإثيوبي والأمهري. رغم أن السودان قال إنه سيسمح لبعض المزارعين الإثيوبيين بالعودة بمجرد اعتراف أديس أبابا بسيادة السودان على المنطقة.
ولفتت الورقة إلى فشل الجهود الأجنبية للتوسط في التوصل إلى تسوية. وعدم تمكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) من تحقيق انفراجة في أواخر ديسمبر الماضي. عندما التقى رئيسا وزراء البلدين عبدالله حمدوك وآبي أحمد في جيبوتي لمناقشة ترسيم الحدود.
وكلف الاتحاد الأفريقي، في فبراير الماضي، الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن بقيادة جهود خفض التصعيد. وعرضت روسيا والسعودية وتركيا والإمارات وكذلك إريتريا وجنوب السودان، الوساطة، لكن الجهود الإماراتية فقط هي التي جلبت الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
وشهدت تلك المحادثات لقاء مسؤولين سودانيين وإثيوبيين في أبريل الماضي في أبو ظبي، لكن الخرطوم اعترضت على توقيع مسودة اتفاقية قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة لأنها خصصت ربع أراضي الفشقة للمزارعين الإثيوبيين.
طاولة المفاوضات
إذا تمكنت الأطراف من العودة إلى طاولة المفاوضات، فيمكنهم التفكير في اتخاذ خطوات لبناء الثقة التي من شأنها أن تساعد في خفض الحجم ووضع الأساس للمناقشات حول الحلول طويلة الأجل.
يمكن أن تشمل هذه الخطوات نزع السلاح من الحدود تحت إشراف الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وإعادة فتح المعابر والطرق التجارية، وإعادة تنشيط اللجان الحدودية الثنائية.
في المستقبل، يمكن أن يساهم تطوير المشاريع التجارية المشتركة المدعومة من الخليج في ربط الثروات السودانية والإثيوبية في الفشقة لمنع حدوث تصعيد عرضي، يمكن للأطراف الخارجية إنشاء خط ساخن في حالة وقوع حادث يربط على الفور كبار القادة العسكريين أو جهات التنسيق الملزمة ببروتوكول منع النزاع.
قد تكون القيادة الأمريكية في أفريقيا، التي تتمتع بعلاقات قوية مع كل من أديس أبابا والخرطوم، في وضع جيد للمساعدة في إنشاء مثل هذا الخط الساخن.
وقد استخدمت آليات مماثلة لتجنب الصراع في السنوات الأخيرة من قبل الجيوش الإسرائيلية والروسية والأمريكية في سوريا والهند والصين.
ملف سد النهضة الأثيوبي كان حاضرا في الورقة البحثية. وأكدت مجموعة الأزمات ضرورة متابعة أديس أبابا والقاهرة والخرطوم حل المشكلة الإقليمية الأوسع المتعلقة بالسد. خاصة أن إثيوبيا تخطط للمضي قدمًا في عملية ملء ثانية في يوليو المقبل، و أن تحرك السودان في الفشقة جعل أديس أبابا أقل ميلًا لتلبية مطالب دول المصب.
وتابعت الورقة: من الضروري اتباع نهج عملي وتدريجي لبناء الثقة بدلاً من الاستمرار في المطالبة بتأجيل الملء لحين التوصل إلى اتفاق قانوني شامل مع إثيوبيا. ويجب على السودان ومصر وضع بروتوكولات لمشاركة البيانات والتحقق منها. فضلاً عن الإجراءات المتفق عليها للإخطار المسبق بخطة الملء الدقيقة لإثيوبيا.
كما دعت الورقة ديس أبابا لأن تسمح بزيادة مشاركة طرف ثالث للمساعدة في التوصل إلى اتفاق.
في أقل من عامين، انحرفت العلاقات السودانية الإثيوبية من التعاون البراجماتي إلى العداء المفتوح. وسط التحولات الهشة في كلا البلدين و المفاوضات الشاقة حول السد الإثيوبي العملاق. حيث تنظر الخرطوم إلى صراع تيجراي على أنه فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية، بما في ذلك اتفاقية مواتية لسد النهضة.
الفشقة.. عداء مفتوح
في أقل من عامين، انحرفت العلاقات السودانية الإثيوبية من التعاون البراجماتي إلى العداء المفتوح. وسط التحولات الهشة في كلا البلدين و المفاوضات الشاقة حول السد الإثيوبي العملاق. حيث تنظر الخرطوم إلى صراع تيجراي على أنه فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية، بما في ذلك اتفاقية مواتية لسد النهضة.
على الجانب الآخر في أديس أبابا، ساهمت محاولة آبي أحمد لترسيخ سلطته وسط توترات سياسية شرسة في الصراع الداخلي وتفاقم الفتنة، لا سيما في تيجراي إلى تعقيد الجهود المبذولة لحل الأزمة.
واختتمت المجموعة الدولية، ورقتها البحثية بالتأكيد على ضرورة تهدئة التوترات والتوصل إلى تسوية.