قال موقع “إثيوبيا إنسايت” إن الحكومة الإثيوبية نجحت في السيطرة على “سرد القصة” كواحدة من ملامح الحرب في تيجراي. فالهجوم على الإقليم رافقته منذ البداية حملة تعتيم في الإعلام والاتصالات. كما استغل آبي أحمد رئيس الوزراء الإعلام العام المملوك للدولة، والدبلوماسيين في مهمات عبر العالم، لشن حملة منهجية مدروسة للتحكم في تدفق المعلومات عن إثيوبيا, وتشويه سمعة أي مصدر غير متوافق مع رواية أديس أبابا.
هذه الجهود المزدوجة لم تعق مكافحي مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان فقط، إذ أعاقت بشكل مباشر الجهود المبذولة في الأزمات الإنسانية في الإقليم أيضًا.
تعتيم الاتصالات
هناك عبارة تتردد دائمًا في التقارير التي تتحدث عن إقليم تيجراي: “لا نستطيع التحقق باستقلالية نتيجة لانقطاع الاتصالات، أو حظر الوصول إلى المنطقة”. يأتي هذا مع انقطاع شبة كامل للإنترنت ومحدودية خدمات التليفون الأرضي في بعض المدن.
اتبعت الحكومة وسائل متعددة لمنع وصول المراسلين الأجانب إلى تيجراي بما فيها السجن والترهيب وصلت لحد الإيذاء البدني. ففي يناير لقي الصحفي داويت كيبيد مصرعه بطلق ناري وقال أقاربه وزملاؤه إن الهجوم شنته القوات الإثيوبية.
ورغم وعد الحكومة الظاهري بالسماح لوسائل الإعلام بإرسال صحفييها للإقليم، إلا أن أديس أبابا مستمرة في ترهيبهم وعزلهم حتى لا يصلوا للحقيقة هناك.
ووفق أرنود فروجير، رئيس مكتب أفريقيا لمراسلون بلا حدود، طردت الحكومة مراسل “نيويورك تايمز” الأمريكية سيمون ماركس بعد تغطية أخبار الإقليم. إذ يمثل هذا منحنى جديد خطير في مضايقة الصحفيين في إثيوبيا.
إثيوبيا.. التحكم والسيطرة
أكثر ما يثير الدهشة أن حكومة أديس أبابا لديها القدرة على التأثير في تقارير بعض المراسلين والصحفيين الدوليين. وهو ما حدث في أحدث تقرير لبرنامج “bombshell whistleblower”. الذي اعتمد على تحليلات وشهادات حفزت الحملة العسكرية في الإقليم وشجعتها.
استراتيجية تعتيم المعلومات
ويمكن تعقب حملة التعتيم الإعلامي في تيجراي، بالرجوع إلى الإطار الأولي الذي سعت الحكومة لتقديمه. عندما أخذت تؤكد أكثر من مرة أن المعركة في تجيراي عبارة عن “عملية لإنفاذ القانون”.
والقصة الحكومية الإثيوبية قامت على مزاعم يمكن تلخيصها في نقطتين فقط. الأولى أنه حدث هجوم “قاسي” على القيادة الشمالية للجيش الإثيوبي. أما النقطة الثانية كانت محاولة إخفاء القوات الإريترية بالادعاء أن قوات جبهة التحرير الشعبية لتيجراي ترتدي الزي الخاص بالقوات الإريترية.
لكن من ناحية أخرى، ليست هناك دلائل واضحة تدعم القصة الأولى. لكن ما لا يقبل الشك أن الرواية كانت رد فعل لتأطير الحرب بحسب مراقبين مستقلين.
أما الادعاء الثاني كشف حينما اعترفت الحكومة الإثيوبية والإريترية بتورط قوات الأخيرة أواخر مارس الماضي في أعمال داخل الإقليم مرتدية الزي الإثيوبي.
البحث عن الحقيقة
المرحلة الثانية من حملة التعتيم الإعلامي للحكومة الإثيوبية بدأت حينما طالب آبي أحمد في 28 نوفمبر 2020، بـ”إنهاء المهمة”. بعدها نظمت الحكومة حملات دبلوماسية فعلية وإلكترونية للتغطية على التقارير الأجنبية بشأن الحرب الوحشية والفظائع التي ترتكب في الإقليم البعيد.
البعثات الدبلوماسية ولي ذراع الحقيقة
كانت البعثات الدبلوماسية الإثيوبية في طليعة حملة التعتيم على الفظائع التي ترتكب في الإقليم. على سبيل المثال غرّد السفير الإثيوبي لدي الولايات المتحدة على صفحته بتويتر متهمًا أحد المقبوض عليهم بارتكاب فظائع إنسانية في تيجراي بأنه ممثل تابع لمنظمة العفو الدولية.
كما اتهم السفير الإثيوبي لدى الاتحاد الأوروبي، وزيرة الخارجية الفنلندية بيكا هافيستو بأنها ارتكبت تقييمًا خاطئًا للموقف في تيجراي.
إثيوبيا والتعاطف مع الشيطان
بالإضافة إلى ما ذكر من حبس وتعذيب الصحفيين، ألغت الحكومة تصاريح العديد من المحللين ونشطاء حقوق الإنسان. بعد أن تلقوا تهديدات بالقتل في أحيانٍ كثيرة. كذلك حدث مع التيجرانيين أنفسهم الذين رفضوا القصة الرسمية بالإضافة إلى حكومات أجنبية ومنظمات دولية. كما اتهمت الحكومة الإثيوبية المتعاطفين مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بتلقي رشاوى. حتى بطريرك الكنيسة الإثيوبية نفسه لم يسلم من هذه الاتهامات عندما تحدث عن الفظائع في تيجراي.
“كفوا أيديكم عن إثيوبيا”!!
في وعي منها بأهمية السرد في الإعلام العالمي قدمت الحكومة الإثيوبية خطابًا قوميًا متصاعدًا تحت عنوان “كفوا آيديكم عن إثيوبيا”. وصممت الحملة تحديدًا لإثارة الغضب بين المواطنين تحت مسمى “التدخل الغربي”. كما لعبت على الأساطير الوطنية المناهضة للاستعمار القديم، ونظرية المؤامرة لضرب المشروع القومي “سد النهضة”.
وينذر هذا المسار بمزيد من الجهود الحكومية لإسكات التيجرانيين. إذ كان أحد هذه المؤشرات هو الإبلاغ عن اختطاف ما لايقل عن 500 شاب تيجراني من داخل معسكرات النازحين. بينما سخر منهم الجنود النظاميين: “أرونا ماذا ستفعل لكم أمريكا؟!”.
قدرة الحكومة الإثيوبية على الإفلات من العقوبة شجعت مؤلفي روايتها على المزيد من الانتهاكات الإنسانية. حيث ارتكبوا مزيدًا من المجازر والاغتصاب الجماعي. بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية بما فيها المدارس والمستشفيات.
ترجمة- وفاء عشري