أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 ديسمبر عام 1997، يوم 26 يونيو من كل عام، يوماً دولياً لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيقاً لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

اتفاقية مناهضة التعذيب، عرفت التعذيب بأنه آي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا. يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص آخر، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه. هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أى شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية   أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

عوار قانوني

ينص القانون المصري في المادة 52 من دستور 2014 على أن: التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم.

وتنص المادة (126) من قانون العقوبات على أن: كل موظف أو مستخدم عمومي أمر بتعذيب متهم أو فعل ذلك بنفسه لحمله على الاعتراف يعاقب بالسجن المشدد من ثلاث سنوات إلى عشر. وإذا مات المجنى عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمداً.

كما نصت المادة 129 على أن كل موظف أو مستخدم عمومي وكل شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة اعتمادا على وظيفته بحيث أنه أخل بشرفهم أو أحدث ألم بأبدانهم يعاقب علية بالحبس لمدة لا تزيد على سنة أو غرامة لا تزيد على مائتي جنية مصر.

وبين القوانين الثلاث تكمن الفجوة التي يعيب عليها مؤسسات المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتعديل تعريف التعذيب في قانون العقوبات لكي يكون متسقًا مع التعريفات المعاصرة والتزامات مصر الدستورية والقانونية الدولية من أجل وقف هذه الممارسات.

وحتى لا تصبح أقصى عقوبة يحصل عليها موظف عمومي قام بضرب وتعذيب مواطن بشكل موثق ومثبت هي ثلاث سنوات. وهي عقوبة أخف بكثير من عقوبات قضت بها المحاكم في جرائم لم تتسبب في وفاة مواطن أو في ضرر مادي مثل مخالفات التظاهر.

محمد زارع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، قال إن القانون المصري قاصر في تعريف التعذيب، من الأساس.

القانون قصر التعذيب على حالات انتزاع الاعتراف من المتهمين. حيث يستثني أنماطًا متكررة من العنف الشرطي داخل أماكن الاحتجاز وخارجها بحجة عدم توافر قصد الحصول على اعتراف

وبحسب زارع، فإن القانون قصر التعذيب على حالات انتزاع الاعتراف من المتهمين. حيث يستثني أنماطًا متكررة من العنف الشرطي داخل أماكن الاحتجاز وخارجها بحجة عدم توافر قصد الحصول على اعتراف. كذلك ربطه بالمتهم فقط في حين أن تلك الانتهاكات تطال أحيانا أهل المتهم، وأن كل محاولات تعديل القانون قد باءت بالفشل.

مشروع قانون

وكان المحامي الحقوقي نجاد البرعي تقدم للحكومة والبرلمان بمشروع قانون لمناهضة التعذيب عام 2015. ذلك القانون الذي تعرض على اثره للتحقيق أمام جهات قضائية لمدة عام كامل.

كما أحيل كلا من المستشار هشام رؤوف، والمستشار عاصم عبد الجبار، للتأديب والصلاحية، بعد مشاركتهما في إعداد القانون، واعتبر قاضي التحقيقات حينها، المشاركة في إعداد المشروع انشغال بالعمل السياسي.

وقام المشروع المقترح على نقطتين أساسيتين أولهما جعل مأمور السجن هو المسؤول عن أي حالة تعذيب يتعرض لها المحتجزين. في ظل جهل بعض الضحايا بهوية الجناة، فضلا عن وضع تعويض مادي للمجني عليهم يصل إلى 250 ألف جنيه.

وبعد سنوات من هذا الاقتراح. يرى البرعي أننا في ظل الوضع الحالي لم نعد بحاجة إلى وضع قوانين جديدة بقدر ما نحتاج إلى تطبيق القائم منها، وأن تعديل النصوص لا يضمن باي حال من الأحوال القضاء على ظاهرة التعذيب.

البرعي أكد في الوقت نفسه أن الإدعاء بانها مجرد حالات فردية، لا يعفي المسؤولين عن تلك الممارسات من الحساب.

أحكام في قضايا تعذيب

رغم القصور الذي يعاني منه القانون، إلا أن هناك حالات نجح فيها القانون في محاسبة ممارسي التعذيب، في وقت ترى المنظمات الحقوقية أن العقوبات جاءت أقل من المتوقع وغير رادعة، وكان أشهرها الحكم على تسعة شرطيين بالسجن ثلاث سنوات لتعذيبهم بائع سمك حتى الموت في واقعة تعود للعام 2016 والمعروفة إعلاميا بقضية “مجدي ماكين”.

لم تكن قضية ماكين هي الوحيدة التي شهدت فيها مصر صدور أحكام على متهمين بالتعذيب. ففي كان القضية المعروفة إعلاميا بقضية عماد الكبير التي تعود وقائعها لعام 2006 شهدت هي الأخرى صدور حكم بحبس ضابط لمدة 3 سنوات.

وتمثل قضية عماد الكبير أحد أشهر القضايا التي شغلت الرأي العام المصري. حيث صد الحكم في عام 2007 على عدد المتهمين بالسجن 3 سنوات. بعد إدانتهم بهتك العرض والتعدى بالضرب واحتجاز سائق الميكروباص عماد الكبير بدون وجه حق بداخل قسم الشرطة وتعذيبه وتصويره فى مشاهد مخلة وتوزيع اسطوانات “سى دى” تصور هذه المشاهد بين معارفه في موقف السيارات.

 الأمن القومي

يصطدم الحقوقيون كثيرا بمقولة أن الالتزام بمبادىء حقوق الإنسسان قد يخل بضرورات استراتيجية الحفاظ على الأمن القومي.

وهي النظرية التي اعترفت بخطأها دول بحجم الولايات المتحدة الامريكية. فمثلا في عام 2004، ظهرت تقارير تفيد بأن الجنود الأميركيين عذبوا وأذلوا المساجين بسجن «أبو غريب». الذي يقع على بعد 20 ميلا غرب بغداد ويأوي 3800 محتجزا. بالإضافة إلى المزاعم المتعلقة بعمليات تعذيب المحتجزين في مركز الاحتجاز الأميركي بغوانتانامو بكوبا.

قضية التعذيب في سجن أبوغريب العراقي
قضية التعذيب في سجن أبوغريب العراقي

ووفق برقيات وزارة الخارجية التي سربتها «ويكيليكس»، اجتمع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين في عام 2006 لمناقشة كيفية كبح جماح تدفق المقاتلين الأجانب على العراق. وكان الاستنتاج الذي توصلوا له، أن سوء معاملة المحتجزين في «أبو غريب» وغوانتانامو كانا «أكثر العوامل المحفزة» في إقناع الجهاديين الأجانب على المشاركة في الحرب.

وتوصل السيناتور الأميركي، جون ماكين، إلى استنتاج مشابه في 2008 عندما سأل أحد زعماء «القاعدة» المعتقلين عما مكن الجماعة من وضع قدمها في العراق. ووفقا للبرقية الأميركية، فإن السجين أجاب: العنف الذي أعقب الغزو في البداية، وأداة التجنيد العظيمة أبو غريب.

ماجدة عدلي مديرة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، إن  الاتهامات تتكرر للمجتمع المدني بالاساءة إلى سمعة مصر. والحقيقة أن الاساءة للدولة الحقيقية هي التعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان.

صدمة خارقة للعادة

الطبيبة النفسيةعايدة سيف الدولة إحدى مؤسسات مركز النديم تتحدث عن التعذيب في تصنيف الصدمات. وتقول: التعذيب صدمة خارقة للعادة مثلها مثل الاغتصاب والزلازل والبراكين. مع فارق إن التعذيب وغيره من الجرائم الماسة بالجسد يكون بفعل إنسان يملك سلطة ما، محصنا من المحاسبة والعقاب بالعادة على حد قولها

وتضيف: التعذيب جريمة غير متجانسة فهي لا تقع بين طرفين في شجار عنيف. ولكن أحدهما يكن مكبلا مجردا من الحرية، مجردا من الحقوق. ولايملك القدرة على المقاومة. في مقابل طرف معتدي متحكما في الوضع، مختبئا في مكان لا يمكن الوصول إليه إلا بإذن رؤسائه.

أما مديرة المركز الطبيبة ماجدة عدلي، فتلفت إلى أن التعذيب ممارسة تجرمها الدساتير والقوانين جميعا سواء المحلية أو الدولية.

سيف الدولة أوضحت أن أحداث الألم والشعور بالمهانة، وبث الرعب في الضحايا أحد أهم أهداف التعذيب.

الأثر النفسي وتأهيل الضحايا

بحسب عدلي فإن تلك الممارسات لا تعد مجرد اساءة معاملة، بل ترقى إلى التعذيب وربما تتجاوز التعريفات الدولية نفسها، إلى القتل العمد. لافتة إلى ضرورة تأهيل هؤلاء الضحايا، والتضامن معهم عبر المختصين، فضلا عن الأسرة، والأصدقاء، لتمكينهم من العودة إلى الحياة الطبيعية.

تسجل في ذاكرته وجود ذلك الوحش القادر في أي وقت من الأوقات أن يسلبه الحق في الحرية. وهو عادة ما يسعى من أجله ممارس التعذيب لتصبح الذاكرة الحية بمثابة رادع، تخلف الضحايا في حالة خوف مستمر.

بدورها تقر عايدة سيف الدولة بأن الناجي من التعذيب يعيش مع آثار تلك الصدمة لفترات طويلة وقد لا ينساها أبدا حتى لو تعافى من بعض آثارها. إذ إنها تسجل في ذاكرته وجود ذلك الوحش القادر في أي وقت من الأوقات أن يسلبه الحق في الحرية. وهو عادة ما يسعى من أجله ممارس التعذيب لتصبح الذاكرة الحية بمثابة رادع، تخلف الضحايا في حالة خوف مستمر.

واختمت: التعذيب يهدف الى كسر البشر وكل كلمة تخرج من أفواه أو أقلام الناجين من التعذيب هو إعلان بهزيمة مشروع التعذيب.

يقوم مركز النديم منذ عام 1993 بتأهيل ضحايا العنف والتعذيب.

وتواجه المؤسسات الحقوقية تضييقا أمنيا  بسبب الدور الذي تلعبه في مناهضة التعذيب.

وتعد القضية الشهيرة التي تحمل رقم  173، والمعروفة إعلاميا بقضية “التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني” التي يترتب عليها منع حقوقيين من السفر، والتحفظ على أموال المؤسسات، إلى جانب محاولات احتجاز البعض، والتحقيق مع آخرين.