تكمن أهمية تتبع مسار حركة “سيليكا” المسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى في كونها أحد طرفي نموذج مثالي للصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في القارة السمراء. الصراع الذي شهدته البلاد كان الأكثر دموية بعد الاستقلال عن السيطرة الفرنسية.

النشأة والأيديولوجيا

تأسست جماعة “سيليكا” من 5 مجموعات متمردة ضد حكم الرئيس المسيحي “فرانسوا بوزيزي” في مارس عام 2013. قبل أن تتمكن من انتزاع الحكم لصالح رئيسها “ميشال دجوكوديا” ويقدر عدد أعضائها بنحو 75 ألف مقاتل.

الجماعة التي ينتمي أغلب أفرادها للإسلام، أزاحت “فرانسوا” عن الحكم بعد معارك دامية. كما تمكنت من تصعيد أول رئيس مسلم للبلاد “دجوكوديا” بعد سقوط آلاف المدنيين.

وتتمثل أيديولوجية “سيليكا” في تطبيق الشريعة الإسلامية وتذليل كل العقبات التي تقف في طريق ذلك. كذلك دخلت الحركة في عداء واضح مع كل ما هو مغاير لعقيدتها كما اعتبرت دماء المسيحيين مباحة.

الجماعة قالت إنها تأسست فقط كـ”رد فعل” على العنف والاضطهاد ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى من قبل الرئيس “بوزيزيه” وأعوانه. كذلك قالت إنها تسعى لوقف الفساد وتسليم خيرات البلاد للفرنسيين. لكن الجماعة سرعان ما طبقت نفس ممارسات الاحتلال السابق على الأبرياء من المدنيين.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثقت جرائم “سيليكا”. كذلك أكد مدير قسم أفريقيا دانييل بيكيلي، أن الجماعة المسلحة خدعت المواطنين واستخدمت الأطفال في أعمال العنف. وقال: “سيليكا وعدت ببداية جديدة لشعب أفريقيا الوسطى. لكنهم بدلًا من ذلك هاجموا المدنيين ونهبوا وقتلوا. والأسوأ من ذلك هو أنهم جندوا أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا لتنفيذ جزء من هذه المذابح”.

جماعة سيليكا

الوصول للحكم والتنازل عنه

الجماعة تأسست سنة 2012، واستولت على السلطة في 24 مارس 2013. بعدها تولى زعيمها دجوكوديا الرئاسة كأول رئيس مسلم للبلاد. قبل أن يستقيل بعد اندلاع أعمال العنف التي استمرت عشرة أشهر متواصلة.

انتهت الحرب باستقالة أول رئيس مسلم وتركه لمنصبه لعدم قدرته على احتواء أعمال العنف التي تأججت خلال الأشهر العشر الذي حكم فيها. كما اتهم فرنسا بإشعال نيران الصراع ودعم “بوزيزيه”.

جماعة “سيليكا” وبعد وصولها للحكم مارست أقسى أشكال العنف واتجهت إلى عمليات القتل الجماعية والحرق والاغتصاب.

وفي المواجهة تشكلت جماعة “أنتي بالاكا” المسيحية للرد على “سيليكا” بنفس الأسلوب تقريبًا. ما أدى لنزوح آلاف الأسر عن المنطقة محاولين الفرار بأرواحهم من أعمال العنف والقتل والحرق. تلك الأعمال التي سيطرت على البلاد خلال عامي 2013 لـ2014 وهي ذروة الصراع المتبادل هناك.

بعدها تدخلت فرنسا وقوات الجيش النظامي للحد من أعمال العنف وتولت رئاسة البلاد خلفًا لـ “دجوكوديا”، كاثرين سامبا بانزا. كذلك أكدت أنها ستعمل على إنهاء حالة الصراع التي سيطرت على البلاد بيد الجماعات المتمردة الباحثة عن السيطرة والنفوذ.

تورط بوزيزيه في تكوين تمرد “أنتي بالاكا” لمواجهة “سيليكا”

مع بدء تشكيل جماعة “سيليكا” شعر الرئيس المسيحي “فرانسوا بوزيزي” بخطر على وجوده واتجه نحو تدعيم ومساعدة جماعة “أني بالاكا”. تلك التي استهدفت القضاء على المسلمين. ما كان له كبير الأثر في الفوضى التي حلت البلاد بعد اعتلاء أول رئيس مسلم لصدة الحكم.

واعتبرت الجماعة المسيحية أن “سيليكا” مجموعة من الدخلاء العرب والمهاجرين يحاولون الاستحواذ على خيرات البلاد والسيطرة عليها. وجعلها منطقة نفوذ لهم ووجب التخلص منهم وساهم دعم رئيس البلاد لهم في قوتها منذ البداية. حتى أجبرت الرئيس المسلم على ترك منصبه.

“سيليكا” عصابة تبحث عن الحكم لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية

رئيس الجالية الإسلامية في أفريقيا الوسطى، إمام عمر كوباين لاياما، قال إن ما تقوم به “سيليكا” من أعمال عنف ضد المسيحيين ليس من الاسلام في شيئ. بينما سعى لوقف نفوذ الجماعة الذي استفحل بقوة السلاح معتبرهم جماعة تشوه صحيح الدين.

وفي مواجهة العنف المتبادل بين الجماعتين العرقيتين في أفريقيا الوسطى “سيليكا” المسلمة و”أنتي بالاكا” المسيحية. أعلن رئيس الجالية الإسلامية والأسقف وبانجي ديودوني براءة الأديان من الجماعات المسلحة والإرهابية. وتوجها إلى أوروبا مخاطبين الساسة هناك لدعمهما في إطار وقف أعمال العنف. وإحباط محاولات التطهير العرقي في البلاد.

أحد مقاتلي الجماعة

قطر ودعم جماعة “سيليكا”؟

في 2017 أعلن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، نتائج التحريات التي أجريت حول أحداث أفريقيا الوسطى. إذ أكدت زيارة مجموعة من كبار قادة الجماعة إلى قطر في الفترة الممتدة من 2003 إلى 2016.

التحقيقات الأممية كشفت أيضًا عددًا من الدلائل التي تدعم فكرة التواجد القطري ومساندة الجماعات المسلحة في أفريقيا الوسطى. ومنها التحقيق في خط هاتف “الثريا” المتصل بالأقمار الصناعية ويستخدمه مسلحون في المنطقة. إذ كشفت شركة “أوريدو للاتصالات” القطرية أنه مسجل بعنوان قناة “الجزيرة”.

وأعلن التقرير الأممي الصادر آنذاك أن قطر لها أذرع في أفريقيا الوسطى. وأنها بالفعل تدعم جماعة “سيليكا” وأن ما تقوم به هناك محاولة من الدوحة لصنع مساحة نفوذ لها في القارة السمراء.

الدور الفرنسي في أفريقيا الوسطى

تعتبر فرنسا أفريقيا الوسطى أحد مستعمراتها السابقة ومنطقة إمداد اقتصادي حيوية على كل المستويات. كما سعت لوقت طويل لدعم وجودها بغض النظر عن الخسائر التي قد تقع على كاهلها جراء ذلك.

فسمعة فرنسا السيئة ظلت لصيقة بها ولم يتم تبرئتها من تأجيج فتيل الصراع في أفريقيا الوسطى خاصة بعد زيادة النفوذ الإسلامي المتمثل في “سيليكا”. إذ دفعها ذلك لتدعيم وجود جماعة “أنتي بالاكا” ليتسنى لها التدخل أمام المجتمع الدولي في شؤون مستعمراتها السابقة. إذ ظلت تحت يدها لأكثر من نصف قرن حتى الاستقلال عام 1960.

وتعتمد باريس اقتصاديًا إلى حد كبير على أفريقيا الوسطى. كما أن لها شركة تابعة وهي “أريفا” التي تعمل في تحويل اليورانيوم من جنوب البلاد إلى فرنسا. فضلًا عن استغلال الثروات الأخرى المتمثلة في الألماس والذهب والنحاس.

وتدخلت فرنسا عسكريًا في الصراع الأهلي في البلاد من خلال 1600 جندي عملوا على وقف أعمال العنف الذي تسبب في نزوح نحو 20% من السكان.

مقاتلو الجماعة

مسار دموي انتهى باتفاقية سلام

منذ تمكن “سيليكا” من حكم البلاد في 2013 توجهت نحو التدمير العشوائي الذي لم يفرق بين المواطنين. كذلك عملت على إبادة كل ما طالته أيديها من قرى ومنازل.

وفي عام 2014 استخدمت القنابل اليدوية لضرب المسيحيين كما فجرت كنيسة “فاطيما” في العاصمة بانجي. وخلال العام نفسه أعلنت الحكومة الأوغندية أنها في حالة حرب مع الجماعة.

وفي 2015 رصدت التقارير قيام “سيليكا” بقتل العشرات في قرية “نداسيما” وشنت هجوم على “نجاكوبو” التي تبعد نحو 60 كيلومتر عن وسط البلاد. بالإضافة إلى مهاجمة مخيم للنازحين وقتل عشرات الأبرياء فيه.

كذلك أعلنت الأمم المتحدة في تقريرها الصادر 2018 بشأن نتائج الصراع العرقي المسلح بأفريقيا الوسطى إجبار “سيليكا” مليون مواطن على مغادرة منازلهم وقتل الآلاف.

وفي فبراير من عام 2019 تم توقيع اتفاقية سلام لإنهاء الصراع الممتد لسنوات بين ممثلي الجماعات المسلحة وسلطات أفريقيا الوسطى.

وتم التوافق على أن الانتخابات الحرة هي سبيل وقف حالة العنف التي خربت البلاد ووضعتها في قبضة العناصر الخارجية. كما أهدرت الكثير من ثرواتها.

 

اقرأ أيضا:

“الموقعون بالدماء”.. مشروع “بالمختار” الدموي في شمال مالي

 

“أزواد” مالي.. حركة الطوارق التي تبحث عن دور في بلد مضطرب

 

“جيش الرب الأوغندي”.. النسخة المسيحية من تنظيم داعش