يشهد التعاون الاقتصادي بين مصر وليبيا نقلة كبيرة للأمام بتأسيس شركات مشتركة تعمل في مجال التكنولوجيا لدعم عمليات التحول الرقمي في البلدين، بعدما ظل الحديث قاصرًا طوال الشهور الأخيرة على جهود إعادة الإعمار في ليبيا التي دمرتها الحرب الأهلية.
ووقعت الشركة المصرية للاتصالات وشركات ليبية 4 اتفاقيات تعاون لتأسيس شركة مشتركة لتفعيل مشروع التحول الرقمي وإنشاء مدن ذكية بطرابلس وبني غازي. بالإضافة إلى مركز للبيانات بجانب إنشاء مصنع لكابلات الألياف الضوئية باستثمارات مشتركة.
يبدو أن ليبيا ستعتمد على مصر كنافذة لها للتواصل مع العالم الخارجي بعد توقيع اتفاقية لتدعيم شركة الاتصالات الدولية الليبية. لتقديم الخدمات الدولية وخدمات الربط الدولي مع حلول متكاملة لتقديم خدمات المحتوى ونقل حركه الإنترنت من خلال البنية التحتية للشركة المصرية للاتصالات. والاستفادة من نقاط تجميع الإنترنت ومراكز البيانات وشبكة الكابلات البحرية.
وعقدت القاهرة وطرابلس على مدار 3 أيام مباحثات ركزت على تقديم الخدمات الاستشارية الخاصة بتخطيط وتصميم وإنشاء وتشغيل وصيانة البنية التحتية. بما يضمن تحقيق التحول الرقمي في أقل مدة زمنية. بجانب تدريب الكوادر الفنية والإدارية بشركة هاتف ليبيا في مجال إنشاء وتشغيل وإدارة شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
كذلك تتضمن عمليات التدريب كيفية إنشاء وإدارة وتشغيل مشروعات الشبكات الأرضية وفقًا لأحدث التقنيات المعتمدة دوليًا. وأحدث وسائل التدريب لدى الشركة المصرية للاتصالات، بجانب الخدمات الرقمية مثل الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء.
مصر نافذة ليبيا الدولية
يشير امتداد النشاط الاقتصادي بين البلدين لمجال الإنترنت والإنتاج المشترك إلى إمكانية رفع الشركة المصرية لنقل الكهرباء قدرة الربط الكهربائي بقدرة 240 ميجاوات. خاصة أن هناك دراسة فعلًا لرفعه إلى 500 ميجاوات أو أكثر حسب احتياجات الجانب الليبي. مع وجود احتياطي يومي بالشبكة القومية للكهرباء يصل إلى 15 ألف ميجاوات.
وتعمل في ليبيا 10 محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية لكنها غير كافية للإنتاج. وكانت الدولة تملك خطة لإنشاء محطة غرب طرابلس بقدرة 1400 ميجاوات بجانب محطة للتوليد في سرت بقدرة إنتاجية 1400 ميجاوات. لكن كلا المشروعين متوقفين منذ عام 2011 بسبب انعدام الأمن.
وتعاني ليبيا حاليًا من نقص حاد في الكهرباء يصل في الشتاء إلى 1000 ميجاوات وإلى 2500 ميجاوات خلال الصيف. إذ تنتج ليبيا 5500 ميجاوات بينما حاجة البلاد لتغطية الاستهلاك تقدر بـ6500 في الشتاء و8000 ميجاوات صيفًا. بينما يشكو الليبيين ومن بينهم سياسيون من الظلام ليلاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
عشرات المليارات من الدولارات مكاسب اقتصادية للدول المجاورة
ووفقًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا” فإن إحلال السلام في ليبيا، يحقق مكاسب اقتصادية لمصر بقيمة 100 مليار دولار. بحلول 2025 كما يساهم في تخفيض نسبة البطالة بنحو 9%.
وأضافت “الإسكوا”، في دراسة لها نشرتها تحت عنوان “السلام في ليبيا.. فوائد للبلدان المجاورة والعالم”. أن عودة ليبيا إلى الاستقرار سيحقق مكاسب اقتصادية كبيرة لدول المنطقة تصل لنحو 162 مليار دولار حتى عام 2025. مضيفة أن إحلال السلام في ليبيا سيُطلق جهود إعادة الإعمار. ما سيولد مكاسب اقتصادية كبيرة لهذه الدول في ضوء ارتباط اقتصادياتها بالاقتصاد الليبي، كما سيطرة فرصاً على الصعيد الدولي.
ووفق الدراسة، فإن المكاسب الاقتصادية تصل في السودان إلى حوالي 22 مليار دولار، وفي تونس إلى حوالي 10 مليار دولار. بينما تصل في الجزائر إلى حوالي 30 مليار دولار. كما تمتد للشركاء التجاريين الرئيسيين لليبيا كإيطاليا وألمانيا وفرنسا وتركيا. إذ تبلغ 13 مليار دولار، و7.5 مليار دولار، و6 مليارات دولار، و5.5 مليار دولار، على التوالي. كذلك أشارت إلى أهمية التطورات الإيجابية الأخيرة التي تشهدها البلاد. والتي ستُترجم إلى ارتفاع في معدلات النموّ الاقتصادي وزيادة في الاستثمارات وخلق فرص عمل.
وخلال الأشهر الأخيرة، تتزايد الاستثمارات الليبية في مصر بشكل ملحوظ حتى بلغ عدد الشركات التي تضم مساهمات ليبية في مصر نحو 1165 شركة. تتركز في القطاعات الزراعية والمالية والعقارية والسياحية، بالإضافة إلى قطاع الخدمات.
مصر تعيد إعمار ليبيا
تسعى مصر إلى تحقيق دفعة للعلاقات الثنائية المتوقفة منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، كما أنها تجري مراجعة لجميع الاتفاقيات من أجل تحديثها. ومن بينها اتفاقيات قديمة مثل اتفاقية 1990 حول التجارة المشتركة بين البلدين والأخرى المتعلقة النقل والركاب. إذ تحتاج تلك الاتفاقيات إلى تحديث اتساقًا مع التحديات التي تواجهها المنطقة.
ويمثل القطاع العقاري أحد العناصر الأساسية التي تستعد للشركات المصرية لاقتحامها. إذ يقول أحمد عوض، عضو لجنة التشييد ومواد البناء بجمعية رجال الأعمال، إن الشركات المصرية أصبح لديها خبرة كبيرة تؤهلها للعمل في جهود إعادة الإعمار بجميع الدول العربية وفي مقدمتها ليبيا. كما لديها من العمالة المدربة التي تستطيع تنفيذ مشروعات البنية التحتية في أسرع وقت ممكن.
يضيف عوض أن دخول القطاع الخاص المصري بمشروعات إعادة الإعمار تحت مظلة ورعاية الدولة والحكومات. سيعطي دفعة لطمأنة المستثمرين وتسهيل الإجراءات وحرية انتقال الأموال وحركة الاستثمار.
ووفق المجلس التصديري لمواد البناء، فإن ليبيا من الممكن أن تكون منفذا واسعاً لنفاذية المنتجات المصرية خاصة قطاع مواد البناء. وتأتي ليبيا في مقدمة الدول التي تستورد الرخام المصري بنحو 73.14 ألف طن بقيمة 10.69 مليون دولار خلال يناير وفبراير الماضيين. كما استوردت حديد وصلب بنسبة 161% خلال الفترة ذاتها بقيمة 3.508 مليون دولار.
ويمكن للسوق الليبية استيعاب 3 ملايين طن من حديد التسليح وكميات كبيرة من الأسمنت ومنتجات متعلقة بإعادة الإعمار.
والشركات حاليًا تنتظر نتائج الزيارة الأخيرة للوفد المصري من أجل الدخول للسوق الليبية والفوز بالفرص الهائلة فيها. كما تستقبل مختلف أنواع الصادرات المصرية من السيراميك والدهانات ومواد البناء والأثاث والسلع الغذائية والزراعية. خاصة المنطقة الشرقية التي تستحوذ على نحو 70% من الصادرات المصرية الداخلة إلى الدول المجاورة.
لكن الخبير الاقتصادي نادي عزام يرى أن مصر وليبيا تتجهان حاليًا للشراكة الاقتصادية في مختلف المجالات سواء في الاتصالات أو الكهرباء والنفط. خاصة أن ليبيا لديها فوائض من البترول ومصر لديها الخبرة والعمالة المدربة.
وتوقع عزام تفعيل قريب للقرار الخاص بإنشاء “شركة خليج سرت للغاز” بالشراكة مع شركة إنبي وشركة بتروجيت وصندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي الليبي. التي تأسست عام 2007 بمشاركة 24.5% من إنبي المصرية، و24.5% لبتروجت، و51% صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي الليبي.