الست “أم محمد” عندما تخبز فطيرتين، تذهب بواحدة لبيعها في السوق، وتطعم بالأخرى “محمد” وأخوته. الأولى عمل غير منظم لأنه تم خبزها لبيعها في السوق والثانية عمل منزلي غير مدفوع الأجر. والمقصود بهذه العبارة أن العمل المنزلي في حالة عدم قيام أحد أفراد الأسرة به سيزيد الأعباء المالية. لأنه في حالة عدم قيام “أم محمد” بالخبز ستشتري الأسرة الفطيرة من السوق.

وبالتالي في الحالتين فأن “أم محمد” أنجزت جهدًا وعملًا له عائد مادي على الأسرة، وهذا الأمر ينسحب على كل أعمال الرعاية داخل المنزل من طهي وتنظيف وكي. جميع هذه الأعمال عندما يقوم بها أحد أفراد الأسرة بها –النساء في الأغلب- ستتوفر مبالغ مالية كانت ستدفع لمن يؤدي هذه المهام. دور النساء لا يتوقف عند هذا الحد، بل أن عمل النساء في القطاع المنظم وغير المنظم تنفق هي عائده على الأسرة.

خدمات ربات البيوت

النساء يسهمن في تحسين دخل الأسرة والمشاركة في العبء المالي عليها. وهذا ما كشفه “مسح استخدام الوقت في جمهورية مصر العربية 2015” الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2016. وترجع أهمية هذا المسح إلى كونه أحد أهم الأدوات الرئيسية التي تهدف إلى إبراز قضايا النوع الاجتماعي. حيث تسهم في قياس وتحليل جميع أشكال العمل بصورة أكثر شمولًا. كذلك تقييم العمل غير مدفوع الأجر سواء بالنسبة للعمل المنزلي أو التطوعي لأفراد المجتمع بصفة عامة والمرأة بصفة خاصة. ذلك لما لها من مساهمات فعّالة داخل وخارج أسرتها. هذه الإسهامات التي أغفل المجتمع تقدير قيمتها وحجمها الحقيقي.

وتظهر النتائج جميع أنواع الأنشطة التي تزاولها النساء والرجال سواء العمل المنظم وغير المنظم والعمل غير مدفوع الأجر والتي تشمل الخدمات المنزلية ورعاية الأطفال والكبار. وأنشطة المجتمع المحلي، والوقت المخصص للتعليم وقضاء وقت الفراغ وممارسة الهوايات أو الأنشطة الترفيهية.

كما أظهرت النتائج أن متوسط قيمة الوقت المستخدم للأنشطة المنزلية غير مدفوعة الأجر بالنسبة للنساء هو 52 جنيهًا في اليوم مقابل 25 جنيهًا للرجال. ويرجع هذا التفاوت إلى أن النساء تخصص حوالي 6 ساعات يوميًا لهذا النشاط مقابل ساعة و40 دقيقة للرجال. كذلك بلغ تقدير قيمة العمل المنزلي غير مدفوع الأجر على مستوى الجمهورية 654 مليار جنيه في السنة عام 2015. يخص النساء منها 79% أو ما يعادل 517 مليار جنيه مقابل 21% للرجال بما قيمته 137 مليار جنيه.

ويصل معدل الوقت المخصص للعمل بأجر في القطاع المنظم على مستوى إجمالي العينة التي تضمنها التقرير إلى 7 ساعات و58 دقيقة في اليوم للرجال. بينما يصل في حالة النساء إلى 6 ساعات و25 دقيقة.

بناء على هذه الأرقام فإن إجمالي عدد الساعات التي تعمل فيها النساء داخل المنزل وخارج المنزل 12 ساعة و25 دقيقة يوميًا يذهب العائد المالي منها إلى الأسرة.

مرأة عاملة

رغم هذه القيمة العالية للمساهمة الاقتصادية للنساء ودورها في تحسين مستوى المعيشة للأسرة، إلا أن هذا الدور يتم إغفاله. ولا تزال الصورة الذهنية السائدة في المجتمع عن النساء أنهن ربات بيوت وينظر لهذا العمل على أنه لا قيمة له. كذلك ينسب أي تقدم وتحسن للأسرة إلى الرجل، ولم يتذكر أن مساهمة النساء الاقتصادية لها دور في ذلك سواء عن طريقة تحملها الأعباء المنزلية والرعاية. أو من خلال عملها في القطاع المنظم وغير المنظم والمساهمة مع الزوج في مصروفات البيت. بل وفي كثير من الأحيان مثل شراء شقة أو سيارة وتكتب باسم الزوج. وعن عمد يتم إغفال هذا الدور للنساء وتعمد إبراز هذه الملكية للرجل يكتب العقد الشقة باسمه وترفع لافتة على باب الشقة باسم وتكتب السيارة باسمه حتى في حالة مساهمة النساء. كل هذا يحدث بهدف التعتيم على الدور الاقتصادي للنساء وحجم الساعات التي تقضيها المرأة في العمل لأن فتح هذا النقاش سيفتح الباب أمام قضيتين مهمتين.

أولهما إعادة النظر في تقسيم الأدوار بين النساء والرجال داخل الأسرة. وثانيهما تقاسم الثروة بينهم فيما يتعلق بالمدخرات المشتركة التي تجمعت بجهدهما معًا منذ بداية الزواج. وفتح هذه الموضوعات سيخلخل السلطة الأبوية التي يتمتع بها الرجال وتنتقص من هيمنته بصفته “رجل البيت”. ولها علاقة أيضًا بأهلية النساء وتغير النظرة الدونية التي تحط من شأنها وتحرمها الكثير من حقوقها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني. على سبيل المثال قوانين العمل والأحوال الشخصية هي تكريس لهذا التقسيم الذكوري للأدوار في المجالين العام والخاص، كما أنها تغزي السلطة الأبوية وتسلّم بأن دور الرعاية هو دور نسائي بامتياز.

ويرى أصحاب الخطاب الذكوري الأبوي أن على النساء أن يعملن داخل المنزل وخارجه. والمساهمة في تكوين الثروات وتحسين وضع الأسرة والحرمان من الاعتراف بذلك. وفي حالة إنهاء علاقة الزواج يتدهور حالها وتستنزف في المحاكم من أجل النفقة، فتقاسم الثروة ليس لصالح النساء فحسب بل لصالح العدالة وإظهار الصورة الحقيقية للنساء ودورها وعلاقات عادلة داخل الأسرة. وتقسيم عادل للأدوار يتيح للرجال والنساء معًا التمتع بجميع حقوقهن في المجالين الخاص والعام.