يعد المسرح من الأنشطة الفنية المهملة التي لا تحظى سوى بقدر صغير من الرعاية تختلف حسب مجالس إدارات تلك المراكز. وايمان مسئوليها بالدور التنموي والثقافي الفني للمسرح، كفعل ديموقراطي، وفن يضم الكتابة والتشكيل والرقص والغناء والإضاءة والحركة والأداء التمثيلي.

المسرح فعل يقوم على مجموعة كبيرة من المبدعين على رأسهم المخرج. وكم من جلسات العمل لاختيار النص الذي يتطلب قراءات عدة من الفريق لاختبار قدرتهم على أداءه بحسب امكاناتهم. ثم مراجل تخص ما وراء العرض “الكواليس” من تدريب وحفظ وجلسات مع مهندس الديكور والشاعر والموسيقى ومصمم الرقص او الحركة. إضافة لنقاشات يطرحها النص المسرحي في بروفاته التحضيرية.

ندرة الاهتمام والدعم 

تحيلنا تلك المقدمة لعدة تساؤلات حول حجم النشاط المسرحي في مراكز الشباب المنتشرة في كل بقعة في مصر. والبالغ عددها حسب إحصاء عام 2019 4380 مركز شباب.

 ولو افترضنا أن نتاج كل مركز عرضا مسرحيا صغيرا ضعيف التكلفة لوصلنا لرقم مهول يوازي انتاجات المسرح في عدة أقطار عربية. ولكن لا توجد بيانات معتمدة لقياس متوسط إنتاج تلك العروض. ما نسعى اليه كي يتاح للباحثين رصد أدق لتك الظاهرة الكبيرة.

عدد كبير من المراكز لا يعتمد على المسرح ضمن الأنشطة إلا في حدود دنيا كاسكتشات للجوالة في حفلات السمر. أو بعض المناسبات للطلائع التي ينفق فيها ميزانيات هزيلة أو متوسطة حسب رغبة مجالس الإدارات وتشجيعها لنشاط المسرح. كما أن المسرح يحتاج لقاعة مجهزة مخصصة للعروض، وهي مساحة في مراكز الشباب يمكن أن تستخدم لحفلات الأفراح او صالات الجيم لتدر دخلا كبيرا فضلا عن المسرح الذي يقتطع جزء من مساحة المركز لنشاط لا يحتفى به الا نادرا.

أهم أنشطة لها أماكن ممارسة تهتم الوزارة بوضعها في بيانات كل مركز هي صالة الجيم والملاعب ومركز الحاسب الآلي وحديقة الطفل وحلقة الملاكمة وصالة المصارعة فقط.

 وحسب خريطة مراكز الشباب على مستوى الجمهورية وبيانات كل مركز كما هو منشور في موقع الوازرة. نجد أن أهم أنشطة لها أماكن ممارسة تهتم الوزارة بوضعها في بيانات كل مركز هي صالة الجيم والملاعب ومركز الحاسب الآلي وحديقة الطفل وحلقة الملاكمة وصالة المصارعة فقط.

ماذا تقدم الوزارة لمراكز الشباب؟

لا شك أن نشاط المهرجانات بأي مجال هو ختام للنشاط في أبهى صوره لنتعرف على  نتاج عام كامل. ونحفز المبدعين والممارسين الفائزين والمتسابقين على المزيد من الاجتهاد والإبداع ونكافيء المتميزين ليواصلوا اجتهادهم، ولكن الأساس في الأنشطة التنموية الثقافية والفنية هي الممارسة من الأساس ودعم النشاط من جذوره بإتاحة الممارسة عبر انتاجات العروض والورش الفنية المختلفة لصقل المواهب، وهو ما سوف نعود إليه فيما بعد. فما الذي تهتم به الوزارة عبر النشاط المسرحي؟.

مهرجان إبداع

حسب المعلومات المنشورة وموثقة على موقع الوزارة نجد ان الفعاليات التي تهتم بها الوزارة والأشهر لديها هي مسابقات إبداع. التي وصلت لموسمها التاسع ولكنها لإبداعات طلبة الجامعة.

وفي محاولة للتوثيق. فقد بدأت هذه المسابقة التي لا تخص مراكز الشباب الأولى بالرعاية بمنحة مقدمة من الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة. واستمرت مدة اربعة مواسم. حيث بلغت جوائزها 5 ملايين جنيه. ثم تبنتها الوزارة من الموسم الخامس حتى التاسع. ورفعت جوائزها لتصل لأكثر من 6 ملايين جنيه. وهو تصرف محمود باعتبار شباب الجامعات جزء من نشاط الوزارة وإن كان الأولى بالرعاية هنا هم أعضاء مراكز الشباب بكافة بقاع مصر.  وكذلك الأولى بتبني الأنشطة الطلابية في الجامعة هي الجامعات نفسها. التي تنتج العروض وتنظم المهرجانات بل ووصل الأمر في الماضي لعمل مهرجانات مجمعة للعروض المسرحية للجامعات في ملتقى شباب الجامعات لأكثر من مرة. وهو نشاط منوط به رعاية الشباب بالجامعات وليس وزارة الشباب.

أحد عروض مسرج جامعة القاهرة
أحد عروض مسرج جامعة القاهرة

مهرجان مراكز الفنون

كان لوزارة الشباب مراكزا للفنون في غالبية محافظات مصر. وهي تعتبر المرحلة الأعلى للرعاية في حالات الفنون لدى الوزارة التي ينتخب بها الموهوبين من مراكز الشباب كي يصعدوا سلم الابداع في مرحلة أعلى من النشاط العادي والمسابقات الصغيرة للمديريات.

 في المقابل لا نسمع عن تلك المراكز شيئا منذ فترة، وما فعلته وزارة الشباب هو إنشاء مراكز للفنون في الجامعات عام 2015. وحسب تعريف تلك المراكز عبر الصفحة الرسمية للوزارة على الفيسبوك:  مراكز الفنون بالجامعات الحكومية هي بمثابة معهد فني تعليمي  تنفذه وزارة الشباب والرياضة (الإدارة العامة للجامعات) داخل عدد ١٦ جامعة حكومية حتى الآن. وتخرج أكثر من ٤٥٠٠ طالبا  بالجامعات الحكومية على مدار ثلاث مواسم.

كما تعرف الوازرة هدف إنشاء تلك المراكز بمحو الآمية الفنية لشباب الجامعات في مجالات (الفنون التشكيلية – المسرح – الموسيقى – الكورال – الفنون الشعبية).

تقدر الجوائز المالية للمهرجان التي تقدمها وزارة الشباب والرياضية للمشاركين. بـ1000 جنيه للمركز الأول، و800 للمركز الثاني و600 للمركز الثالث. وهي الأقل مقارنة بجوائز ابداع.

مهرجان إبداع مراكز الشباب

يبدو أن الوزارة انتبهت بعد 6 سنوات من إطلاق مهرجان إبداع للجامعات لإعادة الأمور إلى نصابها. وأسست مسابقة إبداع مراكز الشباب. ولكن بمكافآت مالية أقل تصل للنصف في أقصى طموح و مهرجان آخر أعلنته الوازرة بتكلفة جوائز تقدر بـ 2  مليون ونصف المليون جنيه. للتراجع قيمة الجوائز في الموسم الثالث. لتعلن الوزارة عبر صفحتها أن جوائز إبداع 3 لمراكز الشباب هي مليون و800 ألف جنيه دون معرفة أسباب ذلك التراجع.

إعلان عن جوائز أحد مهرجانات المسرح
إعلان عن جوائز أحد مهرجانات المسرح

أما عن آلية انتقاء وإنتاج تلك العروض فهي منوطة بمجالس إدارات مراكز الشباب. إما بإنتاج عروض حسب رغبة تلك المجالس أو عروض تقدم من مجموعات هواة يشترط عليهم أن يشتركوا بعضوية داخل المركز قبل بدء التسابق. وبعض المراكز تنتج تلك العروض حال تصعيدها في المسابقات المختلفة. وتعتبر تلك العروض فرصة لإنتاج عروض جديدة بالمراكز ما يخلق نشاطا حقيقيا ودعما لوجستيا لتلك الفرق قبل الدعم المادي بإنتاج العرض. وان كان على نطاف محدود. وقد كان نتاج تلك المسابقة مشاركة عرضين من مراكز الشباب في المهرجان القومي للمسرح المصري. بوصف تلك العروض إنتاجا مباشرا لمراكز الشباب وليست عروضا متسربة من إنتاجات أخرى ودخلت من الباب الخلفي للمهرجان.

هواة المسرح

إلى ذلك يقول الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب الرياضة في تصريحات في ختام النسخة السادسة لمهرجان هواة المسرح في مراكز الشباب.”يعتبر مهرجان فرق هواة المسرح مسابقة فنية لأعضاء مراكز الشباب بجميع محافظات الجمهورية في مجال العروض المسرحية. الذي يأتي في إطار سعي وزارة الشباب والرياضة إلى تفعيل الأنشطة الشبابية للموهوبين في المجالات الفنية. بهدف خلق جيل واع ومؤهل ثقافياً حيث تتاح فرص المنافسة وإطلاق إبداعاتهم من خلال المهرجان.

وضاعف صبحي جوائز المهرجان من 200 ألف جنيه إلى 400 ألف. وهو اهتمام ملحوظ ونشاط آخر مواز لمسابقة إبداع مراكز الشباب. وإن كان ما يهمنا بالأساس هو إنتاج مراكز الشباب لتلك العروض. وتبني فرقا مسرحية شابة وانضمام أعضاء جدد وبناء مسارح أو تجهيزها بما يليق بالنشاط المسرحي. لينتشر افقيا على مدى طول وعرض الجمهورية ويغطي حاجة الجمهور والممارسين للمسرح في 4380 مركز شباب.

الطلائع

تعد شعبة الطلائع في مراكز الشباب من الشعب الهامة ولها أولوية بالرعاية. وحسب بعض مصادرنا من مخرجين الطلائع في بعض مراكز الشباب. وجدنا أن شعبة الطلائع تحظى بعرض أو عرضين مسرحيين سنويا على أقصى تقدير. لتصب في مسابقة ختامية.

 وبحسب المصدر نفسه، تضمن آخر اجتماع لمخرجي الطلائع 45 مخرجا على مستوى الجمهورية. وهو عدد قليل جدا نسبة لعدد المراكز الذي اوردناه سلفا. وهو ما يشير لتهميش دور المسرح وفوائده الكثيرة في مرحلة مهمة وهي الطلائع. ما يستدعي اهتماما وانتشارا أفقيا اكبر للمسرح في تلك المرحلة الهامة. ما يصب في بناء فرق مسرحية للشباب في مرحلة تالية.

مقترحات

يبدو من محصلة ما تتبعناه بالتقرير اهتمام الوازرة بالمهرجانات كوعاء أساسي للنشاط الذي بدأت الوزارة في منحه دعما ماديا ومعنويا عبر عدة مسابقات. وإن كان ولا يزال أقل كثيرا مما تمنحه الوزارة لأعضاء مراكز الشباب الذين هم أولى بالرعاية وهم يتبعونها بشكل مباشر. فضلا عن بعض الورش أو المهرجانات الصغيرة في المديريات حسب درجة اهتمام شعب المسرح بتلك المديريات. ما ينبغي أن نتأمله ويعيد المسئولون النظر إليه بحيث يجري توفير الإحصاءات الدقيقة لإنتاج المسرح وورشه لصقل تلك المواهب. وإتاحة الممارسة لتك النوعية من الأنشطة الهامة على كافة الأصعدة.