“بعض القضايا تعالج بالصدمة الاستفزازية” كان هذا بالضبط ما قامت به الصحفية والناشطة الحقوقية أمل هباني في تناولها لقضية تعدد الزوجات في السودان، الذي فرض على المرأة واقع أقرب لحالة القهر في تقديرها نظراً لكونها لا تستطيع الفرار بمشاعرها الحبيسة من قبضة الرجل الذي تركها ليبحث عن أخرى.
وبعبارة مكونة من كلمتين على وجه التحديد داخل تدوينة الناشطة السودانية أمل هباني “استعيني بصديق” أثيرت حالة من الجدل واسع النطاق في الدولة التي لا تعرف قضايا النساء بها هذه التعبيرات التي وصفت من قبل الكاتبة نفسها بـ “الاستفزازية” لأنها رغبت منها بالفعل في صدمة متلقيها وإشعاره بنفس حالة القهر والغيرة التي لا تفرق بين رجل ومرأة.
نص التدوينة المثيرة للجدل
لا تتعد التدوينة بضع كلمات جاء في نصها: “للنساء المسكينات المقهورات المذلولات بنار التعدد وليس لديهن أي مقدرة على الطلاق خوفا من “بشتنة” الأطفال وزيادة القهر بالطلاق .. ممكن تستعيني بصديق يوم ان يذهب زوجك إلى زوجته الجديدة لأن فكرة التعدد لا يداويها سوى فكرة الاستعانة بصديق”.
وكما هو واضح من النص الوارد بالتدوينة ترى الكاتبة أمل هباني أن المشاعر لا تتجزأ وأن فكرة ترك الرجل لزوجته الأولى والذهاب لأخرى تحتاج الاستعانة بصديق وهو ما وضعها تحت طائلة الحرب المجتمعية وباتت تهمة تحريضها على الزنا لا تقبل التشكك في أعين الكثيرين، بل وصفت بغير ذلك من العبارات النابية.
وتعرض الكثير من المعلقين على تدوينة أمل هباني إلى حياتها الشخصية وأخلاقها والأفكار التي تنتمي إليها بل ووصفت بعدد من العبارات المهينة على كل المستويات، مما يدل على حجم “الصدمة الاستفزازية” التي تفاعل منها القطاع الأكبر من المواطنين السودانيين بالرفض المطلق بل أن بعض أفراد أسرة الكاتبة خرجوا ليعلنوا برائتهم من هذه الأفكار مطالبينها بالاعتذار.
من هي الناشطة الحقوقية أمل هباني صاحبة التدوينة؟
البعض لا يعرف الكثير عن كاتبة التدوينة إلا أنها واحدة من الناشطات في مجال العمل العام السودانى خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة وحقوقها وهي شريك مؤسس في لشبكة الصحفيين السودانيين، وخاضت عددا من المعارك من أجل إفساح المجال أمام الكتابة الحرة والغير مقيدة بأدوات قمعية تحول دون حرية الفكر والتعبير في السودان.
وتعرضت أمل هباني نفسها للاحتجاز والاعتقال الفردي من قبل السلطات السودانية نتيجة عملها بل تطرق الأمر إلى منعها من الكتابة تماماً في الصحافة المحلية حتى الآن مما جعلها تؤثر السفر والعيش في كندا وتمارس التعبير عن رأيها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر خارج حدود السودان.
والناشطة السودانية هي شريك مؤسس في مبادرة “لا لقهر النساء” في عام 2009، التي تطالب بتغيير التشريعات السودانية التي يعد جانب منها مهين للسيدات وحمايتهم قانونياً من مختلف الممارسات التمييزية في المجتمع لمنح المرأة جانب من حقوقها المسلوبة.
وحازت أمل هباني على الجائزة الأولى التي تنالها إمرأة عربية وهي “جينيتا ساجان” الممنوحة من منظمة العفو الدولية باعتبارها واحدة من المدافعات عن حقوق المرأة بمساحة قد تعرضها للخطر، واعتبرتها مجلة تايم الأميركية واحدة من الصحفيين “الحراس” الذين تم اختيارهم كشخصية العام لعددها السنوي في 2018.
ماذا أرادت الناشطة السودانية من تدوينتها وهل قصدت “الاستعانة بصديق”
أكدت الناشطة الحقوقية أمل هباني أنها تعنى ما كتبته في المنشور الخاص بها والتعلق بالرد على تعدد الزوجات في السودان قائلة: “يوافق ما كتبته قناعاتي بأن معظم قضايا النساء تتقاطع مع المفاهيم الاجتماعية والنصوص الدينية، وأنه لابد من المصادمة وتغيير هذه المفاهيم وتلك النصوص متى تعارضت مع مفاهيم حقوق المرأة وليس العكس”.
واستشهدت هباني بالحملة التي قادتها الناشطات السعوديات للحصول على حقهن في قيادة السيارة من خلال شهار “نسوق أو نرضع السائق”، مشيرة إلى أن الشعار جاء مستهدفاً التهكم والسخرية من فتوى ارضاع الكبير المبنية على قدر كبير بحسب تعبيرها من السذاجة والابتذال ولم يكن المعني منها على الاطلاق ارضاع السائق.
واعتبرت الناشطة الحقوقية أن القهر الواقع على المرأة السودانية التي تعاني من ويلات التعدد والفقر معاً وتعيش حالة من الذلال العمدي يحتمل المعالجة بالسخرية أيضاً والمقاربة على النحو الوارد في تدوينتها وأنها أرادت بالفعل إحداث صدمة استفزازية للمتلقي ليعيش مشاعر لا يفهمها ومع ذلك يتحدث عن إباحتها إذا كانت تتلائم مع رغباته ولن تضيره في شيء.
انتقادات النشطاء والإعلاميين ورجال الدين والأهل لرأي هباني وردها عليهم
قالت الناشطة الحقوقية و رئيسة تحرير صحيفة التغيير الإلكترونية السودانية، رشا عوض: “لم تكن الزميلة والصديقة أمل هباني موفقة في طريقة تناولها لموضوع التعدد في البوست المثير للجدل، لأن حركة حقوق المرأة تهدف لتكريس ثقافة عدم التعدد في الزواج على أساس ان الخيار الأرفع أخلاقيا وإنسانيا والأكثر ملاءمة لتعقيدات الحياة المعاصرة هو إخلاص الرجل لزوجة واحدة وإخلاص المرأة لزوج واحد، ولكي نشيع هذه الثقافة وعلى أساسها يكون إصلاح قانون الأحوال الشخصية لا بد من إقناع الرجال بأن التعدد سلبي بالنسبة لهم كرجال، لأنه يضر بأطفالهم واستقرار أسرهم ومجتمعاتهم ويخصم من سلامهم النفسي لأنه يضعهم في الغالب في وضعية الظالم لشريكة حياته، بوست الاستاذة أمل صور التعدد كأنه كنز ثمين في يد الرجال والنساء محرومات منه ولذلك لا بد ان تتنافس النساء مع الرجال في موضوع التعدد عبر الفكرة السقيمة والمبتذلة التي أسمتها الاستعانة بصديق في اليوم الذي يذهب فيه الزوج لزوجته الجديدة”.
وعلقت عفاف هباني، على ما كتبته شقيقتها قائلة: “نستنكر بشدة هذا البوست المخزي وفيه اساء كبيرة لنساء السودان الشريفات، ونطلب من الأخت أمل الاعتذار لنا أولا ولنساء البلد المقهورات وغير المقهورات”.
أمل هباني ردت وقالت التفكير الحر المستقل هو ديدن حياتي مع احترامي ومحبتي لكل من هم حولي شقيقاتي، أسرتي، عائلتي الكبيرة، البوست الذي كتبته يوافق قناعاتي ومبادئي بأن معظم قضايا النساء تتقاطع مع المفاهيم الاجتماعية والنصوص الدينية وأنه لابد من المصادمة وتغيير هذه المفاهيم وتلك النصوص متى ما تعارضت مع مفاهيم حقوق المرأة وليس العكس”
وانهال الداعية السوداني، مزمل الفقيري، في فيديو له تم بثه عبر اليوتيوب، على أمل هباني بوابل من الألفاظ المهينة معلناً براءة أسرتها منها وأنهم على حق وأنها تتبع أفكار الأحزاب الشيوعية التي لا تهتم بمشاكل الناس ويقتصر عملها على نشر الدعارة و الرذيلة والفواحش، مؤكداً أن الشعب السوداني جميعا استنكر هذا الحديث باستثناء 3 أفراد فقط لكونهم على حد تعبيره “ممسوخين حتى الفطرة”.
وقال الفقيري أن أمل هباني تحفز على الزنا مطالباً بتنحية الدين خارج المعادلة والاحتكام للمنطق بل والتعلم من الحيوانات قائلا: ” لا يليق بذكر فالننظر كيف يتعامل الديك أو كلب مع أنثاه سنجده يغار عليها”.
يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه أمل هباني أن ما أثير حولها لن يثنيها عن العمل من أجل تحقيق حلمها ببناء دولة المواطنة ودعم حرية المرأة والعمل من أجل حصولها على حقوقها والتأسيس لقواعد دولة المواطنة التي لا تحتكم إلى التمييز، مضيفة: “كررت وأكرر أني لم أكتب من أجل المهاترة أو المغالطة أو الفوز على أحد. معتبرة أنها لا تمثل سوى أفكارها ولا تعبر عن أحد ممن حولها قائلة: “الاستقلال الفكرة ديدنى وعمل اهدة لبناء شخصيتي المستقلة تماما، وأنا لا أمثل حتى شقيقتي التي انتقدتني”.