تنامت في السنوات الأخيرة، ظاهرة “التنمر”. بشكل عام وفي مصر بشكل خاص. ووفقًا لاحصائيات صادرة عن منظمة اليونسكو عام 2019. فإن ربع مليار طفل يتعرضون للتنمر سنويا حول العالم.

وأشارت دراسة أجريت على 19 دولة، إلى أن 34% من الطُلاب تعرضوا للمعاملة القاسية. وأن نسبة 8% يتعرضون لممارسات عنيفة يوميًا في مدارسهم.

وفيما يتعلق بمصر، أظهرت بيانات تابعة لمنظمة اليونيسيف عام  2019.  أن نسبة 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمر من قِبَل زملائهم في المدارس.

علاوة على ذلك، تنامي ظاهرة التنمر بدأ يتخذ منحنى أكثر حدة. وباتت مشاهد مقاطع الفيديو المصورة التي تروج لحوادث تنمر جزءا لا يتجزأ من حياة المصريين في الآونة الأخيرة.

تجريم التنمر

تنامي الظاهرة، دفع المشرع المصري ولأول مرة  إلى إدخال تعديلات  جديدة على قانون العقوبات المصري لتجريم التنمر علم 2020. إضافة إلى وضع تعريفًا للتنمر باعتباره جريمة لأول مرة في صياغة القوانين في مصر.

التنمر هو كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه. أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي. بقصد تخويف المجني عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.

وبحسب هذا التشريع فإن : التنمر هو كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني أو استغلال ضعف المجني عليه. أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه، الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي. بقصد تخويف المجني عليه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي.

تجريم التنمر للمرة الأولى في مصر
تجريم التنمر للمرة الأولى في مصر

صدر التشريع بالتزامن مع الحملة القومية التي أطلقتها الحكومة المصرية مع صندوق الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) وبتمويل من الاتحاد الأوروبي. حيث تقول المنظمة الدولية إن نحو 70% من الأطفال في مصر ما بين 13 و15 عاما تعرضوا للتنمر .

عقوبة التنمر

وبحسب التشريع، فإن الشخص الذي يرتكب جريمة التنمر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه. ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين.

وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة الف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه.

رغم ذلك إلا أن الجهود المبذولة بحسب مراقبون لا تتناسب مع حجم  الوقلئع التي يشهدها المجتمع. وكان أبرزها على الساحة في الأيام الماضية ما تعرضت له طالبة بجامعة طنطا “رضوى طارق” المعروفة إعلاميًا بفتاة الفستان من عنف وتنمر داخل الجامعة. من قبل بعض المراقبين على لجان الامتحانات.

وشهدت مصر في الفترة الماضية، أكثر من حادثة تنمر، كان لها صدى واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. من بينها الواقعة الشهيرة للتنمر بطفل سوداني الجنسية والاعتداء عليه.

فتاة الفستان

الطالبة حبيبة طارق قررت الإعلان عن ما تعرضت له خلال منشور عبر صفحتها على الفيسبوك. وكتبت، إنها ذهبت إلى الجامعة لتأدية امتحان ترتدي “فستانا”. وعقب الامتحان، ذهبت للحصول على بطاقتها الشخصية. لتتفاجأ بتهكم مراقب اللجنة عليها بسبب الفستان.

وأضافت، أنه تم إيقافها عن طريق سيدتين كانتا تراقبان على لجنة مجاورة، وبدأت المراقبات التهكم عليها، وسألتها إحداهن: هل نسيتي ترتدي بنطلون.!”.

وتابعت: ثم قالت إحداهما للأخرى إنني خلعت الحجاب منذ فترة، وقررت أن أكون (قليلة الأدب). وبدأ الجميع بالالتفات إلي مع استمرار حديثهما عني، فقررت الخروج سريعا من الجامعة، والذهاب إلى المنزل”.

حقق المنشور تفاعلا كبير على السوشيال ميديا. وأعلنت جامعة طنطا فتح تحقيق في الواقعة. في حين أعلن رئيس قسم علم المعلومات بكلية آداب طنطا، ثروت يوسف الغلبان، عبر صفحته الشخصية، تضامنه مع الطالبة.

دكتور وليد العشري المتحدث باسم جامعة طنطا قال: الجامعة ليس بها “زي محدد”. ولا يتم إجبار الطلاب على زي مُعين. والفكرة ليست في الملبس وإنما في طبيعة الحوار الذي دار من المراقبين مع الطالبة. وأن المراقب قانونًا من حقه التأكد من هوية الطالب الموجود داخل لجان الامتحانات فقط.

وأشار  إلى أنه من أخطأ سيعاقب دون النظر إلى الرواية من جانب واحد وغير مسموح بتعرض أي طالبة للعنف أو التنمر.

جامعة طنطا تشهد واقعة التنمر بفتاة الفستان
جامعة طنطا تشهد واقعة التنمر بفتاة الفستان

التنمر بطالب هندسة

الأمر لم يتوقف عند حبيبة، فلم تمر أيام، حتى تعرض مؤمن طارق المصري الطالب بالمعهد العالي للهندسة والتكنولوجيا في دمياط الجديدةلواقعة مشابهة مع بداية لجنة امتحان «ميد ترم» في 22 مايو الماضي، ومن حينها، لم يذهب إلى الكلية، ولم يحضر امتحانات الفصل الدراسي الثاني، التي تعقد حاليا.

ويروي طارق قصته، بأنه فوجئ برئيس اللجنة رفقة المراقب يتحدثون: «المنظر ده مايدخلش المكان ده لأنه لا يليق بمهندس. مينفعش نسيب الأشكال دي تدخل عندنا. أنا لو عميد الكلية موافق على منظرك ده أنا هقدم استقالتي. تعليقًا على ما يرتديه ولربطه شعره باستك.

كما طلب رئيس اللجنة استدعاء الطالب إلى مكتب عميد الكلية. وبعد حوار طويل من التنمر ترك الطالب الامتحان وذهب مع والده لتحرير محضر في نيابة كفر سعد في دمياط، بالإهانة والتنمر والسب والقذف حمل رقم 1629.

وفي السياق ذاته خرجت مروة حسن صاحبة “الفيديو” الشهير عن البوركيني، وهي تتساءل هل شكلي بالبوركيني بيأذيك، أما “الكرش و الافخاذ و الترهلات والسليوليت مش بيأذيك!” متحدثة بتنمر على كل  من يختلف في ملبسه عنها.

القانون وحده لا يكفي

القانون وحده لا يكفي، ولا بد من وجود اتجاه اجتماعي لمواجهة الظاهرة.  هذا ما أكدة الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي.

ويقول فرويز: الأزمة الحقيقية أنه دائمًا ما يتم اللجوء لسن القوانين. فنحن لدينا قوانين تكفينا العمر كله. لكننا لا نعي أن الموضوع هو قوانين إنسانية في الأساس. نحن كمصريين تعرضنا لهجمة منتظمة لتدمير هويتنا وبالتالي تداخل الثقافات خلق ما يعرف بـالمسخ الثقافي الذي يتبلور في امتصاص عيوب الثقافتين.

وأضاف: النقاش والتوعية هو الحيلة الأساسية. فالرصاصة تصل لشخص واحد والفكرة تصل للآلاف الأشخاص ونحن نملك أفكارًا ملوثة. فضلًا عن الازدواجية الدينية والانهيار الأخلاقي والوصم المجتمعي جميعها تؤدي إلى تنامي ظاهرة التنمر.

ويؤكد فرويز أن ما يحدث هو علامات إنذار وأن الرادع القانوني هو رادع لمن يقرأ ويهتم بالقوانين. وأن هناك فرق بين التعليم والثقافة. لذلك عندما نقول أن هناك طفل متنمر فهو طفل يحتاج إلى العاطفة أما إذا كان شخص كبير ومتنمر فهو لديه اضطراب في الشخصية.

وحدات مناهضة العنف

الحقوقية لمياء لطفي على، تقول إن كل من يرتدي زي مختلف عن السائد يتعرض للتنمر والعنف. وهو أمر لا يقل خطورة عن التحرش. واستخدام سلطة السن لإجبار الناس على ممارسة سلوك معين.

وتضيف: فيما يتعلق بوحدات مناهضة العنف الموجودة في الجامعات في أغلبها غير مخصص لها مبالغ جيدة. وليس لها أنشطة معلنة بشكل واضح. حتى أن الفتيات لا يعلمون بوجودها في الأغلب. ورئيس الجامعة نفسه عندما علم بالواقعة أحالها للنيابة وليس للوحدة رغم أن الإحالة للنيابة جزء منه تحقيق داخل الجامعة، كما أنه حاول يوصم البنت بالادعاء والكذب.

وتؤكد لطفي: أن الدعم الذي يحتاجه من يتعرض للتنمر هو وجود عقوبة رادعة بدون تنصل أو إدعاء بالكذب. والتعامل مع الأمر بجدية أكثر من ذلك. مع التضامن مع من يتعرض للتنمر حتى يتحدث ويكون هناك عقوبة رادعة لمن يتصيد للتنمر. بالتوازي مع حملات لرفع الوعي بالقضية وبتسويق قانون مناهضة ونشره في الإعلام.

طارق عبدالعال محامي وحقوقي قال أن القانون المتشدد في العقوبة ليس هو الحل المجتمعي، هناك ما يعرف بالضرورة الاجتماعية للقانون، بمعنى أنه ليس من الضرورة تعظيم العقوبة لحل المشكلة بدلًا من البحث عن البدائل.مضيفًا أنه لابد من وجود إلزام بأداء عمل مجتمعي لحل هذا النوع من الأزمات بجانب العقاب القانوني حسب خطورة الفعل، بمعنى أن يحدث إصلاح بالفعل وليس مجرد دخول للسجن فالسجون ما هي إلا مفرغة إجرام.مشيرًا إلى أنه أصبح هناك استجابة نوعًا ما لهذا النوع من البلاغات، إلا أن معظم الناس لا تقم بتحرير محضر في جزء يستقوى ويأخذ حقه وأخر لا يأخذ رد فعل وبالتالي نرجع للعودة بأهمية وضرورة الوعي المجتمعي.

تجارب دولية

يعد التنمر سلوك معروف دوليًا، بحيث بدأت عددً من الدول الغربية والآسيوية على حد سواء في سن تشريعات وقوانين تهدف جميعها الى التصدي لهذه الظاهرة.

فعلى سبيل المثال. سنت السويد قوانين تحظر ظاهرة التنمر في مكان العمل. بينما اختلف الأمر لدى الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تم اتخاذ ما يلزم من إجراءات تشريعية على مستوى الولايات والحكومات المحلية احماية الأطفال من التنمر.

واتخذت إنجلترا إجراءات ملزمة بموجب القانون لجميع المدارس. بحيث تلتزم كل منها بسياسات سلوكية تضمن منع جميع أشكال التنمر بين التلاميذ.

كما أطلقت الحكومة البريطانية خطًا للاتصال المباشر بالشرطة. حال التعرض لأي حادثة اعتداء أو تنمر او أي شكل من أشكال الكراهية.

وفي القارة الآسيوية، صنعت اليابان تجربة مشهودة، فيما يتعلق بالتشريع الذي أصدرته عام 2013. الذي يتم بموجبه إلزام المدارس بمعالجة التنمر، بما في ذلك التنمر الإلكتروني. حيث أصبحت المدارس مُطالبة بالتحرك لأجل منع حوادث التنمر والإبلاغ عند نشؤها.