رحل الأب المؤسس لأغنى عائلة في مصر “ساويرس” وبقيت بعده لأبنائه الثلاث “سميح ونجيب وناصف”، تركة كبرى مادياً وتاريخياً واسم محفور في أغلب أعمال المقاولات، بل ومختلف مجالات الاقتصاد المصري.

الأب الراحل المهندس أنسي ساويرس لم يكن يتخيل حينما بدأ مشواره بمحافظة سوهاج أنه سيصل لما أصبحت عليه الآن أسرته، فهو فقط اتبع قناعاته الخاصة وطموحه الذي كبر مع تجاربه وأزماته بل وغربته ليصبح الرجل المؤثر في الاقتصاد المصري بل وصاحب أكبر الشركات العاملة في قطاع المقاولات “أوراسكوم” وغيره من القطاعات الأخرى.

بداية مشواره وسبب دخوله لكلية الزراعة

لم يكن قرار دخول أنسي ساويرس لكلية الزراعة خاضع لطموحه الخاص ولكنه يعود لأبيه المحامي النجيب كما اعتاد وصفه، الذي كان يمتلك نحو 50 فدانا من الأرض الزراعية وانتابه القلق بشأن رعاية تلك الأرض خاصة إذا كان أبناؤه لا علاقة لهم بالزراعة.

وطلب الوالد من ابنه أنسي دخول كلية الزراعة ليتسنى له مراعاة الأرض ومتابعة تركة إخوته بعد رحيله، وهو ما حدث بالفعل وتخرج الابن من الكلية في عام 1950، وعاد لقريته ليرعى “الأرض” وهنا حدثت أولى صدماته “الفشل” فقد ظل قابع لعامين على حلم والده متعايشاً مع الفلاحين ومشرفاً على أعمالهم دون جدوى فقد وجد نفسه لا يضيف شيئا، فهو يراقب فقط ولا يمكنه الاندماج مع الزراعة وتبعاتها التي تتطلب المكوث في القرية.

وخرج أنسي ساويرس من التجربة التي لم تدم لأكثر من عامين بقناعات أفصح عنها في أكثر من حوار وهي أن : “الأرض لمن يزرعها، والفلاح يعرف عنها أكثر مما يتم تدريسه في الجامعات المختلفة، وأن علاقته بالأرض غريبة فهو الأفندي الدخيل أو صاحب المال والنجاح في الزراعة بيد الفلاح”.

وكان أنسي ساويرس قد ولد في أغسطس من عام 1930، وحصل على التوجيهية من مدرسة سوهاج الثانوية وتزوج في أغسطس عام 1953 وأنجب ثلاث أبناء فضل إتمام تعليمهم خارج البلاد.

أحب المقاولات لأنها مربحة وتأممت شركته فسافر إلى ليبيا

واستمر دور والد أنسي في حياته المؤثر في مسار حياته حتى ألهمه بفكرة العمل في المجال الذي غير حياته “المقاولات”، فأثناء بناء والده لعمارة في سوهاج تمكن الابن من التعرف على مقاولين الباطن والعمال ومختلف المتعاملين مع قطاع المعمار وتقرب منهم إلى أن قرر أن يغير حياته كلياً ويترك الزراعة لمن هم أقرب لها ويمتهن المقاولات.

وأسس المهندس أنسي ساويرس شركته الخاصة “لمعي وأنسي” وأصبح لديه سجلا تجاريا في عام 1952، وعن شريكه في العمل “لمعي يعقوب” فهو المقاول الذي انجذب له وتسبب في حبه للمقاولات وقرر شراكته لأنه كان في حاجة للأموال ووصفه قائلا: “كان غاية في الذكاء وحاصل على دكتوراه من مدرسة الحياة بلا شهادة ملموسة” وتمكنا في البداية من الحصول على تعاقد آبار وطلمبات في 18 مدينة داخل سوهاج وتلاه تعاقد آخر على إنشاء محطة مجاري في أسيوط ثم انطلقا في عالم المقاولات وانتشر مجال عملهما ليجوب الكثير من المحافظات.

زادت سعادة أنسي ساويرس بعمله فهو أكثر ربحية وسيبعده عن الأرض التي لا يروق له العمل بها، وانتقل بنشاطه من صعيد مصر إلى العاصمة وبدأت شركته تصعد وظهر الشركاء إلى أن أحبطت مساعيه بقرار التأميم في عام 1961، وظل بعد القرار لنحو 5 سنوات لينتهى التقييم ويتم سداد الديون ودراسة موقفه القانوني.

ثم قرر المهندس أنسي ساويرس السفر لخارج مصر وبدأ رحلة في الوطن العربي ليتسع نشاطه وكانت قبته التي استقر عليها هي ليبيا، وظل بها لنحو 12 عاما تاركاً أولاده لعدم وجود مدارس أجنبية هناك.

وأكد أنسي ساويرس في أحد حواراته المصورة أن فترة وجوده في ليبيا تعلم خلالها الكثير معتبراً أن أهم ما يميز المواطن الليبي هو الذكاء وقدرته على التجارة قائلاً: “الليبي ذكي وتاجر واتعلمت منهم الفصال قبل شراء أي شئ”، معتبراً أن الفترة التي أمضاها هناك كانت أقرب للدراسة التي مكنته من النجاح فيما بعد.

الانفتاح وتأسيس أوراسكوم

عاد أنسي ساويرس من ليبيا في فترة الانفتاح خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات وبدأت رحلة توسعه في شركته ” أوراسكوم للمقاولات العامة والتجارة”في عام 1977.

وأصبحت شركته فيما بعد تعرف باسم “أوراسكوم للصناعات الإنشائية” ووسعت نشاطها خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات وشملت العديد من المجالات المتنوعة بين خدمات الهاتف المحمول والفنادق والكمبيوتر والسياحة.

كما قرر  بعد عودته من الخارج أن يستغل علاقاته وعمل أيضا في التوكيلات ليحصل على أول توكيل من شركة “فولفو” السويدية.

واعتلى عددا من المناصب منها الرئيس الفخرى لـ “أوراسكوم للصناعات الانشائية، وموبينيل”، كما أنه أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة “أوراسكوم للتجارة”، ورئيس جمعية رجال الأعمال المصرية الاسكندنافية، ورئيس مجلس إدارة مستشفى السلام، وعضواً في مجلس إدارة بنك مصر والشركة الفرعونية للتأمين.

الأبناء الثلاثة

حرص المهندس أنسي ساويرس على تعليم أبنائه جيدا وجعل هذا هدف حياته فقد ارتادوا المدرسة الألمانية في القاهرة و تخرجوا في جامعات خارج البلاد.

وابنه الأكبر هو نجيب ساويرس الذي ولد في عام 1954 ودرس في المعهد العالي للتكنولوجيا بزيوريخ، والتالي هو سميح الذي ولد في العام 1957 ودرس الهندسة في برلين، والأخير ناصف الذي ولد في عام 1960 ودرس الاقتصاد في جامعة شيكاغو.

وعمل الأبناء الثلاثة على نهج عميد العائلة وساهمت أسرة ساويرس أب وأبناء في الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ ووضعت بصمتها في مختلف مجالاته.