تسعى الحكومة المصرية إلى توظيف الاستثمارات الخضراء التي تراعي البعد البيئي، في الموازنة العامة المقبلة لتصل إلى 30%. ففي الموازنة الجديدة التي تطبق أول يوليو، تمهد الحكومة لرفع نسبتها إلى 50% من إجمالي الاستثمارات الحكومية خلال 4 أعوام.

وتمثل الاستثمارات الحضراء توجهًا عالميًا لمواجهة التغيّر المناخي وتحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي. بالإضافة إلى الحد من التلوث. كما ينتج عنها رفع كفاءة الإنفاق العام وزيادة مردوده التنموي. كذلك هي تتعلق في المقام الأول بالمشروعات أو المجالات التي تلتزم بالحفاظ على البيئة مثل الحد من التلوث وتقليل الوقود التقليدي والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما تتعلق بتوليد مصادر الطاقة البديلة، والمشروعات المتعلقة بتنظيف وصيانة الهواء والماء وإدارة النفايات وغيرها من الممارسات الصديقة للبيئة.

وتراهن الحكومة المصرية على الاستثمارات الخضراء في مواجهة العديد من التحديات التي تواجهها مستقبلًا خاصة في الملف المائي. إذ تتضمن تقليل الهدر والفاقد في الإنتاج الزراعي وترشيد استهلاك المياه. كذلك الاستغلال الأمثل لمياه الصرف الصحي بما يراعي الصحة العامة والاعتماد على وسائل النقل الذكي ما يقلل من تكلغة استيراد الوقود.

وتنقسم الاستثمارات الخضراء في خطة العام المالي الجديد التي سيتم تطبيقها بعد 3 أيام فقط منظومة المخلفات الصلبة وتوسيع شبكات مترو الأنفاق. كذلك تدشين مشروع القطار الكهربائي والطاقة المتجددة بإجمالي 96 مليار جنيه منها 94 مليار لمشروعات النقل الذكي. بالإضافة إلى 1.9 مليار جنيه لمشروعات الطاقة المتجددة.

وزيرة البيئة ووزيرة التخطيط

خطة الاستثمارات الخضراء

ويمثل الاقتصاد الأخضر أحد محاور برنامج الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد الذي يمثل الشق الثاني من برنامجها الإصلاحي بعد إنهاء الإصلاح المالي والنقدي. كما أنه من المستهدف أن يزيد تواجد الاستثمارات النظيفة في طاع الصناعة التحويلية. من خلال إلزام المصانع والقطاعات الصناعية كثيفة الاستهلاك بشهادة المواصفات الدولية لترشيد الطاقة.

وفي قطاع الزراعة تسعى وزارة التخطيط لتحسين ترتيب مصر في مؤشر الأمن الغذائي. من المرتبة 60 إلى 50 بإعطاء أولوية في زراعة أصناف المحاصيل الزراعية عالية الإنتاجية قليلة استخدام المياه وقصيرة العمر. بالإضافة إلى تطوير أنظمة الري إلى الطرق الموفرة للمياه وتشديد الإجراءات المنظمة للمحاصيل كثيفة استخدام المياه.

كذلك بدأت الحكومة خطة لتطوير منظومة الري في عدد من المحافظات تمتد لعدة سنوات لتزويد الأراضي بشبكة ري حديثة سواء الري بالرش أو التنقيط. لكنها ذات تكلفة ضخمة فتكلفة تطوير أنظمة الري للفدان الواحد تصل إلى 10 آلاف جنيه. كما أتاح البنك المركزي المصري أيضًا قروضًا لمدة 3 سنوات بفائدة لا تتجاوز 5% لتحقيق الهدف ذاته.

ووفق إحصائيات وزارة الموارد المائية والري، تم تنفيذ مشروعات الري الحديث في 314.135 ألف فدان حتى الآن، بنسبة 61%. بينما تتضمن السنوات المقبلة مد شبكة التطوير إلى مساحة 516 ألف فدان أخرى.

استهلاك كبير

وبحسب بيانات وزارة الزراعة فإن استخدام المياه ينعكس على تحسين جودة المحاصيل الإنتاجية بزيادة الإنتاجية 35% في المتوسط وتقليل كميات الأسمدة المستخدمة بنسبة 60%. كذلك تمثل كمية الأسمدة التي كانت تتسرب إلى المصارف من جراء الري بالغمر وزيادة كميات المياه عن حاجة الأرض.

ويقول المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن القطاع الزراعي يستهلك أكبر حصة من المياه، تمثل تقريبًا أكثر من 85% من حصة مصر من النيل. بينما قدرت وزارة الموارد المائية والري احتياجات القطاع الصناعي من المياه بـ5.4 مليار متر مكعب/ السنة.

الترشيد يصل إلى القطاع الصناعي

وبالنسبة للقطاع الصناعي أسست وزارة التجارة والصناعة وحدة مستحدثة في 2011 لترشيد استهلاك الطاقة في المصانع. إذ تتولى منح شهادة مطابقة بيانات بطاقة كفاءة استهلاك الطاقة. كما تشجع المصنعين على الارتقاء بالتصميمات ومكونات المنتجات بهدف تحسين كفاءة للمنتج. ما يؤدي إلى زيادة القدرة التنافسية لها في الأسواق الخارجية.

يؤكد الدكتور عباس شراقي، خبير الموارد المائية، إن الاهتمام بتطوير أنظمة الري يساهم في مواجهة ملف تحديات المياه. فنحو 80% من المياه المصرية يلتهما الري بالغمر بما يعادل 10 مليارات متر مكعب مياه من الحصة الإجمالية لمصر بقيمة 55.5 مليار متر مكعب. والنسبة المتبقية يتم تقسيمها بين الصناعة والاستخدام المنزلي. بينما تصل نسبة الأخير إلى 15% من الحصة الإجمالية في المياه.

يضيف شراقي أن الخطة الحكومية يجب أن تتضمن التوقف عن استيراد الأدوات الصحية الرديئة التي تسرب المياه. كما تتضمن استخدام الأجهزة المنزلية قليلة الاستهلاك في الغسالات، والصنابير والأدوات الصحية ذاتية الإغلاق. إذ لا تسمح بإهدار كميات وتعميمها في المساجد والمصالح الحكومية.

سند آبل.. مورد للتمويل

تمثل الاستثمارات الخضراء أيضًا نافذة تمويلية مهمة. إذ أن هناك قطاع من المستثمرين في العالم لديه وازع أخلاقي. إذ يرفضون أن تتسبب في الاحتباس الحراري أو تغيرات المناخ. كما بدأت تشق طريقها بقوة في الأسواق المالية العالمية بنحو 300 مليار دولار في 2020. على سبيل المثال السند الأخضر الذي أصدرته شركة آبل بقيمة 1.5 مليار دولار وهو الأول على الإطلاق.

يقول محمد كمال، الخبير الاقتصادي، إن الاستثمارات الخضراء لا تمثل فقط حلًا لمشكلات اقتصادية. لكنها أيضًا شريانًا أساسيًا للتمويل يساعد في تقليل العبء على الموازنة العامة للدولة. وهو أمر أثبت نجاحه في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح التي تستهدف الحكومة رفع نسبتها من إجمالي الطاقة الكهربائية لـ20% بحلول 2022.

لكن الاستثمارات الخضراء تواجه عقبات في انتشارها تتعلق برغبة المستثمرين بضمانات قوية من أجل معرفة توجه الأموال التي يستثمرون فيها. بالإضافة إلى صعوبة الخروج منها بسهولة على عكس المشروعات التقليدية. علاوة على أنها سوق صغيرة حال مقارنتها بالاستثمارات التقليدية التي تجتذب القطاع الأكبر من المستثمرين.

ويوضح كمال أن المشروعات الخضراء مثلها مثل الصكوك لديها فئات معينة من المستثمرين وهي في زيادة مستمرة. مع تنامي المخاوف بشأن التغير المناخي. وكان ذلك الوازع حاليًا لتزايد استثمارات السيارات الكهربائية في العالم والاعتماد على الطاقة المتجددة حتى في دول غنية بالنفط مثل الخليج. والاجتماعات المتتالية لبحث التغير المناخي ومصر يمكنها الاستفادة من ذلك الزخم العالمي وجذب المزيد من المستثمرين إليها.

وباعت مصر في سبتمبر الماضي سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لأجل 5 سنوات بسعر عائد 5.250%. في أول طرح للسندات الخضراء الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك تجاوزت طلبات الشراء حجم الإصدار المعلن عنه 500 مليون دولار بما يعادل 7.4 مرة، وتخطت الحجم المقبول 750 مليون دولار بما يعادل 5 مرات.

والسندات الخضراء تمكن من الاقتراض لتمويل مشروعات متصلة بالمناخ أو البيئة. وجذب الطرح المصري قاعدة جديدة من المستثمرين بأوروبا وأمريكا وشرق آسيا والشرق الأوسط. كذلك فئات من المستثمرين الذين يصنفون بذي الجودة العالية لاحتفاظهم بالاستثمارات على المدى الطويل ما يؤدي إلى الحد من التذبذب في الأسعار.