أثار انسحاب تركيا من اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة بشكل رسمي، انتقادات واسعة. فيما يستعد الآلاف للاحتجاج في جميع أنحاء البلاد، بعد أن رفض طعن قضائي لوقف الانسحاب هذا الأسبوع..
واعتبرت قيادات نسائية وسياسية العدول عن الاتفاقية ارتدادا على استحقاقات المرأة التي اكتسبوها عبر مسيرة من النضال.
جنان جولو رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية التركية قالت: سنواصل كفاحنا تركيا تضر نفسها بهذا القرار.
وأضافت أن النساء والفئات الضعيفة الأخرى منذ شهر مارس الماضي أكثر تردداً في طلب المساعدة وأقل احتمالاً لتلقيها. إذ أدى فيروس كورونا إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية ما تسبب في زيادة كبيرة في العنف.
اللافت أن تركيا من أوائل الدول التي وقعت الاتفاقية عند إقرارها عام 2011. ما حدا بالمراقبين للاندهاش من الخطوة التي تجعل أنقرة أكثر بعدا عن تحقيق حلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
اتفاقية اسطنبول هي معاهدة ملزمة قانونيا أبرمها المجلس الأوروبي، وتتعلق بالعنف المنزلي وتسعى إلى منع إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، وكانت قد وقعت عليها 34 دولة أوروبية، ودخلت حيز التنفيذ عام 2014.
أردوغان: الاتفاقية تقوض النسيج المجتمعي
في حين يعتبر أردوغان وحزب العدالة والتنمية. أن الاتفاقية تقوض النسيج المجتمعي،. وتضر بالقيم العائلية. وتشجع على الطلاق. يرى بعض أعضاء الحزب أن الاتفاقية تروج للمثلية الجنسية من خلال مبدأ عدم التمييز على أساس التوجه الجنسي.
بينما قال مكتب أردوغان في بيان للمحكمة الإدارية التي كانت تنظر المسألة: “انسحاب بلادنا من الاتفاقية لن يؤدي إلى أي تقصير قانوني أو عملي في منع العنف ضد المرأة”.
وتحظر المادة الرابعة من الاتفاقية جميع أنواع التمييز حيث تنص على :”أنه يجب ضمان تنفيذ الأطراف المعنية لأحكام هذه الاتفاقية وخاصة حماية حقوق الضحايا ، وذلك بدون اي تمييز قائم على أساس النوع، أو الجنس، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو الميول الجنسي، أو الهوية الجنسانية، أو العمر، أو الحالة الصحية، أو الإعاقة، أو الحالة المدنية، أو الوضع كمهاجر أو لاجئ، أو غيره”.
وتعد اتفاقية أسطنبول، الأولى من نوعها التي تضع معايير ملزمة قانونا في نحو 30 بلدا لمنع العنف القائم على أساس الجنس. وتقضي أيضا بأنها تحرص على عدم اعتبار الثقافة أو العادات أو الدين أو التقاليد أو الشرف مبررا لأعمال العنف المشمولة بنطاق تطبيق هذه الاتفاقية.
وأثار انسحاب أردوغان غضب الشركاء الأوروبيين. إذ بعثت مفوضة مجلس أوروبا لحقوق الإنسان دونجا مياتوفيتش هذا الشهر برسالة إلى وزيري الداخلية والعدل في تركيا تعبر فيها عن القلق إزاء تصاعد أحاديث بعض المسؤولين عن الخوف من المثليين.
وقالت: “تعزز جميع الإجراءات التي نصت عليها اتفاقية إسطنبول الأسس والروابط الأسرية من خلال منع ومكافحة السبب الرئيسي لتدمير الأسر، ألا وهو العنف”.
أرقام العنف المتزايدة
يشهد المجتمع التركي ظاهرة من العنف ضد المرأة وتزايدت أرقامه خلال العقدين الأخيرين ليبلغ عدد القتلى بين النساء 300 امرأة في العام 2020 مقابل 22 في العام 2002. بحسب ما ورد في تقرير كشفه النائب المعارض سيزغين تانريكولو في الـ8 من مارس الماضي.
وبينما تعهد أردوغان بالعمل على تحسين ملف المرأة. يشير تقرير سيزغين، إلى أن أعداد الضحايا تجاوزت ال400 امرأة مقتولة في العام 2018 وبلغ 474 في العام 2019، ولا تأخذ هذه الأرقام بالاعتبار سوى الحالات المسجلة من قبل الشرطة.
كما أن مجموع النساء اللواتي لقين حتفهن بين 2002 و2020 بلغ 6732 امرأة ، في حين يشير التقرير إلى إنهن قُتلن على يد رجال مُقرَّبين إليهن بحيث أن الجاني كان إما زوجا أو زوجا سابقا أو حتى أخا أو أبا للضحية.
وأبرز التقرير نقص الآليات المتوفرة لحماية النساء المُعنَّفات في تركيا من مراكز للإيواء وغياب الاهتمام بشكاوى الضحايا أو رفض الدعاوى وعدم أخذها على محمل الجد وتساهل القضاة مع مرتكبي العنف الأسري.
ومن قبل انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي صور سيدة في ال25 من العمر تدعى عمرية. كانت جاثمة على الأرض. بينما كان زوجها السابق ينهال عليها بالضرب أمام ابنتهما في الخامسة من العمر. كما تزامن الحادث مع آخر في مدينة دينيزلي حيث لقيت فاطمة، 26 عاما، حتفها رميا برصاص بندقية صَوَّبها نحوها طَليقُها.
وكانت كل من عمرية وفاطمة أبلغتا الشرطة بتهديدات زوجيْهما السابقيْن ولكن دون جدوى. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن 38% من النساء في تركيا يتعرضن للعنف.
تركيا تتجاهل المطالب الدولية في ملف الحريات
بشكل عام يثير ملف الحريات شركاء تركيا الدوليين. خاصة في ظل اتخاذ الاسلامي أردوغان لبعض التدابير التي تجعل الامر محل جدل.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن انتقدت سياسات أردوغان بشأن الحريات ووصفتها بالقمعية.
بينما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية، أن واشنطن تواصل متابعة قضايا الحريات وحقوق الإنسان عن كثب.
وقالت:ما زلنا نشعر بقلق بالغ إزاء هذا، فهناك عدد من لوائح الاتهام الأخرى ضد المجتمع المدني والإعلاميين والسياسيين ورجال الأعمال في تركيا. هذا إلى جانب احتجازهم المطول قبل المحاكمة.
ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، استغل أردوغان الوضع في التضييق على الحريات، إذ تم إغلاق 189 وسيلة إعلامية واعتقل 319 صحفيا وفصل 151976 موظفا وجرى احتجاز 136995مدنيا بتهم غير معروفة.
وتشير الأرقام إلى أن 8573 أكاديميا فقدوا وظائفهم، وأغلقت 3003 جامعة ومدارس خاصة ومساكن طلابية، وفصل 44385 مدرسا من وزارة التعليم، واستبعد 6168 موظفا من وزارة العدل، وعزل 4634 قاضيا ومدعيا عاما إلى جانب 5210 محافظين وإداريين و24419 شرطيا من جهاز الأمن العام، وسرّح 10841 ضابط جيش.
مجتمع الميم
كما يعاني مجتمع الميم من عداء تيار أردوغان. ورغم غياب الأرقام الرسمية. فأن مرتبة تركيا تراجعت على مؤشر حقوق مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيا. الذي تنشره “الرابطة الدولية للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الجنس وحاملي صفات الجنسين”.
وحلّت العام الماضي في المرتبة 48 من 49 على قائمة الدول المدرجة على لائحة الرابطة لدول منطقة أوراسيا. وذلك في حين يعتبر محللون أن محاولات أردوغان في التضييق على الحريات الشخصية هدفها التغطية على مشاكل اقتصادية، وإسكات المعارضين من اليسار.
ويتهم معارضون أردوغان بالانقلاب على دستور الدولة الذي يقضي بعلمانيتها منذ المؤسس كمال أتاتورك. في حين تسيطر على بعض القوانين الصادرة عن تياره الصبغة الدينية المحافظة.
ولسنوات طمحت تركيا للحاق بركب الاتحاد الأوروبي، وخضعت لشروط قاسية من قبل أوروبا، ولكن خلال السنوات الاخيرة خفتت جهود أنقرة في هذا الاتجاه، حيث يحلم أردوغان كما يرى معارضيه بعودة الكرسي العثماني.