بدأت الحكومة المصرية تطبيق منظومة الحيازة الإلكترونية “كارت الفلاح الذكي” بجميع المحافظات. وهي الخطوة التي تستهدف ميكنة الخدمات الزراعية المقدمة للفلاحين، بهدف وصول الدعم لمستحقيه من المزارعين، ووقف التلاعب بكميات الأسمدة.
تفاصيل المنظومة
وتستهدف المنظومة توفير قاعدة بيانات قومية بكافة حيازات الأراضي الزراعية، وتحديد مساحة الأرضي الزراعية، وحجم الإنتاج. والحد من إهدار الدعم لأصحاب الحيازات الورقية، إضافة إلى دعم الفلاح بالمعلومات الإرشادية.
كما تهدف المنظومة إلى توفير قاعدة بيانات تسهل حصول الفلاحين على الحصص المخصصة لهم من الأسمدة والوقود. والقضاء على عمليات التلاعب بالحيازات، وحصر وميكنة المساحات والمحاصيل الزراعية، وتنظيم الدعم العيني من خلال تطبيقات صرف الكيماويات والأسمدة المدعومة.
كما تساعد المنظومة في التنبؤ باستهلاك المياه، ونوع ومساحة المحاصيل الزراعية، وتحسين سياسة تسعيرها، والحد من التعديات على الأراضي الزراعية الخصبة، والحيازات الوهمية، والقضاء على ظاهرة تسريب الدعم إلى بعض الوسطاء.
ورصدت الحكومة 357.5 مليون جنيه لدعم نظام الحيازة الإلكترونية، حتى يستفيد منه 7 ملايين مزارع، مقيدين ببطاقات ورقية. وتتعاون وزارات التخطيط والمالية والإنتاج الحربى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتطبيق المشروع.
من القروض إلى الدفع المسبق.. مزايا “كارت الفلاح الذكي”
يسمح الكارت الذكي بالحصول على معاش أو تأمين صحي للمزارع بموجب الكارت، بالإضافة إلى تيسير صرف مستحقات مالية للمزارعين من خلال ماكينات الصراف الآلي، وصرف قروض ميسرة للفلاح، وسداد السلف الزراعية الخاصة بالحيازة. كما يمكن استخدام الكارت كبطاقة مسبقة الدفع لخدمات الحكومة الإلكترونية، ويسمح بتسويق منتجات الفلاحين.
تراكمات سابقة
لكن المنظومة الجديدة تواجه عدة عقبات في التطبيق، منها مشاكل متراكمة منذ 50 عامًا، أدت إلى تدهور قطاع الزراعة. وتحتاج إلى عدد كبير من المشرفين والباحثين الزراعين بالجمعيات الزراعية للقيام بحصر شامل من المزارع. ومن ثم تسجيل أصحاب الحيازات على النظام الجديد لصرف الأسمدة، وهي عملة تحتاج إلى إدخال بيانات على “التابلت”، وهو مما تسبب في تأخر صرف المستحقات هذا الموسم. وفقًا لمحمد فرج رئيس الجمعية التعاونية بمركز الشهداء في محافظة المنوفية.
ويضيف فرج أنّ الجمعيات الزراعية تعاني نقصًا كبيرًا في الموظفين، حيث إن آخر دفعة جرى تعيينها منذ 36 سنة. فكل جمعية تعمل بموظف أو اثنين فقط.
وعانى قطاع الزراعة في مصر من مشاكل عديدة خلال الخمسين عامًا الأخيرة. منها سياسة تحرير الزراعة التي بدأت في عهد الرئيس السادات، حيث ترك الفلاح فريسة للسوق الحر. بالإضافة إلى عدم التخطيط الاستراتيجي للمحاصيل المهمة التي كان يعتمد عليها الاقتصاد المصري، مثل القطن وقصب السكر وضياع التركيبة المحصولية. وتراجع زراعة هذه الأنواع واستبدالها بأنواع أخرى أكثر ربحًا مثل الخضر والفاكهة.
ومن المشكلات المهمة التي تعاني منها قطاع الزراعة بمصر، تفتيت الحيازات، وغياب الدورة الزراعية والإرشاد، والدعم وضعف دور التعاونيات وفسادها. وسيطرة أعضاء مجالس إدارتها على الجمعيات الزراعية، وعملية التوزيع الأسمدة والمبيدات وهروبها من الجمعيات للسوق السوداء.
عقبات التطبيق
ويرى فرج أن المنظومة الجديدة لا يضيف شيئًا للمزارع، بسبب صعوبة التطبيق على الوضع الحالي. ولفت إلى أن أصحاب الحيازات التي آلات إليهم بالميراث لا يستطيعون صرف الأسمدة لأن الحيازة غير مسجلة باسمهم.
وينضم إليهم في المشكلة المؤجرين للأراضي الزراعية والمزارعون بنظام المساهمة بين المالك والفلاح. فهم لا يستطيعون صرف الأسمدة من الجمعيات حاليًا. بالتالي يذهب الدعم إلى المالك الذي يقوم باستلام السماد من الجمعيات الزراعية مخفضة السعر وبيعها في السوق السوداء بضعف ثمنها.
وأشار فرج إلى بعض المشكلات الأخرى التي تواجه تطبيق النظام الجديد بين الجمعيات الزراعية والبنك. وهو ما يتعلق بالحائزين كبار السن الذين لا يستطيعون الذهاب للجمعيات لتسلم حصصهم بأنفسهم بالكارت الجديد، فلا ينتفعون من المنظومة.
وأوضح أن الكارت الجديد فرض ضغطًا على الموظفين العاملين بالجمعيات الزراعية في عملية الاستلام والصرف؛ بسبب قلة عدد العاملين بالجمعيات. وتابع: “لم يتم تعيين مهندسين زراعيين منذ سنة 1985 حتي الآن”.
وتابع مستغربًا: “كل جمعية تعمل بموظف أو اثنين فقط، منوط بها إدخال البيانات على (التابلت) لكل صاحب بطاقة ورقية. ثم يقوم المشرف ورئيس الوحدة الزراعية بالمرور وعمل حصر وتصنيف على أرض الواقع من المزارع. ومن ثم تسجيل هذه المساحات بالأسماء لعدد المزارعين المشتركين في زراعة محصول معين خلال الموسم لبيان استحقاقه في صرف أسمدة المحصول”.
لذلك يرى فرج أن تلك العملية الطويلة والمعقدة أدت إلى تأخر صرف الأسمدة للمحاصيل الصيفية هذا الموسم، والإضرار بالمزارع.
وذكر فرج أن عيوب النظام الجديد ظهرت في ثلاث محافظات هي المنوفية والغربية وكفر الشيخ؛ بسبب كثرة عدد الحائزين. فعجزت المنظومة عن الوفاء باحتياجات المستحقين وتأخرت عملية الصرف.
وأردف: “أنا رئيس جمعية زراعية كان عندي 28 موظفا خرجوا جميعا للمعاش، ولم يتبق سوى ثلاثة يعملون بنفس المساحة الزراعية”.
احتياجات قبل الميكنة
وطالب فرج بإصلاح قطاع الزراعة ومعالجة عيوبه قبل ميكنة النظام وتحويله إلى نظام إلكتروني. من بينها ربط الإنتاج الزراعي بالتصنيع مثل ألمانيا التي تعتمد في اقتصادها على التصنيع الزراعي وخلق منافذ تسويقية للمنتجين. هذا فضلاً عن إقامة مصانع تخدم القطاع والتوسع في زراعة المحاصيل الاستراتجية.
وطالب فرج بعودة الدورة الزراعية للحد من إهدار مياه الري. وبيَّن أن اختلاف المحاصيل في الحوض الواحد يتطلب توافر المياه باستمرار في الترع؛ لأن لكل محصول موعدًا مختلفًا في عملية الري. لكن الأحواض المزروعة بمحاصيل موحدة تروي في أوقات واحدة؛ مما يقلل من هدر المياه.
أيضا طالب فرج بتطبيق المادة 29 من الدستور، التي تشترط تحقيق هامش ربح للفلاح والتخلي عن سياسة تحرير الزراعة. تلك التي تسببت في تراجع أهم قطاع كان يعتمد عليه الاقتصاد المصري وحماية المحاصيل الاستراتيجية وربطها بالتصنيع والتصدير كالبطاطس والقطن. والتوسع في إنتاج وزراعة المحاصيل الزيتية لتحقيق الاكتفاء منها في الزيوت والأعلاف لضمان استقرار السوق وكسر الاحتكار والاستيراد، لصالح مجموعة صغيرة من المنتفعين وتهميش آلاف بل ملايين الأيدي العاملة، التي تعيش على مهنة الزراعة وتحتاج إلى تحسين دخلهم ومستوى معيشتهم فلابد للدولة من التدخل لدعمهم.
ويعتقد فرج أن الدعم الحكومي المتمثل في شكارة الأسمدة أو الكارت الزكي، ضئيل للغاية. باعتبار أن المزارعين يعتمدون حاليًا على المياه الأرتوازية؛ بسبب قلة المياه.
وأضاف أن “البئر” الواحدة تتكلف ما بين 50 ألف إلى 100 ألف جنيه، ولا تقدم الدولة دعما. لكنها في المقابل تفرض غرامات على الآبار ووضع قيود عليها. كما تترك الفلاح فريسة للاستغلال في عملية شراء أصناف ضعيفة من التقاوي والمبيدات المغشوشة.
ولفتت إلى أن الجهات الحكومية لا تضع قيودًا على المساحات المزروعة بأيِّ محاصيل إلا الأرز فقط. وطالب بتعيين أساتذة الزراعة لاستخلاص بذور وتقاوي جيدة تناسب البيئة والمناخ المصري وصرفها عن طريق الجمعيات وفرض غرامات للمخالفين.
إصلاح القطاع التعاوني
وأكد عبد الفتاح شرارة أمين رابطة مياه الري بمحافظة الغربية ضرورة إصلاح القطاع التعاوني وتعديل قانون التعاونيات رقم 122 لسنة 1980 والمعدل بقانون 204. وأوضح أن هناك أعضاء ما زالوا في مجالس الإدارات منذ 50 سنة. لذلك طالب بقصر مدة اختيار الأعضاء على دورتين فقط للقضاء على مجموعات المصالح داخل القطاع التعاوني.
وقال إن الاتحاد التعاوني المركزي حصل على قطعة أرض بالعين السخنة لعمل مصنع أسمدة وحتي الآن المشروع معطل. ويعتقد أن الأمر “يشوبه الفساد” باعتبار أن الجمعية العامة للائتمان تتعاقد على السماد وتحوّله للجمعيات المركزية ومن ثم للجمعيات المحلية. وتابع: “سوف تفقد هذه الحلقة من المنتفعين مكسبها من الأسمدة”.
وطالب شرارة- قبل ميكنة الدعم وتحويله إلى إلكتروني- بوقف ما اعتبره “عشوائية الزراعة، وتوفير البذور والسلالات المستوردة”. بالإضافة إلى “وعودة الدورة الزراعية، وتحديد المحاصيل التي تحتاجها الدولة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإيجاد بدائل لمياه الري غير مياه النيل”.
وتطرق إلى نقطة أخرى تتعلق بحصر المزراعين الفعليين وليس مالكي الحيازة الزراعية، لضمان وصول الدعم لمستحقيه والقضاء على السوق السوداء. بالإضافة إلى عمل مجمعات تابعة للجمعيات لتسليم المحاصيل من المزارعين ووضع أسعار مناسبة مع تكلفة الإنتاج لدفع القطاع للتعافي.
نقص الأسمدة
من جانبه أكد نقيب الفلاحين صدام أبو حسين أن نقص الأسمدة المدعمة يهدد المحاصيل الصيفية ويزيد الأعباء على المزارعين. ولفت إلى أن حصص الأسمدة الصيفية لم تصرف كاملة حتى اليوم في معظم الجمعيات الزراعية على مستوى الجمهورية.
وأضاف عبد الرحمن أن أغلب المزارعين يجبرون على شراء الأسمدة من السوق السوداء بأسعار مضاعفة. وطالب الحكومة بسرعة توريد باقي الحصص المدعمة للجمعيات قبل فوات الأوان ليتمكن الفلاحين من تسميد مزروعاتهم في الوقت المناسب.
وقال إن أزمة نقص الأسمدة تتفاقم في محافظات الصعيد: “أسوان وقنا والأقصر وسوهاج والمنيا”؛ بسبب حاجة محصول القصب للتسميد حاليًا.
وأوضح أن عددًا كبيرًا من مزارعي القصب في مركز أبوتشت بمحافظة قنا، قدموا شكوى لعدم وصول الأسمدة الصيفية لكافة الجمعيات. وأن التأخر سيضر بما يقارب 30 ألف فدان مزروعة بمحصول القصب.