تستعد مدينة أور التاريخية، في محافظة ذي قار جنوبي العراق، لاستقبال أكبر رحلة حج، تضم 13 ألف مسيحي. وذلك إلى المدينة التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم.
وبحسب وسائل إعلام عراقية، فإن الوفود قادمة من بلدان غربية، وبمثابة إعادة تعريف للعراق بعد الفوضى التي غرق فيها مؤخرًا. ومن ثم إعادة الاستقرار وبسط القوات العراقية سيطرتها الأمنية على الأراضي.
زيارة بابا الفاتيكان التاريخية.. “من هنا بدأ الإيمان”
وخلال زيارة تاريخية لبابا الفاتيكان فرانسيس إلى العراق، مارس الماضي، وإقامته صلاة موحدة بين الأديان في المدينة، جرى تسليط الضوء على مدينة أور ومواقعها الدينية.
خلال الزيارة، التي استمرت 4 أيام، تواجد فرانسيس في 5 محافظات عراقية، هي “بغداد والنجف وذي قار وأربيل ونينوي”. والتقى الرئيس العراقي برهم صالح، ثم توجه إلى المرجع الديني علي السيستاني. كما حضر لقاء في سهل أور لعدد من القيادات الدينية من مختلف الأديان.
https://twitter.com/MosulEye/status/1367229423909564416?s=20
بعد ذلك أقام “قداس” في كاتدرائية القديس يوسف الكلدانية، وتوجه في أعقابها إلى مدينة أربيل. ثم إلى الموصل، حيث صلى صلاة حق الاقتراع لمتضرري الحرب في حوش البياع (ساحة الكنيسة). واختتم زيارته في مدينة أربيل وإقامة قداس في ملعب “فرانسو الحريري”.
وقال البابا، خلال الصلاة: “من هذا المكان. من هنا بدأ الإيمان والتوحيد. أرض أبينا إبراهيم”. لذلك مثلت تلك الزيارة حالة زخم كبيرة على الصعيد الدولي، وكانت بمثابة جواز سفر، وتأكيد حالة الأمن والاستقرار في الأراضي العراقية.
في ذلك الوقت بعث البابا فرانسيس، رسالة إلى العالم، شدد خلالها على أن زيارته إلى العراق هي حج. حيث يقصد أرضًا تعدها الأديان السماوية “مقدّسة”، فضلاً عن كونها شهدت عبور عدد من الأنبياء أبرزهم النبي إبراهيم.
منظمة مسيحية دولية تدعم الحج
في أعقاب زيارة البابا فرانسيس، أعلنت منظمة بريسيكيوشين المسيحية تنظيم الكنيسة السيريانية الكاثوليكية رحلة حج للمسيحيين إلى مدينة أور التاريخية.
وجاء في بيان للمنظمة أن الهدف من فتح الباب أمام الحجاج المسيحيين هو تشجيع عودة رحلات الحج المسيحية إلى العراق. ولفت إلى أن عشرات الكنائس المسيحية سيتم تمثيلها في التجمع المسيحي بمدينة أور.
وأشارت إلى أن مدينة أور الكلدانية، هي المدينة التوراتية التي بدأ منها النبي إبراهيم رحلته إلى الأرض الموعودة. وأضافت المنظمة أنهم يأملون في الحصول على دعم من الهيئات الدولية لمساعدتهم في تدشين البنى التحتية لمدينة أور حتى تكون وجهة حج مسيحية.
وشهد أعداد مسيحيي العراق تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، لا سيما مع ظهور تنظيم داعش. الذي دفع عائلات إلى الهجرة القسرية خارج العراق.
ولم يبق في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليونا. بعدما كان عددهم 1.5 مليون عام 2003 قبل الغزو الأمريكي للعراق.
أهمية “أور” الدينية
تقع مدينة أور في محافظة ذي قار جنوب العراق، على بعد 17 كيلومترًا من مدينة الناصرية عاصمة المحافظة. وتعد واحدة من المدن السومرية التاريخية الأربعة الموجودة في المحافظة وهي مدن: “إريدو وجيرسو ولجش”.
وتحظى أور بأهمية تاريخية؛ باعتبارها كانت عاصمة السومريين. وتتموضع المدينة حاليًا ضمن منطقة نائية في الضفة الجنوبية لنهر الفرات. وفي السابق كانت تقع على مصب نهر الفرات على الساحل الجنوبي للعراق، لكن مع امتداد التاريخ وتغير التضاريس تحولت إلى منطقة نائية.
وتكتسب المدينة أهميتها الدينية لذكرها في الكتاب المقدس، بالإشارة إلى أن مدينة يطلق عليها اسم “أور” هي مسقط رأس النبي إبراهيم، أب الديانات الثلاث – اليهودية والمسيحية والإسلام-. ويعتقد أنه عاش في الألفية الثانية قبل الميلاد.
ويقال إنه خلال أعمال التنقيب التي قام بها المستكشف ليونارد وولي في أوائل القرن العشرين، عثر على ختم أسطواني، في المجمع المجاور لمعبد زقورة يحمل اسم النبي إبراهيم. وعلى إثره، زاد الاعتقاد بأن المجمع يعود تاريخه إلى سنة 1900 قبل الميلاد. ولم يكن سوى منزل النبي إبراهيم.
استعدادات وآمال اقتصادية
وبدأت الحكومة العراقية بالتنسيق مع مفتشية الآثار في المدينة التاريخية، اتخاذ خطوات لرفع البنية التحتية وتهية المدينة وتأهيلها. من أجل استقبال الحشود المسيحية خلال الفترة المقبلة.
وجرى تطوير الطرق المؤدية إلى المناطق الأثرية المحيطة، بالتوازي مع وضع اللبنة الأولى لإنشاء مرافق خدمية “فنادق ومولات ومتنزهات”.
وخلال زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى الفاتكيان اتفق مع عدد من القيادات والكوادر المسيحية على فتح أبواب مدينة أور أمام الحجاج المسيحيين. وفق عامر عبد الرزاق، مدير مفتشية آثار وتراث ذي قار.
وبحسب عبدالرازق من المقرر أن تضم رحلة الحج نحو 13 ألف حاج، وتمهد لرحلات حج مسيحية بشكل دوري ودائم. ولفت إلى أن الرحلات ستكون لها أهمية ودور كبير في إنعاش السياحة بالمحافظة.
ورغم أن العراق أحد أقدم الحضارات في العالم، إلا أن العديد من قطاعاته السياحة شبه مشلولة. فيما يبقى الاعتماد الأول على السياحة الدينية التي تشهد قدوم زوار من دول المنطقة إلى المراقد الدينية.
وقدّرت لجنة الاقتصاد والاستثمار بالبرلمان خسائر القطاع السياحي في العراق خلال العامين الماضيين بـ3 مليارات دولار.