حركت أزمة الطفلين “رشد وليان” المصابين بمرض ضمور العضلات، الجهات الحكومية ووسائل الإعلام لتسليط الضوء على هذا المرض. ومن ثم إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرة لعلاج المصابين حديثي الولادة على نفقة الدولة، وهو ما يعتبر “بارقة أمل” لتخفيف الأوجاع والعثرات.

وأعلن السيسي، الأربعاء، أن الدولة ستتحمل تكلفة علاج مرض الضمور العضلي لحديثي الولادة، والتي تبلغ 3 ملايين دولار لكل طفل. وقال المتحدث باسم وزارة الصحة إن الوزارة ستبدأ بتقييم أول 10 حالات الأسبوع المقبل فى 3 مستشفيات بالقاهرة.

وتعاني أسر عديدة من تجارب قاسية مع المرض. فهذه أماني تقف على باب التأمين الصحي في أمل الحصول على تحويل لإجراء تحليل الطفرات الجينية لطفلها صاحب الـ١١ شهرًا.

أما أميرة، فبدأت رحلتها منذ ولادة طفلها، الذي احتجز ٩ أيام بالحضانة، لتخرج محملة بنصيحة بضرورة زيارة دكتور مناعة وراثية. من هناك تسير في طريق طويل تعثرت خلاله مرات. فتقول:” ابني لا يتحرك ولا يستطع التنفس بطريقة جيدة، وأجريت رسم عصب وأخبرني الدكتور بأنه بخير ووصف له فيتامينات ومنشط عام”.

علم الطبيب بما تخفيه حالة “عمر”، ولكنه لم يخبر الأم وزوجها اللذين تربطهما صلة قرابة. طالب الطبيب منهم إجراء تحليل جينات، ولكنه لم يكن حاسمًا إجابة صحيحة، ليخبرها مجددا “مسألة وقت وسيكون بخير”.

عندما كانت الأم تسمع معلومات عن علاج طفلها “عمر” سواء بعدم توافره أو ثمنه الباهظ. وصل إلى مسامعها إعلان الرئيس السيسي عن توفير علاج لمرضى ضمور العضلات؛ فيبدأ الكابوس في التفكك.

تقول: “زوجي اضطر لبيع التوك توك مصدر رزقه للسفر لتوفير علاج عمر الذي كلفنا الكثير لإجراء الكشوفات والتحاليل. تحليل الجينات كلفني ٥ آلاف جنيه وحاليا مطلوب أعمل تحليل الطفرات بـ30 ألف جنيه”.

تبرعات عامة

تبرعات مادية لجأت إليها أسر الأطفال المصابين لإنقاذ حياتهم، وإنشاء حسابات خاصة للتبرع بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعي. نجحت بالفعل في جمع علاج للطفل رشيد، والأمر نفسه بالنسبة للطفلة ليان.

وجاءت مبادرة السيسي على هامش تفقده الآلات والمعدات المشاركة في مبادرة تطوير الريف المصري “حياة كريمة”. وقتها أشار الاهتمام بعلاج مرضى ضمور العضلات من الأطفال حديثي الولادة.

204 حالة مصابة من الأطفال بمرض الضمور العضلي، هو العدد المسجل لدى وزارة الصحة على مدار السنوات السابقة حتى الآن. طبقا لتصريحات وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، منها 57 حالة تحت سن السنتين، و32 حالة تستدعي العلاج على الفور.

ما هو مرض الضمور العضلي؟

الضمور العضلي هو مرض وراثي يصيب الأعصاب التي تظهر من الحبل الشوكي الموجود في العمود الفقري. كما أنه مرض تنكسي، وتميل الأعراض إلى التفاقم بمرور الوقت. مع العلم أن العديد من التغييرات ليست أعراضًا صارمة للضمور العضلي الشوكي، بل هي مضاعفات لضعف العضلات الناتج.

المعهد الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية يصنف SMA إلى 4 أنواع رئيسية تختلف من حيث متى تبدأ الأعراض في الظهور، وكيف تؤثر على متوسط العمر المتوقع ونوعية الحياة.

النوع الأول يؤثر على الوظيفة الجسدية، ولكن ليس بالضرورة القدرة الفكرية، وهو حالة خطيرة تظهر عادة قبل سن 6 أشهر. وقد يولد الطفل بمشاكل في التنفس، والتي يمكن أن تكون قاتلة في غضون عام دون علاج.

بينما تظهر أعراض الضمور من النوع الثاني عادة في عمر 6-18 شهرا. إذ قد يتعلم الرضيع الجلوس، لكنه لن يكون قادرًا على الوقوف أو المشي. ويعيش معظم المصابين بالنوع الثاني من ضمور العضلات الشوكي حتى فترة المراهقة أو الشباب.

أما النوع الثالث أو ما يعرف بمرض Kugelberg-Welander بعد سن 18 شهرا. وقد يعاني الفرد من الجنف أو التقلصات، وهو قصر في العضلات أو الأوتار؛ ما قد يمنع المفاصل من الحركة بحرية. ويبدأ النوع الرابع وهو نادر الحدوث، بعد سن 21 سنة حيث يصاب الشخص بضعف قريب من الخفيف إلى المتوسط. ما يعني أن الحالة تؤثر على العضلات الأقرب إلى مركز الجسم.

من أين تتوفر ميزانية العلاج؟

يحتاج علاج الحالات المسجلة البالغة 204 حالة حوالي 612 مليون دلار، باعتبار أن علاج الحالة الواحدة يتكلف 3 ملايين دولار.

وستبدأ الدولة بأول 10 حالات بواقع 30 مليون دولار (450 مليون جنيه)، أعلن الرئيسي السيسي تخصيصها من موارد الدولة. لكنه طالب “المنظمات وكل من له قلب بالتبرع لصندوق تحيا مصر”.

وشكلت وزارة الصحة لجنة قومية لتقييم الحالات التى تعاني من الضمور العضلات من أجل دراسة كل حالة وتحديد العلاج. مع والبدء الأسبوع المقبل في 3 مستشفيات، هي: معهد ناصر ومستشفى العلاج للقوات المسلحة وعين شمس.

من صندوق تحيا مصر إلى التفاوض مع شركات الأدوية المنتجة للعلاج، تلك الآليات التي حددتها وزارة الصحة لتوفير الدواء. وتقول الوزيرة إن التفاوض مر بصعوبة شديدة وتمت الاستجابه بعد اهتمام الرئيس. وجرى التوقيع في وجود هيئة الدواء وهيئة الشراء وصندوق تحيا مصر لعلاج الحالات بشكل عاجل.

كما أوجدت الوزارة آلية مستدامة بافتتاح حساب خاص بصندوق تحيا مصر لاستمرار توفير العلاج للمرضى.

حصر غير دقيق

ويقول محمود فؤاد مدير المركز المصري للحق في الدواء إن عدد حالات الضمور بشكل عام يفوق النصف مليون. وقال إن وزيرة الصحة ذكرت عدد مرض الضمور الشوكي وهم 204 فقط. وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية كشفت أن من بين 3000 شخص، هناك 3 حالات مصابون بالضمور.

وتصل أنواع أمراض الضمور العضلي إلى 25 نوعاً، وتؤدب بعضها إلى الوفاة. ويضيف فؤاد أن 4 حالات توفوا من هؤلاء المرضى، بالإضافة إلى أن تكلفة العلاج تتراوح بين 36 مليون إلى 14 مليون جنيه.

وأشار فؤاد لـ “مصر 360” إلى أن حالات المصابة تخشى الإعلان لاعتبار المرض وراثي. ولذلك إحصائيات وزارة الصحة غير دقيقة، وللتوصل إلى تلك الإحصائيات نحتاج إلى رفع الوعي المجتمعي بتوفر العلاج.

وعن أسباب عدم وجود حصر دقيق، يقول إن معرفة الأطباء بتكلفة العلاج الباهظة والتي تفوق استيعاب الأسر لتغطيتها، تدفع بعض الأطباء إلى عدم الإفصاح عن حقيقة الإصابة بإعطاء الأودية المسكنة فقط.

تفاصيل العلاج

وتشير الدكتورة ناجية فهمي، أستاذ أمراض الأعصاب والضمور بجامعة عين شمس، إلى أن حالات النوعين الأول والثاني من الضمور الشوكي يصلان للوفاة الحتمية. وتقول إن العلاج تمت الموافقه عليه في الولايات المتحدة، ومتوافر ببلدان اليابان والكويت وقطر.

وعن سبب ارتفاع أسعار العلاج أو الحقنة التي تعطى للطفل قبل عمر سنتين، تقول فهمي إن ذلك يرجع إلى كونه أول علاج جيني مصنع يتم تناوله عن طريق الوريد. وأوضحت أن الحالات المصابة في مصر مرتفعة مقارنة بباقي الدول.

وأشارت إلى أن أعداد الحالات تمسح بالتفاوض مع الشركة المنتجة، والتي قبلت المفاوضات مع مصر لتوفر العلاج. ومن المرجح أن يكون السعر أقل وتقسيمه إلى 5 أو 7 نوات خاصة. وقالت إن سعر العلاج في اليابان جرى تخفيضه لمليون ونصف المليون دولار.

ولفتت فهمي إلى عدم وجود حصر قومي بسبب عدم إجراء كافة الأطفال التحليل الجيني، والذي يتكلف حوالي من 5 إلى 6 آلاف جنيه. وأوضحت أن الجمعية العامة لمرضى ضمور العضلات حصرت 200 طفل على مدار 3 سنوات، يحتاج فقط 20 طفلا للعلاج الجيني. والآخرين سيتلقون العلاجات المعدلة للجين للنوع الثاني والثالث.

تعود مسيرة المطالبة بعلاج حالات الضمور العضلي إلى عام 2017، حين أعلن مدير مركز الحق في العلاج أن العلاج يحتاج ميزانية ضخمة، لأن مريض الضمور يحتاج كل 6 أشهر لإجراء إشاعات وتحاليل. بجانب أن 80% لا يقدرون على الوفاء بتلك التكاليف. وكان أطباء يأتون من اليابان للكشف على هؤلاء وإعطائهم أدوية محفزة للمناعة.

ويحتاج الطفل إلى 3 عبوات خلال الشهر، حجم الواحد 60 ملي، بسعر 17 ألف دولار. لذلك يحتاج الفرد خلال الشهر إلى 55 ألف دولار. وهو ما لا تستطيع الأسرة تغطيته على مدار العام.

الأمراض الوراثية

ولسرعة تلقي العلاج، قررت وزارة الصحة شراء كواشف لاكتشاف 19 نوعا من الأمراض الوراثية والجينية للطفل. وسيتم بدء حملة الكشف الشهر المقبل، وفقا لوزيرة الصحة.

وأشار محمود فؤاد إلى أن فتح ملف الأمراض الوراثية مؤشر جيد. وتابع: “لدينا أكثر من 6 مليارات دولار للأدوية المستوردة لعلاج الأمراض الوراثية”. وأوضحت أن تطور تحاليل “الشفرات الوراثية” سيعمل على احتمالية تقليص المرض خلال 6 سنوات.

وأكد إمكانية إدراج علاج الضمور العضلي على منظومة التأمين الصحي، خاصة أن 56% من المواطنين يدفعون جزءا من رواتبهم للتأمين. لكن 20% فقط يستخدمون التأمين.

الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات، عددت مجموعة من المطالب، أولها إنشاء مستشفي قومية لمرضي ضمور العضلات. وإحياء اقتراح وزير الصحة السابق بتخصيص معهد شلل الأطفال وتجهيزه بميزانية 70 مليون جنيه.

كما طالبت بعمل وحدات لضمور العضلات بالمحافظات والمستشفيات الجامعية، بالتعاون مع منظومة التأمين الصحي الجديد. وتجهيز مراكز صغيرة تضم عدة تخصصات مطلوبة لرعاية مريض ضمور العضلات؛ لأنه يحتاج لأكثر من 6 تخصصات بجانب توفير العلاج المائي والطبيعي .

وأشارت الجمعية إلى ضرورة تحليل الجينات على نفقة الدولة بالمركز القومي للبحوث، وبالتعاون مع وحدة العضلات بجامعة عين شمس. بالإضافة إلى تطوير وحدة كشف تحاليل ما قبل الزواج للحد من ظهور الأمراض الوراثية، والتي خلفت حوالي 7 ملايين معاق.

وأشارت رئيسة مركز إدارة الجمعية شريفة مطاوع إلى أن الجمعية سجلت حالات الضمور بأنواعها. وذلك في استمارة إلكترونية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي، وبلغت عدد الحالات حوالي 4 آلاف.

وأشارت إلى أن تجاوز الأعداد الرقم الذي أعلنته وزيرة الصحة بسبب أن مرض ضمور العضلات يشمل أكثر من 65 نوعا. ولكن من توفر له علاج حتى الوقت الحالي هو نوع الضمورالشوكي والدوشين، وهو الذي يظهر على الأطفال بداية من عمر 3 سنوات ويستطيع الحركة حتى 12 عاما.