يثير سماع  اسم “القاعدة”، مشاعر الخوف، وتدور في المخيلة سلسلة أعمال العنف والوحشية في التعامل مع الضحايا ومن يتم استهدافهم.

لن نقف طويلا في هذا التقرير على الحركة الأم التي اتخذت من أفغانستان موطنا لها، ومنها انطلقت إلى مختلف أنحاء العالم ولكننا قد نستعرض عدد من أهدافه ونحن بصدد التعرف على فروعها في القارة الأفريقية من خلال عدد من الجماعات المنتشرة التي تأتي “قاعدة بلاد المغرب الإسلامي” في مقدمتها.

وتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” حاول تكييف طابعه الخاص “الوحشي” وأهدافه المحلية مع التوجه الأممي للجماعة الأم في محاولة منه إلى تحقيق الاتجاهين معاً. وهو ما أصابه بحالة الضعف الأخيرة التي لم تمكنه من جذب السكان المحليين لأفكاره الأممية وطموحاته التي تفوق حدود دولته التي أثرت على الاقتصاد الداخلي فبات منبوذا.

إعلان دموي “مشفر”

أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن اختيار قائدا جديداً في نوفمبر 2020. هو يزيد مبارك المعروف بـ”أبو عبيدة العنابي”، ليعيد هذا القرار صدارة اسم التنظيم مرة أخرى على الساحة الدولية بعد الخفوت النسبي له.

وكعادة “القاعدة” لم تصدر قرارها مجرداً من رفقة رسالة ترهيب مشفرة من خلال عرض جثة  نسبها لرئيسه الروحي “عبد المالك دروكدال” الذي قتل على يد القوات الفرنسية في شمال مالي.

أبوعبيدة العنابي القائد الجديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب
أبوعبيدة العنابي القائد الجديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب

ورد “العنابي” في نفس الفيديو عن إعدام السيدة “بياتريس ستوكلي“، التي احتجزت وعرض لها فيديو تتحدث بالفرنسية لإثبات أنها على قيد الحياة في وقت سابق على الإعدام، وهي ذات أصول سويسرية.

واعتبر مراقبون أن الإعلان الجديد يشكل إنذار ضمني بتصاعد العمل المسلح في المنطقة خلال الفترة المقبلة. فتنظيم القاعدة بكل فروعه اعتاد الانتقام الوحشي لمقتل قادته ولا يظن الكثيرين أن يقف الأمر عند قتل “ستوكلي”.

وعرضت الولايات المتحدة الأميركية في يونيو الماضي. مكافأة تقدر بنحو 7 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لاعتقال العنابي. في محاولة منها للتخلص منه قبل إعادته تنظيم صفوف الجماعة بعد مقتل أميرها على يد القوات الفرنسية.

القائد الجديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب

تلقى رئيس التنظيم الجديد تدريباته مطلع التسعينات في أفغانستان. وبعدها التحق بالجيش الإسلامي لإنقاذ الجزائر بصحبة “دروكدال”. وقام كلاهما بالإعلان عن تأسيس “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”. التي قامت بعد ذلك بمبايعة أسامة بن لادن وتحولت لجماعة “القاعدة” في بلاد المغرب الإسلامي.

وتمكن الجيش الجزائري من توجيه عدد من الضربات القوية للتنظيم الإسلامي هناك. وألقى القبض على عدد من قياداته ففر “أبو عبيدة”. إلى مالي عبر تونس، بينما بقي رفيقه “دروكدال” في منطقة القبائل في شمال الجزائر.

وفي عام 2013  شارك “أبو عبيدة العنابي” في الهجوم على عين أميناس لضرب منشأة غازية هناك. وهي واحدة من العمليات الكبرى التي تم احتجاز نحو 700 شخص فيها من عدة جنسيات وانتهت بقتل العشرات منهم.

القائمة السوداء للإرهاب

وقامت وزارة الخارجية الأميركية في عام 2015 بإدراجه على قائمتها السوداء للإرهاب. واعتبرت أنه إرهابي عالمي له تصنيف خاص.

وأدرجته الأمم المتحدة خلال عام 2016 على قوائم الإرهاب بعد إعلانه الولاء لتنظيم القاعدة في أفغانستان ومشاركته في أعمال العنف التابعة لها في التنظيم الذي تم اعلانه في بلاد المغرب الإسلامي.

وصدرت بشأنه عدد من مذكرات الاعتقال الدولية على خلفية أعماله الارهابية. كما تم الحكم عليه من القضاء الجزائري بالإعدام في فبراير 2017 غيابياً نتيجة نفس الأعمال الإجرامية.

وحاول “أبو عبيدة العنابي” خلال عام 2019 تحسين صورته بالظهور في عدد من المقطع حاملا رسائل تكاد تكون “لطيفة” مقارنة برسائله الإرهابية الاجرامية. وتحدث كأنه واحد من المتظاهرين الجزائريين ضد نظام الحكم الجبري.

الأيديولوجيا والتأسيس

في 24 يناير 2007، بايع التنظيم  تنظيم القاعدة الأم في أفغانستان. وتم الإعلان الرسمي عن تحول “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” لتكون أحد أذرع “القاعدة” في المغرب.

وهذه المبايعة أيضاً كانت بالتزامن مع نشاط واسع للعمليات الإرهابية في المنطقة. التي كان على رأسها مهاجمة محيط قصر الحكومة الذي أسفر عن مقتل نحو 20 شخص وإصابة أكثر من 100 آخرين.

وأعلن التنظيم عن أهدافه العامة آنذاك التي تنوعت بين ما هو محلي وما هو أممي ليصبح هدفه الأكبر هو إقامة دولة كبرى تحتكم للشريعة الاسلامية.

وتعتبر الجزائر هي منطقة وجود ونفوذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ولكنه النفوذ يمتد إلى جنوب الصحراء. وينقسم لثلاث إمارات مكونة من 12 كتيبة كإرث عن “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، ويعد هذا أحد المعوقات التي حالت دون مركزية التنظيم.

محاولة اعتلاء موجة الثورة الجزائرية

أصدر “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بيان في مطلع العام الجاري تحدث خلاله عن الثورة الجزائرية. ودور الجهاد في الأحداث الجزائرية السياسية.

وطالب الشعب بالتحرك للحصول على “الحرية”، وتم إلحاقه ببيان آخر لنفي وجود أية محادثات مع أي حزب سياسي في الجزائر أو خارجها.

وواجه تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عدد من الهجمات التي أنهكته عسكرياً في عام 2018. وفي مقدمتها التحالف الفرنسي مع قوات مالي ومهاجمته في “موبتي” ما أسفر عن مقتل 30 مسلحا منهم “أمادو كوفا” القيادي الثاني في تحالف “نصرة الإسلام والمسلمين”، المكونة من الأجنحة الرئيسية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

ثورة الجزائر
ثورة الجزائر

وعملت القوات الدولية على محاصرة تنظيم القاعدة ومختلف فروعه في الدول المحيطة وحرمانه بشتى الطرق من الموارد اللازمة لتنفيذ عملياته الإجرامية. وكان منها إعلان وزارة الخارجية الأميركية في سبتمبر 2018 عن إدراج “نصرة الاسلام والمسلمين” على قائمة المنظمات الإرهابية.

التنظيم يحاول التفوق على أقرانه

علا نجم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الفترة السابقة على عام 2018. وراح يسعى نحو تأكيد نفوذه على غيره من التنظيمات الإسلامية المنتشرة باعتباره الأبرز بين تابعي “القاعدة” الأم.

وعمل التنظيم على التوجه نحو العمليات الإرهابية المتميزة والنوعية التي تلفت أنظار العالم أجمع.

وحاول التنظيم العمل في السنوات الأخيرة على إيجاد مساحة  للهيمنة أو فرض قوته ونفوذه في محاولة لإظهار تأثير على الجماعات والتنظيمات الإرهابية الأخرى والتأثير عليها وضمان ولائها.

وعمل التنظيم على تخفيف وطأة الضغط الدولي الممارس على التنظيمات الاسلامية. وتدمير قواعده في أغلب مساحات الساحل والصحراء. من خلال توحيد الفصائل المتناحرة وتجميعهم قدر الممكن تحت راية واحدة في محاولة لتقويتهم وضمان تماسك قوامهم في مواجهة الهجمات العسكرية التي يتعرضون لها بشكل متواصل.

وأعلن أنه يتواصل مع الفصائل الإرهابية في دول الأزمات مستغلا ضعف التنظيمات المنافسة ومنها “داعش”.

تنظيمات منافسة

تحتوي بلاد المغرب الإسلامي على عدد من التنظيمات المتنوعة فكرياً. وارتبط العديد منها بعلاقات قوية مع “القاعدة” إلا أنها آثرت عدم الولاء المطلق لها لعدد من الأسباب أهمها خوفها من الذوبان داخل التنظيم الأم. الذي اعتمد على مبدأ السمع والطاعة. كما أنها قد تضطر الى القيام بعمليات ضد مصالحها في المنطقة.

ومن ينضم لتنظيم القاعدة الأم عليه عدد من الالتزامات الهامة التي قد تحرم التنظيمات المصنفة بـ”الشراسة” من اتباع النهج الذي آثرته لنفسها سواء في تنفيذ عملياتها أو التحرك لتحقيق أهدافها المحلية. كما أن هناك عدد من الجماعات قررت رفع أسماء فضفاضة للحصول على الدعم كـ “أنصار الشريعة ونصرة الاسلام” وغيرها من الأسماء الجاذبة، وآثر الكثير منهم الهرب من عباءة “القاعدة” وذلك حتى لا يكونوا هدف العمليات العسكرية الدولية والإقليمية بعد القضاء على “داعش”.

تحالفات

وواحد من تلك التحالفات القوية في بلاد المغرب الإسلامي. كان تنظيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الذي  تأسس عام 2017. وقد تم تشكيله من 4 تنظيمات وصفت بـ”المتطرفة” والكثير منها عرقي. وهو تنظيم قرر أن يفتح المجال للمختلفين أيديولوجياً حتى يتحالفوا من أجل تقوية قواعدهم في المناطق التي يرغبون في السيطرة عليها ومنهم عرقية الفولاني والطوارق لذلك فهو يصنف بامتلاك أسس تنظيمية أوسع من “القاعدة”.

وهناك عدد من الجماعات منها “أنصار الإسلام” في بوركينا فاسو. و”عقبة ابن نافع والفتح المبين” في تونس. وجميعها قريبة إلى حد كبير من تنظيم القاعدة. الذي قرر ألا يعمل على التمدد والسيطرة على التنظيمات القائمة بقدر رغبته في العمل على الحد من قوة “داعش” في المنطقة.

يذكر أن الكثير من التنظيمات التي تشكلت في منطقة الساحل والصحراء لها انتماء قبلي أو عرقي. وأهدافها تعلي من سيطرة هذا الانتماء على حساب غيره

يذكر أن الكثير من التنظيمات التي تشكلت في منطقة الساحل والصحراء لها انتماء قبلي أو عرقي وأهدافها تعلي من سيطرة هذا الانتماء على حساب غيره، والانتماء لـ “القاعدة” يجعل تلك الأهداف أقرب للتبخر ويجعلها بعيدة عن المدد العددي الممكن في هذا الصدد.

قاعدة بلاد المغرب و”داعش”

منذ انتشار تنظيم “داعش” في شمال العراق عام 2014. ونفوذ التنظيمات الأخرى في تراجع مستمر ومنها “قاعدة بلاد المغرب الإسلامي”. وبعد تضييق المجتمع الدولي والإقليمي النطاق عليه واستهدافه في عدد من العمليات العسكرية جاء وقت استعادة النفوذ مرة أخرى.

وقامت عدد من التنظيمات المسلحة الصغيرة بالانضمام إلى “داعش” خاصة في الجزائر وشمال افريقيا. خاصة تلك التي تعاني من الضغوط الأن نتيجة الحصار الدولي والإقليمي المفروض على التنظيم. وغيره من الجماعات للحد من وجودها بالمنطقة،

واستخدمت الجماعات في المنطقة مبدأ “الدفاع المسبق”. في محاولة منها للتقليل من تداعيات الحصار المفروض على التنظيمات في المنطقة. وتعي تلك التنظيمات جيداً خطورة إضعاف “داعش”.

وتصدرت “قاعدة بلاد المغرب الإسلامي” المشهد وبدأت في عقد مجموعة من التحالفات مع الجماعات المسلحة في المنطقة لتقوية الجبهة الداخلية والتمكن من القيام بعمليات عسكرية متنوعة في ذات الوقت. ما قد يشكل تهديدا حقيقيا أو رد قوي في حال توسيع رقعة الحصار عليهم المتوقع مستقبلاً.