تحاول الحكومة وضع حلولًا نهائية لأزمة العشوائيات في العاصمة والمحافظات، إذ وضعت حلولًا عملية من خلال تمويل مفتوح ومبادرات رئاسية كـ”حياة كريمة“. الحكومة أدركت أن حل الأزمة له مردود اقتصادي، ليس فقط تطوير وتحسين حياة المواطنين، بل إن التطوير سيكون له مردود إيجابي بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصري.

أنفقت وزارة الإسكان على تطوير العشوائيات خلال السنوات السبع الأخيرة نحو 23.9 مليار جنيه. خصصت لتنفيذ 195.2 ألف وحدة في 316 منطقة غير آمنة تم تطويرها. بينما يجري حاليًا تنفيذ 50778 وحدة أخرى في 41 منطقة بتكلفة 15.7 مليار جنيه.

العشوائيات.. متى ظهرت وكيف تحولت لمشكلة مزمنة؟

تسعى الحكومة حاليًا لقضاء كامل على ظاهرة العشوائيات بمصر التي يعود تاريخ ظهورها لما بعد الحرب العالمية الثانية. لكنها تفاقمت بشكل ملحوظ في السيتينيات مع تزايد مركزية العاصمة وتركز الخدمات وفرص العمل في عواصم المدن. فنشأت المناطق العشوائية بغرب القاهرة على المناطق الزراعية بحوض النيل.

مع معاناة ذلك النمط من المهاجرين من الدخول المنخفضة، اضطر الكثير منهم إلى تشييد بيوتهم من الصفيح والخشب دون تراخيص من الحكومة. إذ أصبح غالبيتها شديد الخطورة، حيث تقع أسفل أبراج الضغط العالي. أو على أطراف المدن في مناطق قابلة للانهيار مثل الدويقة وعزبة خير الله واسطبل عنتر.

توسطت المناطق العشوائية مع الأجيال التالية من أبناء المهاجرين المساحة بين المدن الراقية كإسطبل عنتر وعزبة خير الله الملاصقتين للمعادي. وعزبة الهجانة كامتداد لمدينة نصر. وبدأت أنماط من العمل تتماشي مع تلك الطبقة كإسطبل عنتر الذي عاش قاطنوها في البداية على العمل “بالأجرة اليومية” في سوق الغلال بمصر القديمة وحمالين بحي الموسكي والأزهر. قبل أن تحترف الأجيال التالية الحرف كالنجارة والحدادة.

تسبب غياب التخطيط العلمي والهندسي السليم للإسكان الشعبي خلال التسعينيات في تفاقم مشكلات أكبر دون حلها. فمع زيادة عدد المناطق الصناعية دون توفير أماكن لسكن العمال الذين مع ضعف الأجور. بدأوا في تشكيل تجمعات عشوائية مجاورة لمكان العمل لتقليل نفقات الانتقال.

ووفق دراسة للمعهد العربي لإنماء المدن، فإن نحو 60% من العشوائيات في المجتمع العربي توجد على أطراف المدن. و30% توجد خارج النطاق العمراني. بينما توجد 8% فقط وسط العاصمة. كما تبين أيضًا أن 70% من تلك العشوائيات تم تشييدها بطريقة فردية و22% بطريقة جماعية.

انهيار صخرة الدويقة 2008

السادات ومبارك و”الخطط المجتزئة”

كذلك ارتبط تنامي العشوائيات في مصر بتزايد إيرادات العاملين بالخارج وفورة العمل بمنطقة الخليج. إذ دفعت عوائد الخليج أهالي الريف العائدين لهجر القرى والتمرد على الزراعة والبحث عن أماكن ملاصقة للقاهرة والمدن المزودة بالخدمات. حتى لو كانت تفتقر للتخطيط باعتبارها أفضل من الإقامة في الريف فقير الخدمات.

تعاملت الدولة مع تلك المشكلة، حتى ثورة يناير 2011 بما يمكن وصفه بـ”السياسات المجتزئة” مكن خلال مبادرات تفتقر للرؤية المتكاملة. مثل تجربة السادات ومبارك في التعامل مع عشوائيات منطقة عرب المحمدي وعشش الترجمان. إذ تم نقلها إلى مساكن الزاوية الحمراء خلال الفترة من 1970 وحتى 1990. إذ كانت تلك المناطق أراضي زراعية ما أدى لتلاشي الرقعة المزروعة وتحول المنطقة لعشوائيات مع مرور الوقت.

وفي مطلع الألفية الثانية، تبنت الحكومة مشـروعات تطوير منطقة بولاق الدكرور لتحسين الفراغات العامة وتطبيق معايير التطور الحضــاري. كذلك بدأت خطة التنمية بمشــروع تجريبي في شــارع آل عامر بمشــاركة من الأهالي. وتم التوسع في تطبيق التجربة بشارع ترعة زنين عام 2003. كما تم تطوير عزبة وعرب الوالدة بحلوان ضمن البرنامج الرئاسي في 2005.

وضعت الحكومة خطة تحزيم العشوائيات في 2006 بعد سقوط صخرة الدويقة. كما عملت على تقسيم العشوائيات إلى خطرة درجة أولى مهددة للحياة والمعرضة لانزلاق كتل حجرية من الجبال. وخطرة درجة ثانية تتضمن مناطق سكن غير ملائمة. لكن تلك المشروعات افتقرت الاستدامة بسبب عدم وجود جهاز إداري مسئول وإهدار للتمويل. وعدم وجود تمثيل للأهالي في التنمية. بالإضافة إلى عدم إشراك الجهات المعنية في التطوير وعدم تحديد مسئولية الجهات والمشاركة.

ومثلت منطقة بطن البقرة بمصر القديمة التي كانت مركزًا لصناعة الفخار دليلًا على اجتزاء التطوير في عهد ما قبل 25 يناير. إذ حصلت المنطقة على منحة من التعاون الدولي للتطوير الذي جاء جزئيًا. كما فشل في إقناع الأهالي بالخروج لحين الانتهاء لعدم توفير عمل بديل لهم. وهو ما حدث أيضًا في الدويقة إذ رفض الأهالي حينها المغادرة بسبب غياب فرص العمل.

مناطق عشوائية

كثافات سكانية غير مسبوقة

اتسم الوجود السكاني في المناطق العشوائية بالكثافة السكانية الشديدة. إذ تضم 497 منطقة 8 ملايين نسمة وفقًا لبيانات مركز بحوث الإسكان. بينما أشارت تقديرات حقوقية إلى أن الملايين كانوا يعيشون في مقابر البساتين والتونسي والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي. الأمر الذي تغير بعد التحركات الحكومية الأخيرة والمبادرات التي تبنتها بتوفير شقق مؤثثة ضمن المبادرة الرئاسية “حياة كريمة”.

ووفق البيانات الرسمية فإن عدد المناطق غير الآمنة في مصر بلغ 364 منطقة في فبراير 2014 تضم حوالي 203.3 ألف وحدة يقطنها 813.2 ألف نسمة. بجانب 9 مناطق أُزيلت لعدم جدوى التطوير. بينما مثلت المناطق غير الآمنة 2.9% من إجمالي المساحات العشوائية و1.1 من الكتلة العمرانية بالمدن.

وبلغ إجمالي عدد المدن المصرية 226 مدينة حتى 2014 بإجمالي كتلة عمرانية بلغت 417 ألف فدان، احتلت العشوائيات منها 37.5%. كما تمثل المناطق غير المخططة 97.1% من إجمالي المساحات العشوائية و36.4% من الكتلة العمرانية في المدن. كذلك احتلت محافظة القاهرة المرتبة الأولى في عدد المناطق غير الآمنة في مصر حتى 2014 بنحو 56 منطقة تمثل 15.4% من إجمالي تلك المناطق في مصر كلها.

تطوير 298 منطقة بتكلفة 40 مليار جنيه

حققت الحكومة الحالية ما يمكن اعتباره نجاحًا في ملف تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة، والمناطق غير المخططة. حيث نفذت 165.958 ألف وحدة، في 298 منطقة تم تطويرها، بتكلفة 41 مليار جنيه. كما يجري تنفيذ 74.927 ألف وحدة أخرى، في 59 منطقة جارٍ تطويرها، بتكلفة 22 مليار جنيه. كذلك تم تطوير 53 منطقة غير مخططة، وجار تطوير 17 منطقة أخرى بتكلفة إجمالية 318 مليار جنيه.

ووفق محافظة القاهرة، تتضمن مشروعات المناطق العشوائية في القاهرة الأسمرات 1 و2 و3، وأهالينا 1و2، والمحروسة 1 و2، وروضة السيدة 1. بإجمالي عدد وحدات سكنية 26449 وحدة. كما تضم أرض الخيالة، ومؤسسة معًا مرحلة أولى ومرحلة ثانية، ومصنع 18 الحربي، والمنيل القديم، بإجمالي 13912 وحدة سكنية. بينما تضم المشروعات الجاري البدء في تنفيذها خلال العام المالي 2021-2022: روضة السيدة 2، وأهالينا 3، وشمال الحرفيين، وأرض المسبك، والعمدة. بإجمالي 7800 وحدة سكنية.

كذلك يجري حاليا تطوير 42 منطقة غير آمنة من أصل 357 بعد انتهاء العمل في 312 منطقة بمختلف المحافظات. وجاري إنفاق الـ7 مليارات جنيه الأخيرة من الميزانية على المشروعات المتبقية. حيث يبلغ الإجمالي 39 مليار جنيه، وتم إنفاق 32 مليار منها حتى الآن.

حل الأزمة من خلال استراتيجية “تقييم مدى الخطورة”

اختارت وزارة الإسكان المناطق التي تم تطويرها وفقًا لاستراتيجية تقييم مدى الخطورة في 2018. إذ تضمنت شق قصير المدى يستهدف مناطق عشوائية غير آمنة. كذلك متوسطة المدى تتضمن تطوير المناطق غير المخططة. أما طويلة المدى فتتضمن التنمية العمرانية الشاملة لوقف الهجرة من الريف للمدن ومنع ظهور مناطق عشوائية جديدة.

ووفق صندوق تطوير العشوائيات، فإن سياساته تقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحق في الحصول على مسكن آمن؛ مع تحسين الأوضاع المعيشية. عبر توطين سكان المناطق العشوائية بنفس المواقع أو بأقرب مناطق مجاورة، وتطوير المناطق العشوائية مع المحافظات في إطار اللامركزية. بالإضافة إلى تطبيق مبادئ الشراكة مع الأهالي في مشروعات تطوير المناطق العشوائية. وضمان الحفاظ على الأحوال المعيشية والاقتصادية لسكان المناطق العشوائية. ودعم الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتفعيل الشراكة مع الجهات المانحة لتنفيذ أولويات الدولة لتطوير المناطق غير الآمنة.

كما يحمل تطوير الاقتصاد عائدًا كبيرًا غير مباشر على الاقتصاد المحلـــي، وفقًا للدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة. إذ يقول إن العشوائيات التي تضم ملايين البشر، لن يستطيعون الإنتاج أو الإبداع أو تطوير المنتج أو حتى القيام بوظائفهم في القطاع الخدمي. يتغير الأمر حال التطوير للنقيض.

إزالة العشوائيات

تحسين معدلات البطالة والجريمة ورفع قيمة الأصول

ووفق الإحصائيات الرسمية، فإن نسبة البطالة كانت في أكبر 10 مناطق غير أمنة في مصر -قبل تطويرها- نحو 48.8%. في منطقة تل العقارب في القاهرة و63.7% في عزبة الصفيح بالسويس. كما أن 76% من المهن التي يعمل بها سكان المناطق غير الآمنة هي مهن خدمية و15% حرفية و9% مهنية. وبالتالي يتعامل قطاع كبير معهم مع مصالح المواطنين. كما تتراوح الأميّة في أكبر 10 مناطق بين 17.7% في منطقة الكاكولا بالإسماعيلية و51.4% بمنطقة أبو بطيحة بالبحيرة قبل التطوير.

ويضيف عبده أن البعد الاجتماعي في ملف العشوائيات مقدم على الاقتصاد لكنه يحمل مزايا تتعلق أيضًا بتقليل معدل الجريمة. وتحسين الصحة العامة ما يقلل عبء العلاج على نفقة الدولة. ورفع قيمة الأصول المجاورة للمناطق العشوائية بعد تطويرها. إذ يمثل ذلك إضافة للناتج المحلي.

كذلك يوضح عبده أن الاستراتيجية الحكومية الجديدة في بناء المدن الجديدة، التي تضم نحو 30 مدينة منها 13 يتم تدشينها حاليًا. هي توفير مجتمع سكني متكامل ويحتوي كل منها على قاعدة اقتصادية. أو بمعنى آخر توفير فرص العمل مع السكن جنبًا إلى جنب في مكان واحد، ودمج السكان في النشاط الاقتصادي.

الأسمرات

ووفق الدراسات الرسمية فإن عدد نسبة البطالة بالعشوائيات تصل إلى 10% ما يجعل القوى العاملة المعطلة داخلها تتراوح بين 800 ألف و1,5 مليون شخص. وتأهيلهم للعمل وإدخالهم في مشروعات صغيرة يدر مليارات في الاقتصاد المحلي. كما يمثل التطوير أيضًا وسيلة لمواجهة الغش التجاري في الورش التي تتخذ من المناطق العشوائية موطنًا لتصريف منتجاتها. بجانب المصانع العشوائية التي تتهرب بين أزقتها من عيون الخزانة العامة.