أثار الحديث عن اختفاء فاكهة المانجو هذا العام من الأسواق المصرية العديد من التساؤلات حول أسباب الظاهرة. واعتبر كثيرون أن الاختفاء يعود لانتشار العفن الهبابي على أوراق شجر المانجو، بالإضافة إلى فساد المبيدات الحشرية.
رأي آخر يؤكد أن تأثير التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة بالشكل الملحوظ قبل موعدها الطبيعي عجل بسقوط ثمار بعض الفاكهة قبل أوانها.
المانجو ليست الفاكهة الوحيدة التي عانت هذا الموسم. بل امتد الأمر ليطول أغلب منتجات الموالح خاصة مزارع المشمش والبرتقال والخوخ.
لماذا تساقطت أزهار الموالح؟
“الموسم كله انضرب”، بنبرة صوت يكسوها الحسرة تحدث أبو ملاك، تاجر موالح عن خسارته هذا العام.
بخلاف ما يمتلكه من أراض يستأجر أخرى في مدينة النوبارية الجديدة في محافظة البحيرة.
يقول “أبو ملاك”: زهر الموالح تساقط أغلبه من على الشجر بسبب الانخفاض في درجة الحرارة مساء وارتفاعها صباح وهذا لم يكن يحدث بهذا الشكل قبل ذلك.
“من يمتلك 5 فدادين مانجو لن يتحصل على طن منها، الخسارة بلغت 90% من المحصول، وتاجر مثلي يستأجر 5 فدادين، ويتكلف إيجار ومصاريف رعاية الأرض من سماد ومبيدات وري وخلافه” يتحدث أبو ملاك عن حجم خسارته.
شرح أبو ملاك أن فاكهة مثل المانجو التي تزهر في شهر فبراير، والزهر يعقد (يتحول إلى ثمر) في شهر مارس، لكن ارتفاع الحرارة في مارس التي كانت وصلت إلى 35 درجة مئوية أدى إلى موت جنين الثمر قبل الاكتمال.
تختلف تجرية محمد سليمان، عن ما تعرض له أبو ملاك، نتيجة أنه يزرع أرضه عنب وليس موالح.
بالنسبة للفاكهة هذا العام كانت أسوأ من أي وقت بسبب ارتفاع الحرارة، ولابد من استخدام طريق مختلف لمساعدة الزرع علي تحمل الحراره العالية مثل تغطية الثمار بالورق، ورشها بمبيدات تجعلها تتحمل الحرارة.
وترك الزهرة الأولى التي تنبت في آخر شهر ديسمبر وأول يناير حتى يستطيع جنين الثمرة أن يعقد قبل دخول موجة الحر.
وأشار إلى أن زراعة الخضار تختلف عن زراعة الفاكهة نظرا لإمكانية التحكم في موعد الزراعة بالنسبة للخضار. وإلى أن الفاكهة أشجار طويلة العمر وثابتة ولا يمكن التحكم في موعد إزهارها.
هل حقا مصر بلا مانجو هذا العام؟
الحرارة المتهم الأول في استهدف محصول المانجو، بحسب المهندس أحمد سليمان رئيس قطاع المانجو بشركة الزراعة الحديثة بيكو”.
يقول سليمان: “لقد تعرضنا إلى شتاء دافئ هذا العام. حيث شهدت مصر موجات حاره قبل موعدها الطبيعي. وكان المعتاد أن ترتفع درجات الحرارة في بداية شهر مايو. ما أدى لحدوث خلل بالنسبة لأشجار الفاكهة”.
وأضاف: شجر المانجو يبدأ التزهير من نصف شهر فبراير وحتى 15 مارس. وتعتبر درجة الحرارة المثلى لاكتمال عملية الإنبات ما بين 10 درجات ليلا. و28 نهارا، وتلك هى درجات الحرارة المثالية جدا للعقد والتلقيح والإخصاب.
لكن ما حدث أن درجات الحرارة هذا العام كانت تصل إلى 5 درجات مئوية خلال فترات الليل و35 درجة خلال النهار في الفترة من 17 أبريل وحتى 15 مايو. وعندما يكون الزهر متفتح وترتفع درجات الحرارة يؤدي إلى موت حبوب اللقاح.
وعندما ترتفع درجات الحرارة عن 33 دجة مئوية يتعرض جنين الثمرة للإجهاض – بحسب سليمان. الذي يشرح الإجراءات التي يجب اتخاذها للحفاظ على صحة وجودة الإنتاج ومن المعتاد اتباعها من قبل المزارعين.
ولفت إلى ضرورة التخلص من الفوج الأول من الأزهار التي تنبت بداية من 25 يناير تقريبا. ويأتي الفوج الثاني من التزهير في منتصف شهر فبراير وحتى منتصف شهر مارس، وتلك هى الأزهار التي تستمر لتكون الثمار.
ولسوء الحظ من قام بالتخلص من التزهير الأول والاحتفاظ بالتزهير الثاني هو من خسر كثيرا بسبب ارتفاع درجات الحرارة. ومن احتفظ بالتزهير الأول تخطى الخطر بسبب اكتمال أجنة الثمار قبل دخول موجة الحرارة العالية.
40 يوما
وأوضح سليمان أن الزهرة تحتاج إلى 40 يوما لاكتمال العقد. حيث تحتاج إلى 8 ساعات منذ بداية تفتحها لاسقبال اللقاح عن طريق الحشرات. ثم تحتاج إلى 24 ساعه إضافية لتوصيل اللقاح للبويضة. ثم 12 ساعة للإنبات.
ونفى سليمان أن يكون العفن الهبابي هو السبب في خسارة محصول المانجو هذا العام، قائلاً: العفن الهبابي عرض وليس مرض. تسببه الحشرات القشرية والرطوبة العالية. ويحدث هذا بسبب تزاحم وكثافة أفرع الشجر. وهذا ما يتم مكافحته عن طريق رش المبيدات الحشرية المناسبة. ثم استخدام المبيدات الفطرية مثل النحاسيات. ويجب أيضا رش العفن بطريقة مكانيكية وعن طريق غسل العفن تماما.
وبرر سليمان رأيه، بأن العفن يقلل التزهير أو يمنعه في أسوأ الأحوال لأنه يمنع إتمام عملية البناء الضوئي وبالتالي عدم اكتمال العملية الغذائية للشجر، إلا أن عملية التزهير حدثت هذا العام، وبالتالي عدم اكتمالها ليس بسبب العفن الهبابي ولكن بسبب اختلال درجات الحرارة. مثل ما حدث في قرية (اليشعا) في مدينة النوبارية الجديدة. هناك مساحات شاسعه ليس بها إنتاج.
عملية التزهير
وأكد سليمان أن المهندسين الزراعيين يبحثون عن طرق للتدخل لدفع عملية التزهير المبكر. بالرش مثل تايلاند. التي حاولت التغلب على ارتفاع درجات الحرارة باستخدام نترات البوتاسيوم لدفع التزهير المبكر. مع متابعة هيئة الأرصاد الجوية لمعرفة توقيتات الموجات الحارة.
المهندس عصام الكاشف استشاري ومدير مشروع المانجو بشركة بيكو. يتفق مع سليمان في تفسير سبب تساقط أزهار بعض الموالح وضغف الإنتاجية مقارنة بالعام الماضي. مؤكدا على أن التغيرات المناخية هو أهم أسباب انخفاض إنتاجية بعض الموالح. مشيرا إلى أن الخطر الحقيقي على أشجار الفاكهة هو الفطريات التي تأثر على عنق الثمرة. وليس الحشرات القشرية ومنها التي تنتج العفن الهبابي على فاكهة المانجو.
وبخصوص ما أثاره بعض المزارعين عن إرجاع تساقط ثمر المانجو هو فساد المبيدات الحشرية. يؤكد الكاشف أن المبيدات إذا كانت فاسدة لن تؤدي إلى نتيجة من حيث الوقاية. وأيضا لن تضر الثمر ولن يكون لها تأثير يذكر. أن ما تم تداوله عن إرجاع سبب ضغف إنتاج المانجو لفساد المبيدات تصور خاطئ.
حجم الخسارة
“خسرت 50 في المئة من إنتاج هذا العام” يقولها محمد حسن، أحد أكبر مزارعي المانجو في مدينة الإسماعيلية.
حسن قال لـ”مصر 360″، إن العفن الهبابي موجود منذ 6 سنوات. وله علاج يعرفه جيدا جميع المزارعين. وتأثيره على الثمر لا يتعدى ال 30%. وإذا تواجد بكثافة يمنع التزهير. لكن ماحدث هذا العام هو الخلل في درجات الحرارة ما بين الانخفاض والارتفاع الشديد أثناء تكون جنين الثمار، ما أدى لموت الجنين.
وأضاف: حاولنا بشتى الطرق علاج تأثير ارتفاع الحرارة برش مثبتات للثمار لكن لم يأت بنتيجة.
وأوضح أن الفدان كان ينتج متوسط 7 طن، أما هذا العام لن يتحصل المزارع على طن واحد من الفدان. وأن فدان المانجو يحتاج إلى 1200 جنية مبيدات رش لمقاومة العفن الهبابي. وطالب الدولة بدعم المزراعين في مقاومة الفطريات.
وتصدر مصر من 30 إلى 40 ألف طن مانجو من إجمالي إنتاج مليون طن ويتراوح سعر الكيلو من 25 إلى 30 جنيه للتصدير – بحسب معهد البحوث الزراعية والبساتين، أما هذا العام التقديرات الأولية تشير إلى أن إنتاج مصر من المانجو لن يتخطى ال 500 ألف طن في أحسن الأحوال.
مقاومة الفطريات
الكاشف قدم تصورا عن كيفية التعامل مع التغيرات المناخية. ومقاومة الفطريات والحفاظ على المزارع. لتفادي ما حدث هذا العام استعدادا للعام القادم. ومن أهم النقاط التي أشار لها هى الأداءات الخاطئة لبعض الزارعين أدت إلى انتشار العفن الهبابي في كثير من المزارع. أيضا عدم الاهتمام بتقليم الأفرع لوصول الضوء وإتمام عملية البناء الضوئي. أيضا الري يجب أن يكون بطرق معينه ومكافحة العفن تكون باتباع خطوات صحيحه للقضاء عليه طبعا مع استخدام المبيدات المناسبه.
يشير إلى ضرورة التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة في السنوات القادمة. عن طريق الحرص على أن تكون الشجره في حالة صحية جيدة، والري الليلي، واتباع طريقة الرش الضبابي(ميست) مع ضرورة معرفة متى يتم استخدام تلك الطريقة. ومتابعة حالة التغيرات الجوية لتفادي تأثير الحسومات (الرياح السخنة). واستخدام سيليكات البوتاسيوم والآمونيوم. والري المنتظم للحفاظ على جودة التزهير.
دور الدولة
يرى الكاشف أن الدولة يجب أن يكون لها دور تنظيمي وتشريعي من حيث الرقابة على إنتاج المبيدات التي يستخدمها المزراعين. التي أصبحت تنتج بشكل واسع في مصانع (تحت بير السلم) على حد تعبيره.
وتابع: أيضا قيام الدولة بتوفير الأسمدة اللازمة مثل اليوريا وسلفات النشادر ونترات النشادر. التي أصبحت غير متوافرة بالرغم من أهميتها في الزراعة. إضافة إلى أهمية الإرشادي الزراعي. بعد تدريب المرشدين على أحدث طرق الري والتعرف على الزراعات المكثفة. والاهتمام بالمزارع القديمة التي تعاني من إهمال شديد.
وأكد على ضرورة أن تقوم البنوك بتقديم دور تمويلي. بقروض ميسرة وفائدة ضعيفة للمزارع. بحيث يستطيع مواكبة التطورات التي تحدث في الزراعة مثل الري بالتنقيط بدلا من الري بالغمر. وطرح الكاشف مقترحا لعمل صندوق تأميني عن طريق شركات التأمين بحيث يتم خصم مبلغ سنوي على كل فدان. بحيث يتم دعم المزارعين حال حدوث أزمات.
المهندس أحمد سليمان رئيس قطاع المانجو بشركة الزراعة الحديثة بيكو. تطرق إلى ضرورة الاهتمام بالجمعيات الزراعية من قبل وزارة الزراعة وعمل زيارات ميدانية للاضطلاع على المشكلات التي تواجه المزارعين. وضرورة تفعيل دور مراكز البحوث الزراعية وتمويلها من قبل الدولة.
تأثير ضعف إنتاج المانجو على الأسعار
تشير التوقعات إلى ارتفاع أسعار المانجو هذا العام بنسبة تطخطت الـ 50%. حيث كان سعر المانجو العام الماضى يقدر ما بين ٨ إلى ١٠ جنيهات للكيلو على الأشجار فى معظم الأصناف. أما العام الحالي تشير التقديرات إلى أن الأسعار تبدأ من ١٤ إلى ١٦ جنيه. وهناك حذر فى البيع والشراء لتوقع ارتفاع الأسعار فيا بعد.
وتعد مصر من أهم الدول المنتجة والمصدرة للمانجو. حيث يشير رصد قدمه مركز البحوث الزراعية والبستنه إلى أن المساحة الكلية للأراضي المزروعة مانجو حوالي 139433 فدان. مقسمة على 24 محافظة. تنتج 416951 طن في العام بمتوسط إنتاج حوالي 5 طن للفدان.
أربع وزارات
الباحث الأكاديمي عبد المولى اسماعيل المتخصص في مجال الزراعة والبيئة. قدم تصورا عن كيفية النجاة بالقطاع الزراعي. خاصة مع زيادة نسبة التلوث وتأثيرها على التغيرات المناخية. مشيرا إلى غياب الأوراق العلمية والبحثية التي تؤكد بشكل علمي تأثير التغير المناخي على الزراعة بشكل سلبي في مصر.
وأكد عبد المولى على ضرورة وجود ربط بين وزارات البيئة والزراعة والري والبحث العلمي. عن طريق بناء مؤسسي أو هيئة تكون حلقة الربط بينهم. من شأنها لعب دور التنمية والإرشاد الزراعي، مشيرا إلى ضرورة عمل وزارة البيئة في إطار استراتيجيتين هما التكيف والتخفيف، ومتابعة تطبيق الإجراءات التي يجب أن تقوم بها باقي الوزارات الثلاثة. مثل تدريب كوادر بشرية. ومتابعة ورصد التغيرات المناخية. ومتابعة وقف جميع الصناعات الملوثة للبيئة. بالإضافة إلى الدور الذي يجب أن تقوم به وزارة الزراعة من إصدار إرشادات حول المحاصيل التي يجب زراعتها بالتعاون مع وزراة البيئة.