تزايدت في الفترة الأخيرة الأصوات المطالبة بالحد من الولادة القيصرية غير الضرورية، في ظل استسهال طبي تحول إلى بيزنس، ووسط أرقام تدعو إلى الكثير من القلق باحتلال مصر المركز الأول عالميا بنسبة 63 % بينما لا تتجاوز النسبة 51% في أي مجتمع.

وبعد أن كان الأطباء يلجأون لإجراء الولادة القيصرية في حالات يصعب معها الولادة الطبيعية للأم، منها الأزمات الصحية  كضعف الجسد والإصابة بأمراض مزمنة، بالإضافة إلى أسباب خاصة بعدم تهيئة الجنين والرحم للولادة، بات السائد هو رفع شعار القيصرية للجميع.

بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، احتلت مصر المركز الأول عالميا، بنسبة 63% في جراحات الولادة القيصرية حتى عام 2018، وذلك بعد أن كانت في المركز الثالث عالميا، في حين وضعت المنظمة قاعدة لنسب الولادة القيصرية بألا تتجاوز 15% في أي مجتمع.

في هذا الصدد، ظهرت مبادرة “أوقفوا الولادة القيصرية غير الضرورية“، والذي أصبحت مصيدة تقع فيها النساء دون داعي، مع استسهال الأطباء في اللجوء إليها

تقول مي الشامي مؤسسة المبادرة، إن بداية الفكرة كانت خلال فترة دراستها بالجامعة، عندما طلب منها تنفيذ فكرة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومنذ ذلك الحين وهي تفكر في أسباب زيادة الولادة القيصرية في مصر.

وأضافت الشامي: أن النساء يقعن تحت مصيدة الأطباء، خاصة أن الحامل تعيش فترة خوف وقلق بسبب الحمل والولادة، وهناك بعض الأطباء يفضلون الطبيعية، لأنها أقل عددًا في الساعات، فبدلًا من خوض عملية طبيعية لمدة ساعات، يخوض القيصرية في ساعة أو نصف ساعة”.

وتابعت: بشكل شخصي تعرضت لكم كبير من الضغوط رغم أن طبيبي أكد لي أن الأمر بسيط، إلا أنه أثناء الحمل ولأسباب عديدة لم يكن طبيبي متواجد قالت لي دكتورة أخرى أن الأفضل هو الولادة القيصرية، وبعد الرفض أتى طبيبي وأصر في المحاولة على الولادة الطبيعية بعد بذل مجهود خرافي  وقد كان.

تؤكد الشامي أن ليس كل الأطباء يحاولون بذل هذا المجهود والأغلب أصبح يستسهل القيصرية، خاصة إذا كانت الحالة تسمح بالولادة الطبيعية بالفعل، وأصبح غرضي الأول والأخير من المبادرة هو تقليل الألم على النساء، وتقليل العمليات القيصرية غير الضرورية، فلا يوجد طبيب تحدثت معه وفضل الولادة القيصرية الموضوع أصبح تجاري بشكل كبير، خاصة أن أسعار الولادة القيصرية متفاوتة ولا تقف عند حد الولادة وإنما  كل مشتملاتها من إقامة وفتح عمليات وغيرها.

تعتمد المبادرة في معلوماتها على الأطباء والدراسات من الدرجة الأولى بجانب مشاركة قصص النساء مع الولادة القيصرية ومحاولة التعايش مع آلامهم في خوض التجربة رغم أن حالتهم الصحية لم تكن تستدعي ذلك.

 كان النائب فايز بركات تقدم بطلب إحاطة موجه إلى هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، بشأن انتشار “بيزنس” الولادة القيصرية.

جاء في طلب بركات أن هناك شريحة كبيرة تجرى القيصرية لأسباب ليست طبية، حيث هناك أطباء ضعاف النفوس يبحثون عن الربح المادي، والجهد والوقت الأقل، فيتعامل بعض الأطباء مع الحالة كـ “بيزنس” وهؤلاء يخالفون ضميرهم المهني ويحولون مهنة الطب من رسالة سامية إلى تجارة خبيثة دون النظر إلى الحالة الصحية للأم. وتابع أن أحد أسباب نقص إعداد الحضانات هو الولادات العشوائية بدون فحوصات طبية واللجوء إلى القيصرية.

كما أشار في الطلب إلى أن الدولة تتحمل تكاليف باهظة، إذ بلغت فاتورة الولادة القيصرية طبقا للمسح الصحي السكاني الأخير لعام 2019 نحو 14 مليارا و525 مليون جنيه سنويا، بالإضافة إلى أنها تشكّل خطورة على صحة الأم والجنين.

اقرأ أيضا:

“الولادة القيصرية” في مصر.. حل طبي أم “سبوبة”؟ 

 

قيصرية بدون سبب

غادة فؤاد إحدى الحالات التي تم إجبارها على القيصرية، تقول إنها كانت لا تزال في منتصف التاسع لكن الطبيب أخبرها أنه لا يحبذ الطبيعية، خاصة أنه إذا كان وزن الجنين قليل، فالطبيعي سيكون مجازفة، ذلك بعد إجراء عدة تمارين للتشجيع على الولادة الطبيعية.

“الطبيبة دخلتني عمليات قيصرية سريعًا دون أسباب وظللت أسبوع أعاني من صدمة واكتئاب من الألم ألم القيصرية مع أول وقفة بعد العمليات رغم المسكنات، كانت أحتاج لمساعدة من الجميع مع كل حركة وأكلة  ضغط نفسي رهيب، ما دفع زوجي الإجازة من العمل والجلوس بجوار ي20 يومًا”.

هذه التجربة جعلتها تتخذ قرارا بعدم الإنجاب مرة أخرى حتى لا تتعرض لمأساة شق البطن واكتئاب مع بعد الحمل.

ومن بين القصص التي تم مشاركتها في المبادرة أن إحدى الحالات خيرتها الطبيبة المتابعة لحالتها من اليوم الأولى أنها في حالة وضع ولكن إذا اختارت الطبيعي عليها الانتظار للغد متحججة بأن لديها مؤتمر، أو الولادة القيصرية الآن، ما اضطرها للجوء للقيصرية لأنه لا يوجد بديل متاح.

ريهام أكدت أن الدكتورة قالت لها نصا “إحنا هنقعد نجرب يوم و نص طلق يلا قيصري” وتم تحديد موعد ولادتي دون مبررة ليه قيصري رغم أن الرحم كان مفتوح فهي لم تحاول من الأساس للولادة الطبيعية.

وفي الإطار التوعية بالصحة العامة، توصي مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون بوقف الولادة القيصرية في مصر باعتبارها أحد أشكال العنف ضد النساء، وضرورة التوقف عن هذا الإجراء إلا للضرورة الطبية.

نقابة الأطباء ترد

رشوان شعبان، الأمين العام المساعد بالنقابة العامة للأطباء، علق قائلًا: “أغلب الأوقات السيدات هي من تطلب من الطبيب أن تلد قيصريا خوفًا من الألم المستمر في الولادة الطبيعية خاصة لو كانت بكرية -اول مرة تولد- يمكن أن تمتد الألام  لـ 24 ساعة متواصلة.

وأضاف: وهناك حالات لها ضرورات القيصرية يكون  فيها الولادة الطبيعية خطر على الأم والجنين معًا، كحجم المولود ووضعه أو وضع الحبل السُري في هذه الحالة إذ لم يُجري الطبيب القيصرية ربما يتسبب في وفاة الأم.

بالتأكيد هناك حالات كثيرة الدكاترة تلجأ للقيصرية الاستسهال فضلًا عن أن جزء منه تجاريًا، وهذا يستلزم توعية تقوم بها الجمعية المصرية للنساء والتوليد وجهود وزارة الصحة في رعاية الأمومة والطفولة للسيدات الحوامل والأطباء معًا.

يشير رشوان إلى أنه لا يمكن منع الولادة القيصرية أو المطالبة بذلك وإلا قد نرى حالات كثيرة لوفاة الأمهات وتشوه الأجنة وغيرها، وكان يحدث الكثير من المشكلات وإصابتهم تبول لا إرادي، ومشاكل في الجهاز التناسلي، لافتا إلى أن وفيات الأمهات قلت بشكل كبير جدًا عن ذي قبل، ولا يعرف غير المتخصيين أن من ضمن أسباب تراجع معدلات الوفيات هو الولادة القيصرية.

يختتم أنه لابد من وجود توعية للطرفين والقضاء على ثقافة الاعتماد على خبرات الآخرين والسمع من الأقارب والجيران وغيرهم، فبعض الأمهات تلجأ للقيصرية من أجل تحديد موعد المولود ليلائم موعد محدد، ومن تتأكد أنها يمكن أن تُنجب بشكل طبيعي والطبيب رفض عليها أن تٌغير الطبيب ولا تخضع للضغط. 

أحد أشكال العنف ضد النساء

ينظر إلى الولادة القيصرية باعتبارها واحدة من أشكال العنف ضد السيدات، هذا ما تكشفه انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، -وهي منظمة مصرية غير حكومية ذات توجه نسوي، باستقبال المؤسسة كثير من الشكاوى من النساء يتعرضن للعنف في أماكن الرعاية الطبية.

وبعض أنواع العنف الذي لا تعيه الكثيرات من النساء العنف التوليدي، كاستخدام علاجات أو جراحات طبية غير مبررة مثل الولادة القيصرية دون حاجة طبية إليها. فضلًا عن التعرض للإهانة والتوبيخ في غرف الولادة.

تؤكد أن انتشار حالات الولادة القيصرية دون سبب طبي أصبح ظاهرة في مصر وهو يؤثر بالسلب على صحة النساء بشكل عام تصل في بعض الحالات إلى مستوى خطر يؤثر على حياتهن، كما أنها تتسبب في بعض المضاعفات الصحية التي تؤثر على حياة النساء وتضعف من قدرتهن على ممارسة حياتهن بشكل طبيعي.