افتتح معرض القاهرة الدولي الكتاب دورته الـ52 هذا العام، وسط غياب عدد من المشاركين به، كزوار أساسيين، أو كتاب وناشرين، يقبعون بالسجون، يجدد حبسهم ويعاقبون بالتهم المعتادة، والتي تدور بين نشر الأخبار الكاذبة، والانضمام لجماعة إرهابية، ومنهم من وصلت اتهاماته لإهانة المؤسسة العسكرية.
الدورة الحالية تضم 1218 ناشرا عربيا وأجنبيا من 25 دولة، وتشهد الدورة إطلاق مبادرة “ثقافتك كتابك”، خلال الدورة الحالية للمعرض وتضم مئات العناوين من دور النشر وقطاعات الوزارة على ألا يتجاوز سعر الكتاب فيها عشرين جنيها مصرياً، إلى جانب الأنشطة الافتراضية التى سيتم تنفيذها من خلال المنصة الإلكترونية الخاصة بالمعرض.
أحمد دومة وديوانه الشعري “كيرلي”.. الحاضر الغائب
عند تجولك في طرقات المعرض، سيستقبلك ديوان شعر “كيرلي” لأحمد دومة، لكن كاتبه لن يتمكن من التواجد للتوقيع عليه أو متابعة حركة مبيعاته، لوجوده في السجن.
دومة صحفي وشاعر، وله العديد من الأشعار يتداولها عنه رفاقه من حين لآخر للدلالة على موهبته، وبصدور “كيرلي” تبدأ أحلام دومة تتحقق، في انتظار أن يشهد نجاحه بنفسه.
المحامي الحقوقي خالد على، قال إن أحمد دومة كان يحلم منذ شهور بنشر ديوان العامية الذي كتب قصائده كلها في الزنزانة الانفرادية على مدار سنوات سابقة، وبالفعل تحقق حلمه، وأشار علي إلى أن ديوان “كيرلي”، متاح في معرض الكتاب جناح دار المرايا وتقديم الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد.
وفي 4 يوليو 2020، قضت محكمة النقض، برفض الطعن المقدم من أحمد دومة، على حكم محكمة جنايات جنوب القاهرة، وأيدت حكم السجن المشدّد 15 عامًا عليه، وتغريمه 6 ملايين جنيه، بالقضية المعروفة إعلاميًا بقضية “أحداث مجلس الوزراء”.
وفي وقت سابق، قضت الدائرة 11 إرهاب بمحكمة جنايات جنوب القاهرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بالسجن المشدد 15 سنة، ضد دومة، وإلزامه بدفع مبلغ 6 ملايين جنيه، في إعادة محاكمته في القضية، وهو الحكم الذي أيدته محكمة النقض.
خالد لطفي وآمال العفو الرئاسي
أبرز الغائبين على مستوى النشر، هو خالد لطفي، مؤسس دار نشر “تنمية”، والمحكوم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية. عقب توزيع النسخة العربية من الكتاب الإسرائيلي“الملاك”، ذلك الكتاب الذي يقدم الرواية الإسرائيلية عن أشرف مروان بوصفه جاسوس لإسرائيل.
ويروي “الملاك” قصة أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر. كذلك يقول إن مروان كان عميلاً لإسرائيل، بينما كان عنوان النسخة الإنجليزية “الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل”.
بدأ خالد لطفي حياته كمدير مبيعات لإحدى الشركات استمر بها كما قال شقيقه لمدة 9 سنوات، وكانت مهمته توزيع الكتب. حتى أغلقت الشركة فرعها في مصر، وبدأ خالد في تأسيس مشروعه حينها، حتى قرر هو وشقيقه تأسيس مشروعهما الثقافي بوسط البلد. استأجرا محلًا ليكون مكتبة لمحبي القراءة، وتخطت تلك المكتبة عقبات عدة حتى تظل صامدة، حتى القبض عليه.
شقيق خالد تلقى تهاني في مايو 2019، لفوز شقيقه بجائزة فولتير لحرية النشر والتي يقدمها اتحاد الناشرين الدولي. لكن التهاني التي استقبلها محمود جاءت منقوصة. خاصة أن الرجل ينتظر خروج شقيقه لاستقبالها بنفسه.
كان لطفي واحدا من المشاركين بالمعرض كل عام، الذي يغيب عنه الآن دون إرادته، ولا تمتك أسرته سوى مجرد آمال بحصوله على عفو رئاسي والإفراج عنه بعد قضائه نصف المدة، مما دفعهم لتدشين هاشتاج في وقت سابق بعنوان “عفو رئاسي لخالد لطفي” يطالبون من خلاله بالإفراج عنه، لتعود حياته كما كانت من قبل.
جلال البحيري وديوان لم ينشر بعد
“لكُتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب دا الشاعر جلال البحيري باعتلكم رسالة من جوا المعتقل لكل كاتب عشان تبقوا تفتكروا إن رواد المعرض دا شجعان وأبطال أفنوا عمرهم من أجل القلم والشعر، افتكروا جلال وغيره وادعوله لو مش هتدعموه”، بتلك الكلمات دون أصدقاء الشاعر والكاتب جلال البحيري الذي يقبع في السجن منذ ما يقرب من 3 أعوام، كدعوة منهم للتذكير عنه، والتدوين أيضا، تزامنا مع انطلاق معرض الكتاب الذي كان يحرص، أن يكون واحدا من المشاركين به قبل حبسه.
في عام 2018، أصدر القضاء العسكري حكما بسجن الشاعر المصري، جلال البحيري، ثلاث سنوات وتغريمه عشرة آلاف جنيه، بتهمة إهانة المؤسسة العسكرية في ديوان شعري ساخر انتقد أيضا رئيس الدولة وأداء الحكومة المصرية.
وألقى القبض على البحيري بعد نشره ديوان شعري بعنوان “خير نسوان الأرض” لتوجهه له اتهامات من بينها “نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي، والانضمام إلى جماعة أسست خلافاً لأحكام القانون والدستور، وإهانة المؤسسة العسكرية، وازدراء الأديان”.
تضمن الديوان الشعري أغنية “بلحة” لرامي عصام، والتي ألقى القبض بسببها على شادي حبس، الذي مات في محبسه، بعد مرور عامين و3 أشهر على حبسه احتياطيا دون إحالة للمحاكمة.
وتأتي المفارقة في أن الديوان الشعري الذي تسبب في حبس البحيري، لم ينشر بعد، وهو ما دفع به محامية أثناء التحقيق معه، إلا أن الأمر لم يشفع له. وقال البحيري في التحقيقات، إنه أختار عنوان الديوان رغبة منه في إعلاء شأن المرأة، كما يمكن مصادرة الديوان ومنع نشره، وهو لم ينشر بالفعل، ولكن صدر القرار بحبسه.
وبعد الحديث عن الديوان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تقدم عدد من المحامين بدعاوى قضائية ضد البحيري.
وقال أشرف فرحات، أحد المحامين الذين تقدموا ببلاغات ضد البحيري، إن عدم صدور الديوان لا ينفي الاتهامات التي وجهت له، وأوضح أن القانون المصري يعتبر الشروع في ارتكاب فعل معين هو بمثابة ارتكاب للفعل حتى وإن حدث طارئ منع وقوعه، وأكد فرحات دعمه لحرية الرأي، ولكن تلك التي وصفها بأنها لا تخرج عن الأداب العامة.
وفي مقابل البلاغات والتنصل، جاءت حملة تضامن مع البحيري من الأصدقاء، وأيضا عدد من المنظمات الحقوقية التي طالبت بالإفراج عنه، وذكر بيان صادر عن مجموعة من الخبراء المستقلين في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، أن احتجاز البحيري يأتي في ظل فرض قيود على حرية التعبير الفني وغيره من الأشكال، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية في مصر.
في يونيو الماضي، أكمل البحيري عامه الثلاثون في الحبس، وطالب حينها عدد من أصدقائه والمتضامنين معه، من السلطات المصرية الإفراج عنه، ودعم حرية الرأي والتعبير، ليأتي هذا العام في نفس الشعر الذي يتزامن مع عيد ميلاده الـ31، وأيضا إنطلاق معرض الكتاب الذي حرم من التواجد به كمشارك أو كزائر على مدار 3 سنوات.
خالد سعيد.. شاعر الثورة
لقب بشاعر الثورة، ولكن أشعاره قادته للسجن، وخاصة قصيدة “تحيا مصر ومصر تحيا”، والتي تسببت في القبض عليه، ومن قبل قدم سعيد قصائد عدة، منها “كفى رحيلا”، و”يا قدس عذرا”، و”إرث الذكريات”، و”ثورة العشق”.
في 2017، قررت محكمة جنح دار السلام إخلاء سبيل سعيد، بكفالة 10 آلاف جنيه، على ذمة اتهامه بالانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، والتحريض على التظاهر ونشر أخبار وشائعات في دار السلام، ليعاد القبض عليه مجددا، وحبسه وتدويره بعد إخلاء سبيله، اتصبح قصيدته التي حاول انتقاد النظام بها، بمثابة دائرة مغلقة تسير به وسط تجديدات حبس احتياطي مستمر.
شارك سعيد بالثورة وكتب أشعار عنها، حتى لقب بشاعرها، وكان حريصا على المشاركة كل عام في معرض الكتاب بدواووين شعرية جديدة، لكن أسوار السجن حرمته من هذا الأمر.
أيمن عبد المعطي.. “أكتب كي لا تكون وحيدا”
أيمن عبد المعطي باحث ومدقق لغوي، ومدير الدعاية والتسويق لدار المرايا للنشر والتوزيع وصاحب مدونة “اكتب كي لا تكون وحيدا” ألقي القبض عليه من مقر عمله يوم 18 أكتوبر 2018، وأخلى سبيله ليعاد تدويره مرة ثانية على ذمة قضية جديدة بنفس الاتهامات.
أصدر عبد المعطي بالمشاركة مع نجله يوسف قصة بعنوان ”الأسمر أبو العيون”، وكتاب آخر بعنوان ”وشوش ساده”، العملان من تأليفه، والرسومات لنجله، كما كان يكتب باستمرار على مدونته، ومن خلال تلك الكتابات كان لا يشعر بالوحدة، ولكن السجن خطفه من أسرته وكتاباته، وأيضا من معرض الكتاب.