تلوح في الأفق أزمة خليجية نفطية بين المملكة العربية السعودية والإمارات، وذلك على خلفية تعثر مفاوضات الدول الأعضاء في تجمع أوبك بلس، حول استراتيجية إنتاج النفط خلال الشهور المقبلة، حيث كانت تخطط الدول التي تعمل تحت مظلة أوبك بلس لزيادة تدريجية للإنتاج بدءاً من أغسطس المقبل وحتى نهاية العام الحالي.

في وقت لاحق بعد انتشار جائحة فيروس كورونا، هوت أسعار النفط عالميا مما دفع «أوبك بلس» إلى خفض الإنتاج قرابة عشرة ملايين برميل يومياً اعتباراً من مايو 2020.

ومع هدوء الجائحة وبدء التعافي الاقتصادي للعديد من الدول واستعادة مجال النفط عافيته، كان من المنتظر أن يتم رفع حالة الانكماش الجزئي في إنتاج النفط، إلا أنه خلال الاجتماع الذي حضره الدول العاملة تحت مظلة “أوبك بلس” فوجئ الحضور بتمديد المهلة من جديد. 

أثار قرار التمديد استياء الجانب الإماراتي الذي وجد أنه في حاجة إلى زيادة إنتاج النفط من أجل دعم اقتصاده الذي تكبد خسائر كبيرة جراء أزمة فيروس كورونا.

ما هي منظمة أوبك؟

تأسست منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في بغداد عام196، وشاركت كلا من (إيران، والعراق، والكويت، والسعودية، وفنزويلا، ولاحقا انضمت إليهم قطر، ومن ثم أندونيسيا وليبيا، والإمارات، والجزائر، ونيجيريا، والإكوادور، والجابون، وأنجولا، وغينيا الاستوائية، والكونغو).

وفي عام 2016، وقعت 23 دولة مصدرة للنفط أوبك اتفاق عرف باسم “أوبك بلس” بهدف خفض إنتاج البترول لتحسين أسعار النفط في الأسواق.

تنتج الدول العاملة تحت منظمة أوبك بلس نحو 27% من مجمل الطلب العالمي، ويصدرون مجتمعين نحو 18 مليون برميل يوميا.

ماذا حدث؟

السعودية هي أكبر دولة منتجة للنفط في أوبك بلس، إذ تحتفظ لنفسها بنصيب الأسد من بين الدول الـ 13 المصدرة للنفط.

وبحسب تقرير منظمة أوبك، بلغ إجمالي إنتاج المملكة من الخام 8.466 مليون برميل يومياً خلال شهر مايو 2021، فيما كانت تنتج نحو 9.18 مليون بريل يوميا في 2020.

وفي الوقت ذاته خفضت الإمارات نسبة إنتاجها من النفط الخام من 3.9 مليون برميل يوميا، إلى 2.6 مليون برميل يوميا، وهو ما اعتبرته الإمارات خسارة مستمرة لقدراتها.

وعلى إثره اعترضت الإمارات خلال الاجتماع على تمديد مقترح لقيود الإنتاج إلى 8 أشهر إضافية، مطالبة بضرورة زيادة حصتها الإنتاجية، وهو ما يؤثر سلبا على السعودية حيث إنه في حال تمت الموافقة على زيادة الحصة ستكون الدولة المتضررة لكونها صاحبة النصيب الأكبر في إنتاج النفط، إلى جانب أنه في حال استمرت السعودية في إنتاج نفس الكمية سيتم تجاوز السقف المحدد لإنتاج التجمع ككل.

تم تأجيل القصة برمتها إلى وقت آخر وحدد له الأثنين، إلا أنه تقرر بشكل مفاجئ إلغاء اللقاء التشاوري إلى أجل غير مسمى. 

السعودية تستنكر

يبدو أن الخلاف المكتوم بين السعودية والإمارات وجد طريقه للعلن، إذ مثلت أزمة أوبك بلس القشة التي قصمت ظهر البعير، وعلى الفور دعا الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي، إلى ما وصفه بـ”شيء من التنازل وشيء من العقلانية” من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومريح لكافة الأطراف في ظل جائحة فيروس كورونا.

وأشار وزير الطاقة السعودي إلى أن تمديد الاتفاق على خفض الإنتاج هو الأصل في اللقاء وليس الفرع، في إشارة إلى أن الإمارات تخالف القاعدة التي سبق وأن تم الاتفاق عليها. 

وتابع: “نرغب في موازنة الأمور عبر زيادة متدرجة للإنتاج تحافظ على استقرار السوق، وزيادة الإنتاج يجب أن تتم بافتراض أن الاقتصاد لن يتدهور بشكل أكبر بسبب جائحة كورونا”.

الإمارات تلوح بالمظلومية

من جانبه، قال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، إن اللجنة الوزارية في أوبك بلس قدمت خيارا واحدا فقط، يتبنى زيادة الإنتاج إلا أنه مشروطا بتمديد الاتفاقية الحالية بخفض إلى ديسمبر 2022، مؤكدا أنها اتفاقية غير عادلة للإمارات.

وأوضح المزروعي أن الإمارات اقترحت فصل زيادة الإنتاج عن موضوع تمديد الاتفاقية، والعمل على زيادة الإنتاج دعما لاحتياجات السوق العالمي، لافتا إلى أن اللجنة الوزارية أصرت على ربط الموضوعين بعضهما البعض. 

وتابع: “الإمارات دخلت في الاتفاقية الممتدة حتى أبريل، رغم علمها أنها مظلومة بخفض سقف إنتاجها، لكن في الوقت ذاته قبلت إعلاء لمصلحة الجميع. 

تصعيد سعودي

وفيما اعتبره البعض ردا على رفض الإمارات العربية المتحدة لمقترح السعودية وروسيا لقرار تمديد خفض نسبة الإنتاج، أوقفت السعودية رحلاتها الجوية مع الإمارات، تحت زعم التفشي المستمر لوباء فيروس كورونا وانتشار سلالة متحولة جديدة من الفيروس.

ولم تقف السعودية عند هذا الحد، حيث وضعت قواعد بشأن الواردات من دول الخليج، رافضة البضائع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي، وهو ما اعتبره البعض محاولة لإلحاق الضرر بـ”الإمارات” تحديدا على خلفية تقديم الإمارات نفسها في المنطقة كمركز تجاري إقليمي، فضلا عن صفقاتها التجارية مع إسرائيل بعد إتفاقية التطبيع الأخيرة. 

الخضوع للإمارات 

وفي هذا الصدد، يقول المهندس مدحت يوسف، نائب رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا، إن هناك رغبة في تحقيق مكاسب أكبر من خلال تقليل المعروض على حساب ارتفاع الأسعار، وهو ما تأمله منظمة أوبك بلس بخفض إنتاجها بشكل عام. 

يوضح يوسف لـ”مصر 360″ أن أوبك تسعى لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من خلال تقليل المعروض وما يترتب عليه من زيادة في الأسعار على أمل تقليل خسائرها خلال جائحة كورونا، لافتا إلى أن الإمارات تحاول أن تحقق ذات المكاسب خلال الفترة الحالية.

واشار إلى أن السياسة الاحتكارية التي تتبعها منظمة أوبك بلس، حيث تعتمد على تقليل الإنتاج في مقابل زيادة الأسعار، وهو ما يدل على انتهاء عصر العرض والطلب، ليحل محله سياسة احتارية غرضها الأول تحقيق أكبر مكاسب.

وواصلت أسعار النفط مكاسبها بفضل الأنباء عن خطط الزيادة الأخيرة، حيث ارتفعت بنحو 50% عن مستواها في بداية العام الحالي نتيجة انحسار تداعيات جائحة كورونا.

يرى نائب رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا، أن منظمة أوبك سوف ترضخ عاجلا أم آجلا إلى مطالبات الإمارات، بشأن توزيع حصص الإنتاج وهو ما يعد خسارة للجانب الإماراتي، متابعا: “أعتقد أن أوبك ستعيد توزيع الحصص بين البلدان المصدرة للنفط”.