أعلنت إثيوبيا رسميًا بدء الملء الثاني لسد النهضة، قبيل اجتماع مرتقب لمجلس الأمن يناقش مقترحًا مصريًا سودانيًا لإلزام أديس أبابا بوقف خطوتها الأحادية. تلك الخطوة وضعت مصر والسودان أمام مواقف محتملة تبدو وجودية، ومفتوحة على كافة الخيارات، وفق بيانات متواترة من القاهرة والخرطوم.
وأرسلت مصر خطابًا لإثيوبيا تخبرها أن “هذا الإجراء الأحادي يعد خرقاً صريحاً وخطيراً لاتفاق إعلان المبادئ”. ويعتبر “انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية”.
كما أرسلت وزارة الخارجية الخطاب نفسه، إلى رئيس مجلس الأمن لإحاطته بالإجراء الإثيوبي. وقالت إن “الأمر سيزيد حالة التأزم والتوتر في المنطقة، وسيؤدي إلى خلق وضع يهدد الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي”.
أيضًا قال وزير الري السوداني ياسر عباس في مؤتمر صحفي قبيل مغادرته إلى نيويورك للمشاركة في جلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة، إن بلاده تضع كل السيناريوهات لما بعد جلسة مجلس الأمن الدولي بشأن سد النهضة.
المقترح المصري السوداني
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن جلسة حول قضية السد يوم الخميس المقبل. والاجتماع يناقش مقترح أعدته مصر والسودان، تدعمه الجامعة العربية، وقدمته تونس باعتبارها العضو العربي في مجلس الأمن.
وكشف السفير ماجد عبدالفتاح رئيس بعثة الجامعة العربية في الأمم المتحدة أن المشروع، يدعو إلى استمرار التفاوض لمدة 6 أشهر. من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السدّ. على أن يكفل الاتفاق قدرة إثيوبيا على توليد الطاقة الكهربائية، وعدم إلحاق ضرر جسيم بدولتي المصب مصر والسودان.
وأضاف أن البند الثاني من المشروع يحض المراقبين الذين شاركوا في المفاوضات التي تمت خلال العام الأخير. أو أي مراقبين آخرين تدعوهم مصر والسودان وإثيوبيا، للمشاركة بفاعلية في عملية التفاوض للتوصل لاتفاق بشأن القضايا الفنية التي قد تعوق ذلك، خلال المدة المتفق عليها.
وينص البند الثالث على “التوقف عن إصدار البيانات والتصريحات، واتخاذ أي إجراءات أحادية”. كما سيحض مجلس الأمن، حسبما ورد في مشروع القرار، إثيوبيا على “وقف الملء الثاني، لحين التوصل إلى الاتفاق المنشود”.
لكن ما السيناريوهات المحتملة سواء بجلسة مجلس الأمن أو ما بعدها، وكيف يكون الرد المصري السوداني باعتبار المصير المشترك؟. التصريحات الرسمية تركت الباب مفتوحًا على كافة الخيارات، بيد أن الرأي العام المصري ينشغل حاليًا بتتبع المسارات المحتملة.
وتصدرت اليوم وسومًا على موقع “تويتر” تتعلق بقضية السد التي باتت خياراتها مصيرية، من بينها وسوم: #ادعم_القرار_المصري #سد_النهضة #الجيش_المصري.
3 سيناريوهات أمام مجلس الأمن
نبيل أحمد حلمي، أستاذ القانون الدولي، يحدد 3 سيناريوهات متوقعة لمجلس الأمن في إدارة ملف سد النهضة. الأول أن يقوم المجلس الأ بفحص الملف وإعادته للاتحاد الأفريقي لفحصه، وإخطار مجلس الأمن بما يتم، مع تحديد مدة لذلك.
والسيناريو الثاني أن يحيله مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي بدروها تحيله للمحكمة الدولية. والثالث أن تلجأ الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصرف متخذة قرارات مجلس الأمن وتستطيع التدخل.
وتابع حلمي: “إذا وصلنا إلى طريق مسدود فحق الدفاع الشرعي مكفول للدولة المصرية، والتي من حقها أن تأخذ الإجراءات اللازمة لحمايتها”.
وييقول إن “كل ما تفعله إثيوبيا في ملف سد النهضة مخالف للاتفاقات الدولية“. وأوضح أن اتفاقية الأمم المتحدة تنص على عدم الإضرار بأي دولة واقعة على النهر. وعدم بناء أي سدود إلا بموافقة كل الدول الواقعة على النهر، مع التوزيع العادل وليس المتساوي للمياه.
وأوضح أن “مهمة مجلس الأمن الأساسية حفظ الأمن والسلم العام. بالتأكيد ترى أهمية نهر النيل لكل من مصر والسودان التي تستخدم في الزراعة والشرب وكافة شيء. أما إثيوبيا لديها الأمطار التي تكفيها للزراعة والشرب”.
ووفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة: “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”.
توصية غير إنفاذية
أما الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، فيرى أن مجلس الأمن “لا يستطيع اتخاذ إجراءات جبرية قسرية ضد إثيوبيا. ولكن حتى إذا صدر قرار سيكون توصية غير إنفاذية”. ويقول إن اجتماع الخميس سيكون على غرار الاجتماع السابق في 29 يونيو من العام الماضي.
الاجتماع السابق كان بطلب من الولايات المتحدة، والحالي بطلب من تونس بموجب الفصل السادس وليس السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وفق سلامة.
لذلك توقع أستاذ القانون الدولي أن يوصي مجلس الأمن بالعودة مرة أخرى لمظلة الاتحاد الأفريقي. وأشار إلى أن “الأمم المتحدة تنظر إلى الاتحاد الأفريقي باعتباره نجح في مجال حفظ الأمن والسلم في نزاعات سابقة”.
تسوية غير إلزامية
وتابع أن مجلس الأمن يستطيع التوصية بتشكيل لجنة تحقيق أو يضطلع هو بالتحقيق بنفسه للتأكد من سبب العراقيل. ولفت إلى أن هذا التحقيق يعد إحدى وسائل التسوية الدبلوماسية غير الإلزامية، أيّ أن مجلس الأمن قد يوكل المهمة مباشرة للجنة تقصي حقائق دون إلزامية وترفع تقريرها لمجلس الأمن، وقد يكلف الأمين العام للأمم المتحدة بالتحقيق.
ورأى سلامة أن إسناد رعاية المفاوضات الثلاثية للاتحاد الأفريقي مرة أخرى، يعد معوقًا وتحديًا أمام مصر والسودان. باعتبار أن ذلك يعطل اتخاد قرار حاسم من مجلس الأمن لوقف الملء الثاني.
وعن التوجهات المثارة حول تحول الأمر إلى نزاع، قال سلامة إن لغة النزاع في ميثاق الأمم المتحدة ليست لغة النزاعات المسلحة. ولكن مجرد زعم إثيوبيا أن لها حقوق في سد النهضة وصدور تصريحات مغايرة من مصر والسودان فقد أصبحنا في حالة نزاع.
وقال إن مجلس الأمن، بموجب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، هو الهيئة الحصرية التي تحدد أن ثمة نزاعا يهدد السلم والأمن الدوليين من عدمه. وأوضح أن إثيوبيا ترفض بإصرار غريب أن يكون هناك اتفاق نهائي، رغم السياقات السابقة في كافة النزاعات أفريقيا.
3 وسائل إلزامية
وفي حال فشلت جلسة مجلس الأمن، يقول أستاذ القانون الدولي: “تأسيسًا على البند العاشر من اتفاقية إعلان المبادئ. فإن محكمة العدل وهيئات التحكيم الدولية تغلق أبوابها أمام السودان ومصر. إذ لابد أن يكون هناك إجماع بين الدول الثلاثة للجوء لمحكمة العدل بموجب النظام الأساسي”.
ويقول إن هناك 3 وسائل إلزامية لتسوية النزاعات الدولية، الأولى قرارات تصدر عن مجلس الأمن بموجب الباب السابع. أو حكم قضائي من محكمة العدل الدولية وأحكامها قابلة للنفاذ دون أي طعن. والثالث حكم من هيئة تحكيم دولية، ولكن ذلك مشروط بموافقة إثيوبيا.
وسيط دولي
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، يرى أن انعقاد جلسة بمجلس الأمن نقطة إيجابية في حذ ذاتها. ويتوقع عدة سيناريوهات، منها توصية الدول الثلاث باستمرار التفاوض مثلما حدث العام الماضي.
وأشار إلى أن الاتحاد الأفريقي عقد اجتماعا مع الدول الثلاث أسفرت عن إعلان التوصل إلى “نتائج طيبة” –دون تحديدها-. وهو ما جعل مجلس الأمن يبادر باعتبارها جهودا مبشرة. وترفض إثيوبيا جلسة مجلس الأمن وتقول إنها تضع ثقتها في العملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي لحل الخلاف.
ولذلك يرى شراقي ضرورة استمرار التفاوض بحضور جهات دولية كوسيط، كالاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
جدول زمني محدد
أما ثاني التوقعات، بحسب شراقي، فهي تحديد جدول زمني للتوصل لاتفاق حتى لا تكون المفاوضات مفتوحة، وعدم اتخاذ قرار أحادي. وتوسيط المجلس في الخطوات القادمة حتى لا تقوم إثيوبيا بإنشاءات جديدة بهدف تعلية السد.
وأشار إلى ضرورة التفاوض حول السعة التخزينية القصوى للسد، والتي تبدلت لتصبح 74 مليار متر مكعب، بدلا من 11 مليارا. وهي النسبة التي اعتمدتها الإنشاءات الهندسية، والتي وردت في الدراسة الأمريكية. وشدد على أن “تلك السعة خطيرة جدًا على مصر والسودان، نظرًا لعدم أمان السد المشيّد على جبل ويهدد بحدوث فيضان”.
السعة التخزينية القصوى
ويوضح شراقي أن 74 مليارا هو إيراد النهر الأزرق في عام ونصف العام، إذ إن إيراده السنوى 50 مليارًا. وهو ما يعني أن السد سيقوم بحجز كميات ضخمة من المياه، قد تؤدي إلى كوراث تتمثل في حدوث انهيار للسد.
عام 2012 قدمت لجنة دولية دراسة هندسية للسد، وكشفت عن مشاكل كبرى، وجرى اختيار مكتب دولي محايد لتنفيذ دراسات أخرى. ولكن إثيوبيا عرقلت هذه الدراسات، لذلك يطالب شراقي بضرورة تحديد هيئات هندسية ولجنة تقصي حقائق يوصي بها البنك الدولي. وذلك لمنع حدوث كوارث طبيعية أو بشرية.
شواهد سابقة
تدخلات مجلس الأمن لحل نزاع الدول لم يكن مقتصرًا على سد النهضة، وسبق لمجلس الأمن التدخل في نزاعات متعلقة بالمياه.
وأفادت دراسة نشرها الباحثان جيمس فراي وأجنيش تشونج في جامعة جورج تاون الأميركية، عن الطرق التي اتبعها مجلس الأمن الدولي لحل نزاعات المياه بين دول العالم. وذكرا أن بعض الالتزامات التي فرضت على بعض الدول تختلف مع قانون المياه الدولي. وهو ما أدى أحيانًا إلى عودة الأمور إلى المربع صفر، ونشوب التوتر مجددا بين المتخاصمين.
وذكرت الدراسة المنشورة عام 2019، أن مجلس الأمن علق بعض الالتزامات التعاهدية، وفرض بديلا آخر في 8 حالات على الأقل. قوّض خلالها قانون المياه الدولي عبر منح الأولية لشرب المياه على حساب استخدامها، لأنه يعطي الأولوية لأي استخدامات معينة للمياه.
وأحصت منظمة الأمم المتحدة 37 حالة عنف بين الدول مرتبطة بصراعات المياه، منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي حتى عام 2017.
ويعد الصراع بين البرازيل وباراجوي، في الفترة من 1962 إلى 1967 قريب بعض الشيء من أزمة سد النهضة. وقتها ادعت البرازيل وباراجواي أحقيتهما في تطوير الطاقة الكهرومائية من شلالات جوايرا، التي كانت تقع على الحدود المشتركة بين الدولتين، فأقدمت البرازيل على غزو الموقع واحتلاله لمدة خمس سنوات، ليوقع البلدان في عام 1969 على معاهدة، ويحصل كلاهما الآن على الكهرباء من سد لتوليد الطاقة الكهرومائية أقيم في اتجاه المنبع، مما أدى إلى القضاء على شلالات جوايرا.