محاولة للزواج بفتاة قاصر لم تتجاوز السادسة عشر عاما. تنتهي بجريمتي خطف واغتصاب، لتبدأ الطفلة الضحية رحلتها في المحاكم للبحث عن حقها بدلا من قضاء وقتها بين باحات اللعب، والمدارس.
كانت البداية مع مطلع عام 2020 حين جاء العريس غير المنتظر الذي يبلغ عمره 31عاما. للطفلة التي لايزيد عمرها عن 16 عاما. وهو السن الذي لازال يعينه البعض لزواج الفتيات.
تمت الخطبة ومرت الأيام انتظارا للزفاف. ولكن العريس أصبح يطالب بالإسراع في عملية الزواج عبر العقود العرفية. إلى أن دبت الخلافات بين الطرفين وتم فسخ الخطوبة لاصرار الفتاة على الزواج فى السن القانونية .
حتى جاء يوم فوجئ الأهل باختفاء البنت وفشلوا في العثور عليها لخمس ليال. أعقب ذلك اتصال من شخص بوجودها تائهة تواجه المجهول في محطة السكة الحديد بالقاهرة بعيدا عن مسقط رأسها في محافظة البحيرة.
تبين لاحقا أن الأمر تم بدافع الانتقام. حيث اتصل الجاني بها، واستدراجها إلى منزله بحجة حل المشكلة.واحتجزها في بيت مهجور لمدة أربعة أيام. واعتدى عليها جنسيا طوال تلك الفترة .
وبدلا من تركها تعود إلى أهلها. حجز تذكرة قطار وركب وفور تحركه تركها ونزل. فسارع أهلها لابلاغ الشرطة، وأصبحت قضية. حولتها محكمة دمنهور لاحقا إلى دائرة آخرى بعد استشعار الحرج.
القصة تعد فصل في سجل جرائم تزويج القاصرات. الذي يعد بدوره أحد نتائج العنف ضد النساء. التي لازالت الكثير من الثقافات تطبع معها. على اعتبار أن “البنت ملهاش غير بيت جوزها”، وأنها أداة للتكاثر، والترفيه..
في الورقة القانونية التي قدمتها المجموعة النسوية “بنت النيل“. حول جريمة زواج القاصرات. تعتبـر جـرائـم تزويج القصر. مـن صـور العـنـف المركـب ضد النساء والفتيات. حيـث يصعـب تصنيـف هـذه الجرائـم داخـل فـئـة مـن الـفـئـات العـامـة للعنف ضد النساء مثـل الـعـنـف الجـسـدي، والعنـف الجنسي، وغيرهـم. نظرا لأن هـذه الجرائـم تتسبب فـي آثـار سـلبية جـسـدية، وجنسـية، ونفسية، واقتصاديـة عـلـى الفتيات المتعرضـات لهـا. وتوثـر سلبا علـى تمتعهن بمجموعـة كبيـرة من حقوقهن الإنسانية.
زواج القاصرات ونسب الانتحار
تبدو المسألة بالغ التعقيد، بحسب الباحثة في شؤون المرأة إلهام عيداروس التي تؤكد أن للأمر عددا من جوانب القصور. منها أن القانون يجرم توثيق الزيجات، أو في حال محاولة تزوير السن فيما يعرف بشهادات “التسنين”.
ولفتت إلى أن الأسر تلجأ إلى الزواج العرفي كبديل. ثم لاحقا يقوموا بتصديق تلك الشهادات. مخلفين بذلك أوضاعا لا يتم العقاب عليها، وإن كانت ذات آثار كارثية.
يجرم القانون توثيق عقد زواج. لمن لا يبلغ من الجنسين 18 عاما. ويعتبر الزواج المبكر اتجارا بالبشر وتصل عقوبته إلى السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه.
وقبل الخوض في معترك القانون، ينبه المحامي محمد حمادة للانتهاكات الجنسية التي تقع على القُصر. وتتم طوال الوقت تحت سمع، وبصر الجهات الرسمية، والاهلية، والتي تكون أحد نتائجها لجوء بعضهن إلى التخلص من الحياة عبر حبوب الغلة مرة كأرخص وأشهر طريقة بالنسبة للأقاليم.
وتشير الإحصائيات التي أصدرها مركز السموم في مركز ايتاي البارود، بحسب المحامي حمادة إلى دخول 585 حالة تسمم بالغلة، من أصل 946 حالة خلال عام 2020. فيما تبلغ نسبة الفتيات بينهم إلى الفتيان 3:1، أغلبهن تحت 18 عاما، وتتركز أسبابهن على الإجبار على الزواج، والعنف الأسري.
وفيما يخص جريمة زواج القاصرات فإن الأرقام غير دقيقة نتيجة عدم توثيق هذه الزيجات. والاعتماد على الزواج العرفي في أغلب الأحيان. ولكن مع ذلك، فوفقا لما أعلن عنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في آخر مسح ديموغرافي صحي. فإن 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عاما متزوجون أو سبق لهم الزواج. وأن محافظات الصعيد هي الأعلى من حيث معدلات الزواج والطلاق.
حلقة جهنمية
تسرب من التعليم فعمالة أطفال ثم زواج مبكر. حلقة جهنمية تعيشها أجيال، بدأت حلقاتها في ظل تركيز الدولة على العاصمة من ناحية. وتخلص الدولة من برامج الحماية الاجتماعية لمواطنيها. وخلال سنوات كورونا، ومن قبلها إغراق العملة، وجنون الأسعار، وصل الوضع إلى لحظات شديدة الدقة، تستحق النظر لها عن قرب.
وعن قرب تروي حكاية فتاة فلندعوها “أمل” حفاظا على خصوصيتها. مأساة أطفال تلك المناطق النائية. التي تركتها الانظمة الاجتماعية والسياسية لمواجهة مصيرها منفردة.
“أمل فتاة اضطرتها الظروف إلى الخروج من المدرسة مبكرا. ومن سن 13 عام انتقلت الطفلة من الفصول المدرسية، إلى شركة فرز الفواكه. التي تعتمد على الأطفال كأغلب العمالة لديها، من الجنسين. أما موقع العمل فهو عبارة عن عنابر واسعة، ومزارع للفاكهة. يعمل فيها القصر من الساعة السادسة صباحا حتى الثامنة مساءا، لأكثر من 14 ساعة.
ذات يوم اعترفت أمل لأهلها بالاعتداء الجنسي عليها، وكذلك اجهاضها. وهي التي كانت في عمر 15 عاما. على الفور اتهم ذوي الطفلة، صاحب الشركة، لاحقا و بمعاونة المحامي محمد حمادة تم اكتشاف، حقيقة ما يجري بالمكان، من تناوب الرجال الاعتداء على الطفلة، وأن الجاني ليس شخص بعينه. وأنها ليست الحالة الوحيدة، وخوفا من الفضيحة طلب الأهل من صاحب الشركة عقد قرانه على الطفلة، لتلاشي الفضيحة.
قصة أمل التي تشير إلى توابع عمالة الأطفال. وخروجهم عن مظلة الجهات الرسمية،وتوضح طبيعة الدائرة المفرغة، التي في حالة أمل انتهت بتناوب الاعتداء عليها. وفي حالات أخرى يضطر الأهل لتزويجها للتخلص من مسؤولية اعالتها، لرجل يكبرها بأعوام.
زواج القاصرات.. لو كان الفقر رجلا
المحامي حمادة علق بالقول “الفقر دائما هو أبرز الأسباب في زواج القاصرات. فعدم وجود ضمانات اجتماعية، يجعل من تشغيل الاطفال، ثم تزويجهن، حلا وحيدا”.
أما عن عواقب تلك الجريمة فحدث ولاحرج. ونتيجة عدم توثيق الزواج فمن ناحية تعاني هؤلاء الفتيات من إثبات نسب أطفاله.، كما أنه في حالة الوفاة لا ترث الزوجة. ويصبح مستقبلها مرهون بمساومات يمارسها أهل الزوج عليها، بحسب المحامي حمادة.
فضلا عن العنف الذي يمارس عليها من قبل زوج يكبرها بسنوات. وفي ظل عدم وجود أي توافق أو تفاهم. يلجأ الكثيرات إلى الانتحار. حيث أن الأهل في أغلب الوقت يقفن ضد رغبتهن في التخلص من تلك الزيجة.
إلى جانب معاناة أغلبهن من سوء التغذية. والاجهاض لعدد مرات. كما في حالة آية، التي أرسلها والدها للعمل في مصنع الطوب عند سن 12 عام. ثم سارع لتزويجها لاحقا هي وشقيقتها. فعانت الأمرين مع الزوج الذي كان دائم الاعتداء عليها بحجة أنها غير متحملة للمسؤولية. كما أن قلة وعيها أدى إلى فقدها جنينها لأكثر من مرة.
القبلية والزواج السياحي
الفقر ليس المتهم الوحيد في قصتنا. فهناك القبلية والعصبية، التي تفرض على الفتيات الزواج في سن الطفولة. كما هو الحال في بعض مناطق محافظة البحيرة. التي ترجع أعراقها إلى البدو، والأمازيغ. وهي مجتمعات شديدة المحافظة، لا تمنح المرأة أي اختيارات. ويتم الزواج خلالها عبر الترتيب فيما يدعى “زواج الصفقة” أحيانا.
وحول زواج الصفقة الذي يتم غالبا للاستيلاء على ميراث الفتاة. يؤكد مسؤول الشؤون القانونية في “بنت النيل” أن الزواج مبكرا كعادة لازال موجود بقوة في المجتمعات القبلية. ولكن في الوقت الحالي أصبح زواج الصفقة أقل شيوعا. حيث تجاوز الأهل تلك المسألة عبر إرغام الفتيات على التنازل عن ميراثها الشرعي. عبر التوقيع لها على وصل أمانة بمبلغ زهيد لا يتم دفعه غالبا.
أما زواج السياحة وهو الأكثر انتشارا في المناطق الريفية والعشوائية. فيرى حمادة أن للأمر بعدا جغرافيا، وقبليا. حيث يصعب انتشاره في المناطق العصبية القبلية. كما الحال في محافظته البحيرة. كما يؤكد انخفاض نسبته خلال الوقت الحالي.
ومن الناحية القانونية يعامل كل المتورطين فيه كتجار للبشر. فالأمر وضعية قانونية خاصة، حيث يتم ضبط كافة الأطراف المتورطين في الزيجة، على اعتباره بمثابة عملية بيع أطفال للوافدين الأجانب، بغرض المتعة الجنسية القصيرة، خلال الصيف غالبا، ومبلغ مالي محدد، وينتشر عادة في محافظة الجيزة، ومناطقها الأشد فقرا.
ومع ذلك لا يزال هذا النوع من الزواج موجود بفضل مستويات الفقر الموحشة، كما لا يتم العقاب على تلك الممارسة في حال كان سن الفتاة يتجاوز 21عاما، ولكن يشترط القانون تقديم شهادات استثمار بمبلغ خمسين ألف جنيه باسم طالبة الزواج المصرية، وذلك إذا ما جاوز فارق السن بينهما 25 سنة، وهو ما تراه إلهام عيداروس، اعترافا ضمنيا من الدولة بفشلها في ملف أحكام النفقات سواء بالداخل، او الخارج عبر سفاراتنا في تلك الدول.
ما العمل؟
إلهام عيداروس ترى أن السياسات التي تتبناها الدولة سببا رئيسيا في الجرائم المرتكبة ضد النساء. إذ تتبع نظاما اقتصاديا تقشفيا. فتلجأ للحل غير المكلف ماديا، وهو تغليظ العقوبات. من منطلق ضبط النظام، بعيدا عن أي نظرة حقوقية للأمر.
يظهر ذلك في تجاوزه عن تجريم المتورطين في تلك الزيجات لاحقا في حال لجأووا للمصادقة عليها. بدعوى الحفاظ على الأسرة القائمة بالفعل.
وترى إلهام الحل في تخيير الفتيات عند حلول موعد مصادقتهن على الزواج. ولكن مع وضع نظام حماية اجتماعية، شديد الدقة لدعم هؤلاء الفتيات ماديا، واجتماعيا، فليس من المعقول تغليظ العقوبات على أزواجهن، وأبائهن، وتركهن بلا مأوى، أو عائل.
فالأمر بحسب الهام استراتيجية متكاملة. وارادة سياسية قبل كل شئ لحماية النساء. والأطفال من تلك الجرائم التي ترتكب في حقهن. نتيجة غياب الدول، وتقاعسها عن أداء واجباتها، و اكتفائها بالنصوص القانونية.
من جانبه يقترح المحامي محمد حمادة استبدال أحكام السجن بالغرامات المالية الباهظة. حيث أنها الوسيلة الأنجع، نتيجة ارتفاع نسب الفقر. حيث إن القانون الحالي يفرض غرامات بسيطة على المأذون على سبيل المثال، ما يدفع أغلبهم لعدم التبليغ عن تلك الحالات.
كما يؤكد على ضرورة ترك الرائدات الريفيات لمكاتبهن، والعمل على توعية الأسر بمخاطر مثل هذه الانتهاكات، وكذلك إلحاق مكاتب الشؤون الاجتماعية المتخصصة، والمجتمع المدني بأقسام الشرطة.
بينما يتم تأهيل كافة العاملين بقوات إنفاذ القانون على التعامل بمهنية مع هؤلاء الأطفال، وبعيدا عن القرابات العائلية، والمحسوبيات، ومنحهم الحماية اللازمة في حالات العنف والإجبار على الزواج.
ولفت حمادة إلى ضرورة تفعيل خط نجدة الطفل الذي يكتفي في حال الاتصال به، بتحذر الأهل شفويا، الأهل دون تدخل حقيقي، أو الاستعانة بالشرطة لوقف فصول تلك الجريمة، إلى جانب ضبط مسألة عمالة الأطفال، التي تمنح المجتمع صورة ذهنية غير حقيقية، تقضي بأن الطفل الذي نزل إلى سوق العمل يمكنه تحمل تبعات الزواج.