ظلت صناعة الدواجن مصدر فخر لوزارة الزراعة. بعدما استطاعت الوصول للاكتفاء الذاتي منها والاعتماد عليها كعنصر أساسي في توفير البروتين الحيواني للمواطنين. قبل أن توجه أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف ضربة عنيفة للقطاع. وتدفع بكثير من المربين، للخروج من منظومة الإنتاج.
يقدر حجم صناعة الدواجن في مصر بنحو 65 مليار جنيه. ويعمل بها حوالى 2.5 مليون عامل، يعملون في نحو 47 ألف مزرعة تقريبًا على مستوى الجمهورية. 70% منها تعمل فى مرحلة التسمين.
وتراجعت معدلات إنتاج الدواجن منذ شهر ديسمبر الماضي بوتيرة ملحوظة مع عزوف المربين عن بدء دورات تربية جديدة. فأسعار مستلزمات الإنتاج جاءت على الأرباح. ورفعت أسعار البيع النهائي. ما دفع المواطنين لتقليل حجم مستوى استهلاكهم. في علاقة مركبة يدفع المنتج والمستهلك ثمنها معًا.
دفعت الأزمة المتصاعدة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإصدار توجيهاته أخيرًا. بتشكيل لجنة عليا لبحث أسباب الأزمة وإيجاد حلول لها. وإنقاذ صناعة الدواجن التي تمثل المصدر الأساسي لقطاع عريض من المواطنين, لا يستطيعون توفير حاجتهم من اللحوم الحمراء مرتفعة الثمن التي يصل الكيلو الواحد منها لضعف البيضاء.
أسباب الخسائر
يقول محمد الدغري، صاحب مزرعة دواجن في المنصورة. إن خسائر الموسم الشتوي (ديسمبر 2020 إلي أبريل 2021). أدى لعزوف المربين عن الدخول في دورات جديدة. فالمزرعة الصغيرة طاقة 10 ألاف دجاجة وصلت خسائرها إلى 150 ألف جنيه.
وبحسب الدغري، فإن صاحب المزرعة اشترى الكتكوت بـ13 جنيهًا في الموسم الشتوي ويحتاج الواحد منها إلى 4 كيلو جرامات من الأعلاف يعادل سعرها 35 جنيهًا. حتى يصل لوزن 1.5 كيلو في عمر 40 يومًا فقط. بخلاف الأدوية والتحصينات وأجرة العمال التي تصل إلى ٥ آلاف جنيه شهريًا.
وأوضح أنه عند إضافة تكلفة التدفئة والكهرباء، فان تكلفة الكيلو من الدواجن بحسبة الأرقام تصل إلى 30 جنيهًا. بينما تم بيعها تسليم مزرعة بسعر 21 جنيهًا بخسائر 9 جنيهات للكيلو الواحد. ما راكم الديون على أصحاب المزارع الذين عجزوا عن البدء في إنتاج جديد قبل تسديد مديونياتهم القائمة.
تراكم الديون
اشترى الدغري، كغيره من المربين، الأعلاف وجرعات التحصين بطريقة “الآجل” لحين استكمال الدورة وبيع الإنتاج وتسديد المديونية للموردين.
ورفض الكثيرون بدء دورات إنتاجية جديدة في شهر أبريل الماضي (الموسم الصيفي). رغم انخفاض سعر الكتكوت لأدنى مستوى عند 2 جنيه حاليًا. تحاشيا لإمكانية تكرار الخسائر خاصة مع قدوم عيد الأضحى الذي يزيد من الإقبال على اللحوم الحمراء.
يطالب المربون الحكومة بتخفيض أسعار الأعلاف بإعفاء جمركي على استيراد الذرة الصفراء وفول الصويا، والتوسع فى المجازر الآلية، لتثبيت أسعار الدواجن محليًا وحمايتها من التذبذب. الذي يخلقه طبيعة السوق الحرة من العرض والطلب.
يشير الدغري إلى دور التاجر، الحلقة التي تصل البائع بالمشتري، فمع انخفاض الإقبال من الجمهور يحجم التجار عن السحب من المزرعة، فيحتفظ صاحبها بالدجاج مما يزيد من حجم الخسائر الخاصة بالأعلاف والأمصال حتي لا يتعرض الدجاج للنفوق، أو يضطر إلى حرق الأسعار وبيعها بربع التكلفة للتخلص منها.
شكوى مستمرة
يشكو المربون منذ عقود من فعالية الأمصال، خاصة في الدورة الأخيرة، التي سجلت حالات نفوق تقترب من ثلث القطيع نتيجة الإصابة بأمراض مزمنة، وسط تحذيرات من شعبة الدواجن في الغرفة التجارية من وجود ماركات “بير سلم” رخيصة الثمن.
أحمد عابد، مربي دواجن بمحافظتي البحيرة والغربية. حذر من انتشار العدوى الفيروسية خلال الــ6 أشهر الأخيرة التي ساهمت في انخفاض الإنتاج خلال مايو ويونيو الماضيين تحديدًا بنسبة 30% منها فيروس ( نيو كاسل _ وآي بي –اتش ناين).
وأضاف أن فيروس (آي بي ) شهد تحورًا سريعًا أدى لنفوق أعداد كبيرة من القطعان حتي مع التحصينات، منبهًا بأن التطعيمات المستوردة لا تفيد الدجاج المصاب بسبب تحور الفيروسات لأنها تكون مصنعة علي أساس مرض مستوطن في بلاد المنشأ. ولا تراعي تطورات المرض بعد ذلك وتحوره في مناطق أخرى.
وطالب بتصنيع التحصينات محليًا وفرض رقابية بيطرية وصحية في مزارع إنتاج الدواجن ومراجعة شروط الإنشاء الصحية. بحيث تضم كل مزرعة مدفن صحي لضمان التخلص من حالات النفوق بشكل سليم. لضمان عدم انتشار الفيروس من خلال إلقاء الطيور النافقة علي الطرق العامة والمجاري المائية التي تتداولها الحيوانات المفترسة. وتساعد علي نشر العدوي لتقليل الحمل الوبائي.
وأكد عابد أن حوالي 20% من المربيين خرجوا من سوق الإنتاج خلال الــ 6 أشهر الماضية نتيجة الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها. وأن مثلهم يفكرون في الخروج أيضا وتغيير النشاط تمامًا، فحجم النفوق تجاوز الثلث بالمزارع بينما يصل في المعدل الطبيعي بين 2% و5%.
حلول مختلفة
اعتبر عابد أن دعم الأعلاف لا يحمل جدوي في تعافي القطاع. بل يجب التفكير في حلول غير تقليدية ومجدية تخدم المربين، منها تقديم قروض ميسرة بفائدة بسيط، وعمل وحدات بيطرية لمراجعة وإجراء الكشف الدوري علي المزارع ومتابعتها وتقديم تحصينات وأدوية تتناسب مع بيئة وحالة الوباء المنتشر.
يمثل المربون الصغار المتضرر الأول من الأزمة. وهم ملاك المزارع التي كانت تعمل بطاقة 5 و 10 ألاف فرخ. وتمثل تلك المزارع وزنًا كبيرًا في السوق في توفير الدواجن الحية. فمعظم الشركات الضخمة تعمل في إنتاج المجمد أو البيض والكتاكيت.
يقول المهندس مراد شاكر سليمان حبيب، المتخصص في تربية الدواجن. إن بعض الشركات الكبري خرجت من سوق الإنتاج الداجني. وتوقفت عن العمل. منها شركة “الكابتن” التي كانت تعمل في إنتاج وتربية الأمهات البياضة والتفريخ. وشركة الوادي التي باعت قطعان الأمهات للتخلص من حمل الغذاء. فالدجاجة تحتاجر 7 أشهر، حتى تنتج أول بيضة لها ما يجعلها عملية مكلفة ماديًا.
يضيف مراد أن خروج شركات كبري في إنتاج الأمهات وتفريخ الكتاكيت. لن يؤثر بشكل ملحوظ علي السوق لوجود عدد ضخم من الشركات التي تعمل في هذا المجال. ما يحجم إمكانية حدوث خلل في التفريخ وإنتاج الكتاكيت.
الأسباب والحلول
قال عبد العزيز السيد. رئيس شعبة إنتاج الدواجن بالغرفة التجارية. إن 90% من مدخلات الأعلاف تعتمد على الاستيراد. وارتفعت أسعارها حتى وصل سعر الطن إلى 8500 جنيه.
تبلغ فاتورة استيراد 9 ملايين طن من أعلاف الذرة الصفراء وفول الصويا التي تدخل في صناعة أعلاف الدواجن ما يقرب من 18 مليار جنيه.
لا يخفى عبدالعزيز أن ارتفاع التكلفة دفع المربين إلى بيع قطعان الأمهات المنتجة للبيض للتخلص من عبء تكلفة غذائها. ليقفز سعر الكرتون إلي 49 جنيهًا للأبيض و52 للأحمر سعر المزرعة بالمقارنة بسعرها خلال رمضان حينما كانت تباع بسعر 25 جنيها للكرتون، رغم أن الشهر الفضيل هو موسم ارتفاع سعر البيض بسبب عيدالفطر وصناعة الكعك والبسكويت.
واستبعد عبدالعزيز اللجوء إلى عملية فتح استيراد الدواجن من الخارج لحل الأزمة الحالية وتراجع الإنتاج فمصر حققت اكتفاء ذاتي في إنتاج اللحوم البيضاء والبيض حيث ننتج حوالي 1.5 مليار دجاجة سنويا و13 مليار بيضة
وتتوقع الشعبة انتهاء جزء كبير من مشكلات قطاع الدواجن بعد التوجيهات الأخيرة لوزارة الزراعة بتشكيل لجنة عليا لدراسة الأزمة والشروع في التوسع من زراعة الذرة الصفراء، ودراسة الخريطة الوبائية في مصر لإنتاج أمصال ذات فاعلية لأمراض الدواجن.