بمجرد أن يذكر مصطلح “التراث العربي المسيحي”. حتى يبدو الغضب على أوجه الكثير من الأقباط  الأرثوذكس الذين يرون في المصطلح تهديدًا لهويتهم القبطية. وكأنه فخًا ينصب لمن أراد الاقتراب من تلك المنطقة الشائكة.

يخاصم الكثير من الأقباط التراث العربي. إذ يرون في العروبة احتلالًا عمل على تغيير هويتهم بشكل قسري إبان فتح مصر. حين تم إقرار اللغة العربية لسانًا واحدًا لكافة ولايات الدولة الإسلامية المترامية في عصر الأمويين. بينما ضاع لسانهم القبطي في خضم ذلك.

في المقابل، يتعامل المسيحيون المصريون من الكاثوليك والإنجيليين مع تلك المنطقة من التاريخ بحساسية أقل. ربما هي التي دفعت كلية اللاهوت الإنجيلية لمناقشة هذا المصطلح الإشكالي في مؤتمرها السنوي الذى يحمل الاسم نفسه “أصدقاء التراث العربي المسيحي”.

من فعاليات المؤتمر
من فعاليات المؤتمر

إلا أن نقاشات السنوات الماضية كانت قد دأبت على التعامل مع المصطلح باعتباره أمرًا واقعًا. حتى جاءت نسخة المؤتمر لهذا العام التي اختتمت قبل يومين لتعود بالنقاش إلى معنى “التراث العربي المسيحي” في الأساس.

21 باحثا 

القس عيد صلاح راعي الكنيسة الإنجيلية بعين شمس ومقرر هذا المؤتمر. قال إن نسخة هذا العام التي تأخرت بسبب وباء كورونا شهدت مشاركة ٢١ باحثًا في سبع جلسات قدم خلالها باحثون من مختلف الطوائف المسيحية وكذلك مسلمين أوراقًا بحثية.

يرد القس عيد صلاح على الاتهامات التي تلاحق علم التراث العربي المسيحي. الذى يرى البعض إنه يسعى لمحو الهوية القبطية. ويقول: الهوية مفهوم متعدد لا يمكن اختزاله عند لغة معينة، أو فترة تاريخية معينة. في المقابل توجد خطورة في ربط اللغة بالدين. فالموقف السلبي من اللغة العربية مبني على ارتباطه بالإسلام. اللغة العربية أداة ثقافية للتواصل وهي ضمن التراث الإنساني. فالتركيز على التراث العربي المسيحي ليس من زاوية عرقية لكن من منظور ثقافي يجمع بين الناطقين باللغة العربية.

المؤتمر يعتبر متنفسًا للمهتمين بالبحث في التراث العربي المسيحي، فيشارك الباحثين بأبحاثهم التي تعبوا في إعدادها وتنشر بعد عرضها وتحكيمها في الدورية الخاصة التي يصدرها المركز الفرنسيسكاني

أبرز ما يميز هذا العام هو النظر في إعادة بناء المفاهيم الخاصة بعلم التراث العربي المسيحي. فتضمن المؤتمر  جلسة خاصة حول هذا الأمر قدمت فيها ثلاثة أوراق بحثية. الأولى من القسّ عيد صلاح بعنوان: “التراث العربيّ المسيحيّ: إشكاليّة المصطلح وسؤال الهوية”. والثانية قدمها الأستاذ صبحي عبد الملاك ورقة بعنوان: “نحو تأسّيس التراث العربيّ المسيحيّ”. وقدم الدكتور لويء محمود سعيد ورقة بعنوان: “نحو مقاربة للتراث العربيّ القبطيّ”. وترأس الجلسة الأب القمص يوسف الحومي، على حد تعبير مقرر المؤتمر.

ماهية مصطح التراث العربي المسيحي

يوضح الدكتور لؤي محمود ماهية مصطلح التراث العربي المسيحي. فيشير إلى إن هذا التراث يرتبط في الأساس بتلك العلاقة الجدلية والحوار الفكري والحضاري بين كل من المحيط الثقافي الإسلامي في القرنين السادس والسابع الميلادي من ناحية. وكذلك العلاقة الجدلية مع التراث المحيط بالمسيحيين العرب المعروف بالوثني. حتى أصبحت الثقافة المسيحية تمثل جسرا وحلقة وصل بين موروثات إقليمية تسبقها في العالم العربي مثل الحضارة المصرية القديمة والأشورية وغيرها.

إحدى جلسات المؤتمر
إحدى جلسات المؤتمر

يؤكد القس عيد في تصريحات لـ” مصر 360″، أن هذا المؤتمر يعتبر متنفسًا للمهتمين بالبحث في التراث العربي المسيحي، فيشارك الباحثين بأبحاثهم التي تعبوا في إعدادها وتنشر بعد عرضها وتحكيمها في الدورية الخاصة التي يصدرها المركز الفرنسيسكاني ،مضيفًأ: بكل تأكيد المؤتمر يسهم في دفع الحركة العلمية في مجال البحث في التراث العربي المسيحي إذ يساهم في تراكم الخبرة المعرفية والبحثية ويشجع باحثين جدد كل عام لتقديم أوراق بحثية.

نقد فكر جورج بباوي

أما اللاهوتي القبطي الراحل جورج حبيب بباوي، فقد نال نصيبا من نقاشات هذا المؤتمر حيث تم الاقتراب من موضوع الثالوث من زاوية خاصة. وهي نقد فكر بباوي ونظرته للاهوتيين العرب. وذلك في الجلسة السادسة التي شارك فيها الدكتور عادل زكري بورقة بحثية بعنوان: هل تثليث الصفات عند اللاهوتيين العرب هرطقة سابيلية؟. وشارك الدكتور  صموئيل أرمانيوس بورقة بحثية بعنوان: “قراءة نقديّة للطرح العربيّ عن التثليث: جورج بباوي أنموذجًا”.

أوضح الباحث عادل زكري أن هناك تقصيرًا في فهم الدكتور بباوي للسياق الذي ظهر فيه “دفاع الصفات” إذ وعى اللاهوتيون العرب جيدًا معنى السابيلية وهي بدعة اعتقد صاحبها سبليوس أن الإله هو أقنوم واحد ظهر فى ثلاثة أشكال للأب والأبن والروح القدس وليس ثلاثة أقانيم أو أحوال : حال الآب، وحال الابن، وحال الروح القدس وكان يبحث عن وحدانية الإله ورأى أن هذه الوحدانية لا تتفق مع وجود ثلاث أقانيم غير أن اللاهوتيين العرب قد استخدموا كلمة «صفات» ليس بمعنى أعراض.

كما بين عادل زكري أن هناك ثمة اتصال بالحقبة الآبائية يظهر في تشبيه الأقنوم الثاني بأنه نطق/ عقل الله الذي يمتد بجذوره إلى الحقبة الآبائية المبكرة لذلك حافظ اللاهوتيون العرب على الشرح الآبائي عن الصفات الأقنومية ”الأبوة والبنوة والانبثاق” مع إضافة شروحات أخرى تناسب عصرهم.

يلفت ذكري: فقد نشأ «دفاع الصفات» في خلفية التأثير المتبادل بين المسيحية والإسلام من ناحية. وفي سياق جدالات الفرق الإسلامية حول قضية الصفات الإلهية من ناحية أخرى. مضيفا: لا يصح أن يُنكر على آباء الكنيسة ومعلميها في هذا العصر أن يخاطبوا عصرهم وفقًا لمصطلحاته. كما أن محاكمة اللاهوت العربي المسيحي في ضوء الحقبة الآبائية هو نوع من المفارقة التاريخية وبمثابة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

كانت دورة هذا العام من مؤتمر أصدقاء التراث العربي المسيحي. شهدت تكريم دكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة لحصوله على جائزة الدولة التقديرية، وهو أحد المشاركين بأبحاث علمية في مؤتمرات سابقة لأصدقاء التراث العربي المسيحي حيث قال عنه مقرر المؤتمر لقد أثر في الحياة الثقافية المصرية وله إسهامات بارزة في هذا العلم أبرزها  كتاب الأقباط في العصر العثماني و رواية يعقوب حيث يكتب بعقل ودقة المؤرخ وقلب الأديب.