تزداد وتيرة الضغوط العالمية على المملكة العربية السعودية. على أكثر من مستوى بشأن ملفها الحقوقي المثير للجدل. ففيما مرر البرلمان الأوروبي قرارًا يشجب انتهاكات حقوق الإنسان. خاصة استخدامها لعقوبة الإعدام.

هيومن رايتس ووتش“، قالت اليوم إن شهادات جديدة ظهرت عن تعذيب معتقلين سياسيين بارزين في سجون النظام.

وحصلت هيومن رايتس ووتش على مجموعة من الرسائل النصية من دون اسم في يناير الماضي. من شخص يعرّف عن نفسه بأنه حارس سجن سعودي.

فيما تصف الرسائل التعذيب وسوء المعاملة التي شهد هو وغيره من حراس السجن ارتكابها من قبل محققين سعوديين ضد محتجزين بارزين في السجن. من منتصف إلى أواخر عام 2018. كما رفض الشخص الكشف عن اسمه خوفا من الانتقام. لكنه وصف في رسائل نصية ما شاهده وأرسل رسائل نصية كانت وصلته من حراس سجن آخرين.

الأدلة الجديدة التي تزعم أن السعودية تمارس التعذيب الوحشي ضد المدافعات عن حقوق المرأة وغيرهن من المحتجزين البارزين تفضح ازدراء السعودية المطلق لسيادة القانون

في غضون ذلك. قال نائب مدير الشرق الأوسط في المنظمة مايكل بيج:”الأدلة الجديدة التي تزعم أن السعودية تمارس التعذيب الوحشي ضد المدافعات عن حقوق المرأة وغيرهن من المحتجزين البارزين تفضح ازدراء السعودية المطلق لسيادة القانون. وعدم التحقيق بمصداقية في هذه الادعاءات. تركُ المعتدين دون محاسبة يوجه رسالة بأنهم يستطيعون ممارسة التعذيب والإفلات من العقاب دون أي مساءلة على هذه الجرائم”.

التحرش والإهانة بهدف الإيذاء

الشهادات كانت من سجن ذهبان، شمال جدة. وموقع آخر حدده الحراس على أنه سجن سري. وصفوا بعض الوقائع التي قالوا فيها إن المعتقلات، بمن فيهن الناشطة البارزة في حقوق المرأة لجين الهذلول والناشط الحقوقي محمد الربيعة. تعرضوا للتعذيب وغير ذلك من سوء المعاملة.

الشهادات تضمنت مدافعة سعودية بارزة عن حقوق المرأة التي اعتقلتها السلطات السعودية في حملة واسعة بدأت في مايو عام 2018. حجبت هيومن رايتس ووتش اسمها، وقال الحارس: “في إحدى جلسات تعذيبها، فقدت الوعي وشعرنا جميعا بالرعب. خشينا أن تكون ماتت وأن نتحمل المسؤولية. لأن التعليمات كانت بعدم قتل أي من المعتقلين، رجالا أو نساء”.

وفي رسالة نصية أخرى، كتب الحارس: “تعرضت لجين الهذلول لتحرش جنسي لم أشهد مثله من قبل، كانوا يستمتعون بإهانتها، كانوا يسخرون منها لأنها متحررة. وأنها لن تمانع التحرش مثل وضع أيديهم في ملابسها الداخلية أو لمس فخذيها أو توجيه كلمات مهينة لها”.

وكانت منظمات حقوقية أبلغت في نوفمبر عام 2018. عن اتهامات بأن المحققين السعوديين عذّبوا أربع ناشطات على الأقل. بوسائل شملت الصعق الكهربائي والجَلد. وارتكبوا التحرش والاعتداء الجنسيَّين ضدهن.

وفي يناير عام 2019. قالت هيومن رايتس ووتش و”منظمة العفو الدولية”. إن على السلطات السعودية السماح لمراقبين دوليين بدخول البلاد والتحقيق في مزاعم التعذيب.

كما أعلنت “النيابة العامة” السعودية في مارس عام 2019. أن مكتبها الذي يتبع مباشرة للملك وولي العهد، وهيئة حقوق الإنسان السعودية –الحكومية-، و”الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان”. أجرت تحقيقات منفصلة في مزاعم التعذيب. ولم تجد أي دليل يدعمها، إذ لا تتمتع أي من هذه الهيئات بالاستقلالية اللازمة لإجراء تحقيق موثوق وشفاف يحاسب المسؤولين عن التعذيب.

كما قال أفراد من عائلة الهذلول إن محكمة استئناف سعودية رفضت في فبراير. عقب الحكم والإفراج المشروط عنها. مزاعم الهذلول الموثوقة بأنها تعرضت للتعذيب في السجن، قبل شهر. كما رفضت محكمة أخرى مزاعم تعرضها للتعذيب، معلّلة ذلك بنقص الأدلة.

الرائحة الكريهة للتعذيب

وفي رسالة نصية أخرى. ذكر أحد حراس السجن التعذي بالذي تعرض له الناشط محمد الربيعة.

والربيعة اعتُقل مع المدافعات عن حقوق المرأة في مايو عام 2018، ثم أدانته لاحقا محكمة الإرهاب السعودية في 20 أبريل، وحكمت عليه بالسجن ست سنوات بتهم غامضة وملفقة متعلقة بنشاطه.

وجاء في النص: “كان الربيعة من بين الذين تعرضوا للتعذيب بما يفوق قدرته على التحمل، خاصة عندما علم المحقق أنه يعاني من آلام في الظهر. فبدأ يبدع بتعذيبه، مستهدفا أماكن مؤلمة بالفعل إلى حد أنه لم يعد قادرا على الذهاب إلى الحمام دون أن نساعده”.

الناشط السعودي محمد الربيعة
الناشط السعودي محمد الربيعة

وفي إحدى الرسائل التي تلقاها المصدر ووجها إلى هيومن رايتس. وصف أحد حراس السجن معاناة نشطاء حقوقيين آخرين احتُجزوا عام 2018: “لم يرحموا “تم حجب الاسم” كنت أذهب إليه وأجده جثة هامدة وأتوقع أنه توفي. حتى يأتي الطبيب ويساعده بالمسكنات والأدوية الأخرى لإنعاشه، ثم يعذبونه مرة أخرى”.

كما قالت هيومن رايتس إنه نظرا لعدم رغبة السعودية في إجراء تحقيق مستقل وموثوق به في مزاعم التعذيب. ستظل صورة البلاد مشوهة إلى أن تسمح السلطات لمراقبين دوليين مستقلين بدخول البلاد والتحقيق في مزاعم التعذيب.

وقالت المنظمة إن على القادة السعوديين أيضا إبطال جميع التهم والإدانات والأحكام الصادرة بحق نشطاء حقوق المرأة وغيرهم المبنية فقط على نشاطهم وتعبيرهم السلمي عن آرائهم.

وأكد نائب مدير الشرق الأوسط في المنظمة مايكل بيج أن: الرائحة الكريهة للتعذيب وغيره من المعاملة المروعة بحق المعتقلين السعوديين ستظل عالقة بالقادة السعوديين. ما لم يتخذوا خطوات عاجلة لوقف هذه الجرائم ومحاسبة الجناة، حتى في أعلى المستويات.

قرار أوروبي يدعو لمحاسبة السعودية على انتهاكاتها

وقبل يومين. أيد القرار الأوروبي الذي يسلط الضوء على استخدام عقوبة الإعدام في السعودية. ويندد بمواصلة السلطات السعودية إعدام المتّهمين القاصرين. آخرهم الفتى مصطفى هاشم آل درويش، أغلبية الأعضاء بنسبة وصلت إلى 661 صوت مؤيد، مقابل 3 صوت معارض، و23 ممتنع.

وكان إعدام القاصر السعودي مصطفى الدرويش في 15 يونيو عام 2021 انقلابا على وعود السلطات السعودية بإلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين، والدرويش، من مواليد عام 1994، اعتقل في عام 2015 بتهم تتعلق باحتجاجات القطيف بالمنطقة الشرقية بالسعودية، والتي جرت أحداثها عندما كان عمره بين 17 و 19 عامًا.

وعَقب اعتقال الدرويش. احتُجز في الحبس الانفرادي. وتعرض للتعذيب والإهانة وأُجبر بالإكراه والتهديد على التوقيع على إقرار باعترافات لجرائم لم يرتكبها بحسب منظمات دولية مراقبة.

وبعد عامين من الاحتجاز دون محاكمة في إجراء ينتهك القانون، قُدِّم للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في عام 2017 وحُكم عليه بالإعدام تعزيرًا في عام 2018 بعد محاكمة شابتها الكثير من الانتهاكات ولم تتحقق فيها شروط المحاكمات العادلة بما فيها التحقيق في ادعاءات التعذيب.

وقد أيدت المحكمة العليا الحكم في 3 يونيو 2021، ونفذ إعدامه دون إبلاغ أسرته، وبحسب منظمة القسط لحقوق الإنسان فلطالما كانت السعودية من ضمن الدول الأكثر توظيفًا لعقوبة الإعدام في العالم.

وتحاول المملكة منذ وصول الرئيس الأمريكي جون بايدن ذو الانتماء الديمقراطي، تحسين أوضاعها عبر شركات للعلاقات العامة وبعض الافراجات عن النشطاء السياسيين، ولكنها تبادر بخطوة للأمام، وخطوتين للخلف، فلم تتحقق المطالب المرجوة منها عالميا.

السجل الحقوقي السعودي..خطوة للأمام واثنين للخلف

كانت المملكة وفي خضم الانتقاد الدولي لسجلها الحقوقي حاولت تلميع صورتها بإعلان بعض الإصلاحات في الأعوام الأخيرة. لم تبلغ أدنى المستويات المطلوبة طبقا لما اعلنته منظمة القسط.

و في عام 2020. أصدرت السلطات أمرًا ملكيًّا عنوانه العريض إنهاء تطبيق حكم الإعدام تعزيرًا على الأحداث. ومضمونه ثغراتٌ تترك للقضاة منافذ عدة لفعل ذلك. بما في ذلك استبعاد الأحكام في القضايا المرفوعة بموجب قانون مكافحة الإرهاب كما في حالة الدرويش. ولاحقًا أصدرت لجنة حقوق الإنسان الرسمية في السعودية أنه “لن يتم إعدام أي شخص في السعودية على جريمة ارتكبت عندما كان قاصرًا”، الأمر الذي اعتبرته المنظمات الدولية وعدا صوريا، بعد ارتفاع معدلات الإعدام خلال العام الجاري.

وبينما شهد عام 2020 انخفاض كبير في تنفيذ عقوبة الاعدام، يشير قرار البرلمان الأوروبي إلى أنّ العدد الكلي للإعدامات التي نفذت حتى اليوم في عام 2021، 32 حكمًا بالقتل، إذ تجاوز العدد الإجمالي للعام الماضي.

ويشير الامر إلى أنّ العدد الحالي لمن يواجهون عقوبة الإعدام في السعودية لا يقل عن 40 معتقلًا، ومنهم نقّادٌ سلميون للسلطات مثل الداعية سلمان العودة والباحث الشرعي حسن المالكي، فالادعاء العام لم يتراجع عن المطالبة بحكم القتل بحقهم.

ومع ذلك أفرجت السلطات السعودية أمس عن عبدالعزيز الدخيل، بعد أكثر من عام على اعتقاله بسبب ما قيل إنها تغريدة نعى فيها الأكاديمي السعودي عبدالله الحامد.

وتوفي الحامد، وهو أكاديمي سعودي وأحد مؤسسي “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية”، في 24 إبريل من عام 2020 عن عمر يناهز 69 عاما، بعد تعرضه للسجن في ظروف وصفت بغير الإنسانية.

كما سبق وأن أفرجت السلطات عن الناشطتين في حقوق المرأة سمر بدوي ونسيمة السادة، بعد اعتقال دام لمدة 3 سنوات، ليلحقا بزميلتهما الناشطة الأبرز لجين هذلول، وذلك في ظل محاولات ولي العهد الشاب محمد بن سلمان حل أزماته الداخلية، والخارجية، بالتقاطع مع الضغوط الواقعة عليه من الشركاء الدوليين.

ملف حقوق الانسان السعودي.. قرارات دولية دون تغيير

القرار الأوروبي ليس الأول من نوعه فقد سبق وأن مرر البرلمان الأوروبي عددا من القرارات بشأن السعودية، منها قرار في أكتوبر عام 2020 حول وضع المقيمين الأثيوبيين المحتجزين في مراكز الاعتقال السعودية ويتطرق  إلى غيرها من انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

كذلك ندد بالنهج المستمر بإنزال أحكام قاسية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان والنقّاد السلميين، مثل عامل الإغاثة الإنسانية عبدالرحمن السدحان، ويدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عنهم، ورفع القيود المفروضة على من أفرج عنهم منهم، بمن فيهم المدافعة عن حقوق الإنسان لجين الهذلول.

ويدعو القرار، في ضوء هذه الانتهاكات، السلطات السعودية باتخاذ خطوات لتحسين سجلها الحقوقي، بالإلغاء الحقيقي لعقوبة الإعدام بحق المذنبين القاصرين ومراجعة قضايا كافة المساجين المعرضين لعقوبة الإعدام، من بين خطوات أخرى.

وعبر القرار عن ندمه على “المقاربة الخجولة” للاتحاد الأوروبي في الماضي فيما يتعلق بالدبلوماسية العلنية حول حقوق الإنسان في السعودية، وحث الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لاتخاذ عدة إجراءات لمحاسبة السلطات السعودية على انتهاكاتها الحقوقية، بما في ذلك عبر تفعيل آليات مثل الحوار الحقوقي السعودي-الأوروبي، ودعم لوائح العقوبات العالمية لحقوق الإنسان، ودعم أي خطوة يتخذها مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة.

وفي السياق ذاته علقت مديرة الدعم في منظمة القسط جوليا ليجنر قائلة: “هذا القرار يبين أن أغلبية نواب الاتحاد الأوروبي، ورغم مساعي السلطات لتقديم صورة إصلاحية عن نفسها، رفضوا غض الأبصار عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في البلاد، والأهم أنهم دعوا الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لاتخاذ مقاربة أجرأ وللانخراط بشكل فاعل في محاسبة السلطات السعودية”.