كتل من الهموم تشبه الأسمنت الذي يعرضه للبيع بعد انحسار الطلب المعتاد عليه، يحملها محمد سيد، بائع التجزئة، في وقت لا ينقطع تفكيره عن مصير البضاعة بينما تستمر الخسارة في ظل مصير قابع في نفق مظلم يخيم على أشباهه من التجار في مختلف المحافظات.

وعلى عكس الكثير من الصناعات المحلية فإنتاج الأسمنت زاد إلى حد الركود، وأصبح حجم المعروض منه أكثر من الطلب بمرات عديدة، وهو ما جعل التجار والوكلاء في محافظات مصر يعانون من أزمة حقيقية، بالتزامن مع عدد آخر من العوامل التي ساهمت في تفاقم الأزمة ومنها وقف تراخيص البناء، وكذا تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد.

هل ترتفع أسعار الأسمنت خلال الفترة المقبلة؟

توقع مسار الأسعار في ظل حالة الركود عادة ما يخرج عن نطاق المنطق، فالمتعارف عليه أن يتم تخفيض الأسعار لإنعاش الأسواق والتحفيز على الشراء، وفي قطاع الأسمنت يبدو أن الوضع مغاير تماماً لهذا المنطق.

يؤكد أحد وكلاء الأسمنت، صبري سعداوي، أن الشركات تناقش رفع أسعار الأسمنت سعياً منها للكسب في ظل وجود ركود السوق والتوقف شبه الكامل لحجم المبيعات، معتبراً أن هذا التصور ليس بالضرورة صحيح ولكنه معتاد في هذا القطاع من وقت لآخر وسرعان ما تعود الأسعار للانخفاض مرة أخرى في حال عدم ملائمة رفع السعر للواقع.

يقول رئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، أحمد الزيني، إن أصحاب الشركات يتبعون نفس السيناريو القديم المتمثل في محاولة رفع الأسعار من وقت لآخر، ويفشلون في معالجة الركود فيعودوا مرة أخرى للسعر القديم.

وأضاف الزينى، فى تصريح خاص لمصر 360، إن السوق عرض وطلب واتفاق الشركات مخالف لقواعد العمل الحر به، والسعر العالمي لطن الأسمنت لا يتجاوز الـ 35 دولار بينما يقدر محليا بنحو 50 دولار، مضيفاً أن الشركات تسعى لتعويض الركود بالإجراء الخاطئ فرفع السعر عادة لا يعالج الأزمة والأمر سبق إختباره أكثر من مرة على أرض الواقع دون جدوى.

سوق الأسمنت في مصر

حال السوق: المحافظات “بيوتنا اتخربت”.. والشعبة العامة “المصانع لم تتوقف”

صبري سعداوي يقول إن حجم المنتج في السوق المحلي أصبح كبيرا لدرجة أن هناك الكثير من التجار تكبدوا خسائر مالية ضخمة تأثرت بها أوضاعهم المعيشية، معتبراً أن الأزمة الموجودة ترتبط إلى حد كبير بالمحافظات فلم يعد هناك بناء وبالتالي الطلب على الأسمنت أصبح قاصرا على المباني القديمة وهي قليلة للغاية لا يمكنها أن تؤثر بأي حال على الوضع الراكد.

يلفت سعداوي إلى أن تراجع الطلب وصل لنحو 70%، وأن تجار المحافظات يرتبط عملهم بنطاقهم فتكلفة النقل إلى القاهرة أو المدن بشكل عام تحدد هامش الربح، وسلعة الأسمنت لا يمكن تخزينها لوقت طويل وهو ما جعل الخسائر بالفعل كارثية، معتبراً أن الآمال معلقة بالعودة مرة أخرى للبناء وما تم إعلانه حول التراخيص وآليات العمل بها خلال الفترة المقبلة، والتي يأمل التجار ألا تمتد لأكثر من ذلك لضمان إنقاذ هذا القطاع الذي بات مأزوماً إلى حد التوقف.

ويقدر حجم الاستهلاك السنوي للأسمنت بنحو 45 مليون طن بنحو 3.5 مليون طن شهرياً.

أحمد الزيني يعود للحديث ويؤكد أن مشروعات الدولة القومية ساهمت كثيراً في استيعاب الأزمة ولكنها تتعامل مع المصانع مباشرة، معتبراً أن الوكلاء في المحافظات أكثر معاناة من قرار وقف تراخيص البناء طوال الفترة السابقة قائلاً: “أتوقف حالهم بالمعنى الحرفي وتضاعفت خسائرهم”، بينما يصف لحالة التي عليها المصانع والشركات بأنها “ماشية فل”،.

يؤكد أنه لا توجد أزمة تسببت في غلق مصانع كما يشاع، وأن من أعلنوا عن الغلق يستهدفون استغلال أرض المصنع وبيعها ولا علاقة للأمر بحالة الركود العام الموجود في البلاد، ولا يوجد على حد تعبيره “مصنع واحد أغلق أبوابه أسبوع واحد”، مضيفاً أن الاستهلاك السنوي تراجع بنسبة تتراوح من 5 لـ 10% ولم تتعدى هذا الحجم وهو مؤشر ضمنى لأزمة محدودة.

الأسباب التفصيلية لأزمة ركود الأسمنت

هناك عدد من العوامل تسببت في تراجع الإقبال على شراء الأسمنت في السوق المحلي خلال العام والنصف الأخير، والتي أدت بالتبعية لإرباك السوق والأسعار والتعاملات.

واعتبر رئيس شعبة مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية أن هناك ظروف عالمية غاية في التعقيد يمر بها الاقتصاد بشكل عام تأثراً بانتشار فيروس كورونا المستجد، وهو ما ألقى بظلاله على مختلف القطاعات ومنها الأسمنت وباقي مواد البناء، وهناك قرار داخلي أثر على السوق لنحو عام ونصف وهو وقف تراخيص البناء وما له من تأثير مباشر على حجم الطلب خاصة في محافظات مصر المختلفة.

وأضاف الزيني أن نحو 50% من مصانع الأسمنت أصبحت منتهية الصلاحية وبعضها يعود إلى عام 1926 وهو ما جعل قوتها الانتاجية الفعلية لا تتعدى الـ 10%، وهذا بالتبعية يؤثر على عوامل الأمان البيئي وكذلك تقديرات الانتاج الرسمية، وبعض هذه المصانع صدر بشأنها قرار وأًمهلوا 5 سنوات لتوفيق أوضاعهم في عام 2005 ولكنهم حتى الآن يعملون بمعداتهم المتهالكة وامكانياتهم الضعيفة، وهو ما يجعل حجم المنتج على الأوراق غير دقيق في مجمله.

وبرأي الزيني، فإن الشركات الأجنبية في هذا القطاع “مصت دماء المصريين”، وهي رغم ما تشيعه عن الأزمات في القطاع لا ترغب في التصدير وتُؤثر البيع المحلي لأنه يحقق ربح أكبر من الخارج.

135% زيادة في حجم الصادرات خلال 4 شهور من العام الجاري

كشف المجلس التصديري لمواد البناء في تقريره الدوري عن وجود زيادة ملحوظة في معدلات تصدير الأسمنت خلال الـ 4 أشهر الأولى من العام الجاري والتي تقدر بنحو 98 مليون دولار، بمعدل ارتفاع 135%، مقابل نحو 42 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020.

ووفقا للبيان الصادر عن المجلس فإن التصدير تم لنحو 64 دولة من بينهم 23 دولة لم يتم التصدير لها خلال نفس الفترة من العام الماضي، وأن هناك 6 دول استحوذت على نحو 71.7% من جملة ما تم تصديره وهي بالترتيب: “ليبيا، وكينيا، والسودان، وأوغندا، وساحل العاج، وغانا”.

بينما كشفت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية، في تقرير أداء موانيها عن عام 2020 أن تصدير الأسمنت لغرب أفريقيا أدى لزيادة تحصيل الأرصفة الجديدة لنحو 15%، ورفع حركة الشاحنات بنسبة تقدر بنحو 38%، ورفع حمولة السفن لنحو 11.6%، وساهم في رفع حركة التداول بنسبة 18.5%.

وقدرت شعبة الأسمنت باتحاد الصناعات المصرية إجمالي حجم الاستثمار في القطاع بنحو 250 مليار جنيه، بمساهمات أجنبية تقدر بنحو 52% من إجمالي الطاقة الانتاجية.