من جديد تعود معركة الأمعاء الخاوية إلى واجهة السجون المصرية في ظل إطالة فترات الحبس الاحتياطي لعدد من المتهمين السياسيين، وذلك بعد إعلان ناشطين محتجزين إضرابهما عن الطعام، احتجاجا على أحكام قضائية تبقيهم خلف الجدران لسنوات، واستمرار حبس آخرين على ذمة قضايا مفتوحة تنتظر المزيد.
والإضراب عن الطعام ما هو إلا وسيلة للاعتراض على استمرار احتجاز النشطاء السلميين بأعداد كبيرة على خلفية تهم سياسية، ومن هذا المنطلق دخل الباحث والسجين السياسي أحمد سمير السنطاوي إلى مستشفى سجن طرة إثر تدهور حالته الصحية بسبب إضرابه عن الطعام. وذلك بعد مرور ما يقرب ما يزيد عن أسبوعين في الإضراب الكلي عن الطعام والشراب عدا المياه اعتراضا على الحكم الصادر ضده بالحبس أربع سنوات وذلك في القضية 877 لسنة 2021 ومطالبة بحريته التي سلبت منه دون سبب.
الأمر الذي دفع عدد من المؤسسات الحقوقية والأحزاب السياسية إعلان تضامنها مع سنطاوي خوفًا على حياته، مطالبين بالإفراج الفوري عنه وإلغاء الحكم الصادر بحقه، آخرهم مناشدة مؤسسة حرية الفكر والتعبير رئيس الجمهورية بالإفراج عنه
كان سنطاوي قد اختفى قسريا بعد استدعائه للتحقيق من قبل الأمن الوطني ثم ظهر في قسم التجمع الخامس في فبراير الماضي.لتوجه له اتهامات الانضمام إلى جماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، إذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن والنظام العام، إستخدام حساب على شبكات التواصل الإجتماعي فيسبوك بغرض نشر الأخبار الكاذبة وذلك في القضية 65 لسنة 2021 حصر أمن الدولة العليا.
وداخل السجن أيضا، جرى اتهامه في قضية أخرى هي القضية 877 لسنة 2021 والتي حكمت فيها محكمة أمن الدولة العليا عليه بالحبس أربع سنوات، ولا يمكن نقض استئناف أو نقض أحكام محكمة أمن الدولة العليا.
في هذا السياق، أصدر حزب العيش والحرية، بيانًا أعلن فيه أن سنطاوي تعرض إلى عدة انتهاكات أثناء فترة احتجازه حيث تم إيداعه الحبس الانفرادي في بداية حبسه، كما طلب سنطاوي ومحاميه إحالته للطب الشرعي والتحقيق في شكوته بتعدي نائب مأمور سجن ليمان طرة عليه في 21 مايو الجاري.
أسرة سمير علمت بدخول ابنها في حالة الإضراب عن الطعام خلال زيارة والده له، في محبسه، حيث أبلغ أحمد والده بأنه في الإضراب منذ جلسة النطق بالحكم. مضيفة أنه بدى عليه سوء حالته الصحية والنفسية أثناء الزيارة، وجميع محاولاتنا لإثنائه عن قرار الإضراب فشلت، معلنًا أن الموت عنده أفضل من الحياة في السجن طوال هذه المدة.
وبدأت الأسرة في مناشدتها لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بإلغاء الحكم الصادر ضد شقيقه بالحبس 4 سنوات، وإيقاف عملية تدمير مستقبله.كما طالبت المنظمات الحقوقية رئيس الجمهورية بعدم التصديق على الحكم الصادر ضده تمهيدًا لإلغائه في بيانها الصادر يوم الأربعاء الموافق 23 يونيو.
في تلك الاثناء طالب رئيس جامعة أوروبا المركزية، مايكل إيجناتيف، السلطات المصرية بإطلاق سراح سنطاوي وإعادته إلى أسرته ودراسته فورًا، فيما أصدرت الرابطة الأوروبية الانثروبولوجيين الاجتماعيين “EASA” بيانًا أعربت فيه عن قلقها من احتجاز السلطات المصرية لسنطاوي، وحثت السلطات المصرية على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة لضمان الإفراج السريع والآمن عن سنطاوي، واحترام حقوقه القانونية.
وكان محامو سمير تقدموا بعريضة للنائب العام بشأن واقعة إضرابه عن الطعام، وحملت العريضة رقم 80603 عرائض إلكترونية النائب العام.
أحمد بدوي
إلى جانب سنطاوي، أكمل المهندس المحتحز أحمد بدوي، شهرا من الإضراب عن الطعام في سجن العقرب، حسب تصريحات والدته، بسبب تجاوزه مدة العامين من الحبس الاحتياطي، واحتجاجًا على ظروف حبسه وسوء معاملته في السجن.
ألقي القبض على بدوي في 21 أبريل 2019 أمن محيط التجمع الخامس، أثناء قيامه برفع لافتة تدعو المواطنين بالتصويت بلا على التعديلات الدستورية، وتم التحقيق معه أمام نيابة أمن الدولة العليا في 28 أبريل من نفس العام، وتم توجيه اتهامات له بالانضمام لجماعة محظورة، استخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي لارتكاب جريمة من شأنها تهديد أمن وسلامة المجتمع.
وتقدمت مؤسسة حرية الفكر والتعبير الأحد 6 يونيو 2021، ببلاغات بالنيابة عن “أحمد بدوي عبد المجيد” لكلًا من النائب العام تحت رقم 260527716، ورئيس نيابة المعادي تحت رقم 260527718، ولمساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون تحت رقم 2605277370، وذلك لقيام المتهم بالإضراب عن الطعام كليًا مطالبًا بإخلاء سبيله، لتجاوز مدة حبسه احتياطيًا عامين على ذمة تلك القضية، وهي أقصى مدة للحبس الاحتياطي وفقًا للقانون.
وبحسب الدكتورة ليلى سويف، قإن بدوي تجاوز الشهر في الإضراب عن الطعام، دون أي تحرك فعال حول أسباب إضرابه أو البلاغ الذي تقدم به لإثبات الواقعة. والدة أحمد، ومحاميه تقدموا بأكثر من بلاغ للنائب العام ولنيابة المعادي، واكتفت النيابة بسؤال السجن عن حالته وإذا كان مضربا عن الطعام من عدمه، وقالوا إنهم في انتظار رد السجن منذ 3 أسابيع دون رد.
من الناحية القانونية يُنظر إلى الإضراب عن الطعام على أنه شكل من أشكال المقاومة السلمية، ويرى العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي أنه أحد حقوق حرية التعبير المكفولة والتي نصت عليها المادة 65 من الدستور المصري “حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
تعارض اللجنة الدولية الإطعام القسري أو العلاج القسري؛ فمن الضروري احترام خيارات المحتجزين والحفاظ على كرامتهم الإنسانية. ويتفق موقف اللجنة الدولية من هذه المسألة بشكل وثيق مع موقف الجمعية الطبية العالمية والمعلن عنه في إعلان مالطا وطوكيو المنقحين في سنة 2006
بالإضافة إلى ذلك هناك عدد كبير من الدول، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، يتبنى قوانين تكفل للمواطنين الحق في رفض الرعاية الطبية (بما في ذلك حق رفض الطعام والشراب) لكونه يترتب منطقيًا على “الحق في الصحة”، وبهذا منحت السجناء المضربين عن الطعام حماية قانونية.
وفقًا للمنظمات الحقوقية فالإضراب عن الطعام هو حق دستوري، للتعبير السلمي عن رفض السجين لشيء ما، أو تحفظ على سلوك ما، ووسيلة لعرض قضية المسجون والضغط إعلاميًّا بشكل قانوني.
أنواع الإضراب، ما بين الإضراب عن الكلام والمياه، والطعام، فضلا عن مراحله التي تبدأ بإضراب جزئي يتمثل في إضراب المسجون عن طعام السجن، أو إضراب كلي عن الطعام، بجانب الإضراب الصوري أو التهديد بالإضراب للضغط إعلاميًّا فقط.
وبمجرد إعلان السجين عن إضرابه يقوم الشخص المسؤول عن العنبر بإبلاغ مأمور السجن، لإثبات الأمر في محضر أحوال السجن، على إدارة السجن معرفة أسباب الإضراب وشكوى السجين وحلها إذا أمكن، ثم يتم إثبات الإضراب من قبل النيابة العامة التي تحقق مع السجين، فضلا عن عرض السجين على طبيب السجن في حالة إضرابه عن الطعام أو الشراب، لمعرفة حالته الصحية والتأكد من صحة الإضراب.
و في حالة وجود خطورة على صحة المضرب عن الطعام يتم نقله فورًا لمستشفى أو عيادة السجن، لتلقيه العلاج المناسب.
وكثيرًا ما لجأت السجون إلى ممارسات عليها خلاف مثل الإطعام القسري لإنهاء الإضراب عن الطعام. ويشير كبيش أيضًا في حديثه إلى أنه في حالة وفاة السجين المضرب عن الطعام يسجل سبب الوفاة على أنه “انتحار”.
في هذا السياق، يعلق محمود ناجي الباحث في مؤسسة حرية الفكر والتعبير على استخدام آلية الإضراب عن الطعام من قبل السجناء السياسيين قائلًا، إن اللجوء للإضراب عن الطعام في تزايد على فترات متقاربة والسبب الأساسي هو تعامل السجون مع المساجين السياسيين سواء في ظروف الاحتجاز أو التعرض للحبس الانفرادي لفترات كبيرة، وإجراءات مثل التضييق على الزيارات والحرمان من متطلبات المعيشة التي تنص عليها اللوائح القانونية”.
منطق السجناء في هذا الوقت من خلال رسائلهم عبر ذويهم أن وضعهم القانوني سواء حبس احتياطي أو أحكام تسبب في دمار حياتهم المهنية والأسرية وأغلبهم شباب صغار، وبالتالي هو يلجأ لخيار صعب للغاية مثل الإضراب عن الطعام، والأصعب الاستمرار عليه لكنه يجد كل الطرق قد تم استنفاذها.
يوضح ناجي أن حالة مثل حالة الباحث أحمد سمير سنطاوي خير مثال على ذلك فهو تعرض لمعاملة سيئة والحبس على ذمة قضية ومن ثم تدويره على قضية أخرى حصل فيها على حكم 4 سنوات غير قابل للطعن، وبالتالي لا سبيل إلا بعدم تصديق رئيس الجمهورية على الحكم، لذلك اختار اللجوء للإضراب الكلي عن الطعام لفداحة الحكم الصادر في حقه باعثًا برسالة الخروج أو الموت، مشيرًا إلى أن حياته أصبحت في خطر شديد ما أدى إلى تحويله لمستشفى السجن وفقًا لأسرته، ومن المفترض أن يقوم السجن بإجراء تحاليل يومية السجين المضرب عن الطعام من أجل متابعة وظائفه الحيوية.